رسائل تركها الأفغان العرب الهاربون من كابل تسلط الضوء على تفاصيل حياتهم الشخصية

وصية كتبها واحد وهو بمعية بن لادن ورسالة تلقاها مقاتل من أمه وأخرى تسلمها سوداني من صديق

TT

كان يبدو واضحا من الكتابة في الاوراق الصغيرة التي قطعت من كراسة ان الكاتب الذي خط تلك السطور بيد ثابتة كان واثقا من ولائه ومتيقنا من مصيره، اذ كتب «اكتب هذه الوصية وعلى بعد اربعة امتار امامي الشيخ اسامة (بن لادن) والشيخ ابوحفص المصري، النائب الثاني والشيخ ايمن الظواهري». وكتب ايضا «وبفضل رحمة الله فأنا اقضي حياتي مع هؤلاء الناس وهم مثل الاسود في مواجهة الكفار».

ويمضي عضو تنظيم «القاعدة» المذكور ليقول في وصيته «اطلب من الله ان ينعم علي بالشهادة واتمنى ألا اكون بعيدا عن هؤلاء الرجال في الدنيا والآخرة». ثم يخاطب اباه «والدي العظيم.. ارجو الا تغضب مني، فهذا واجب الرجال وليس النساء الجالسات في البيوت. سنلتقي في الجنة.. لقد ربيت ابنك بحق لكي يصبح شجاعا وليس جبانا». ويعد كاتب السطور ان يكون موته عونا لاحبائه «بإذن الله، ستعينكم شهادتي يوم الحساب».

هذه الوصية، التي كتبها عضو غير معروف في تنظيم القاعدة الى جانب خطابات اخرى مكتوبة بخط اليد وجدت في المنازل التي هجرها اعضاء التنظيم، تعطي لمحة عن العالم الداخلي لاعضاء «القاعدة». لقد تركوا، وهم يفرون من كابل قبل دخول قوات التحالف الشمالي المعارض في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وراءهم خطابات من امهاتهم ومذكرات من الاصدقاء الى جانب خطاباتهم من الخطوط الامامية. أحد الخطابات مرسل من ام الى ابنها ويبدو من صياغته وكأنه مرسل الى شخص يقاتل في حرب «اننا نتذكرك باستمرار ونسأل الله ان يحميك». وتشير الام في الخطاب الى ان اخته تدعو له آلاف المرات في اليوم، الا ان الام اختتمت خطابها بعبارة متشددة تقول «لكل مسؤوليته وواجبه في اتخاذ موقف محدد وعلى وجه الخصوص المسلمون».

ثمة خطاب آخر مُرسل الى شخص يدعى عبد الوهاب من صديق له في السودان يدور حول ذات الموضوع. يقول وليد، مرسل الخطاب، لصديقه في افغانستان ان «الناس في السودان يعتبرون الناس الذين يتركون الدنيا ويبدأون رحلة الموت اشخاصا على قدر كبير من الاهمية». ثم يشكو المرسل من الشباب غير المتحمس لافكارهم «غالبية الشباب، خصوصا من الدول العربية، يسافرون الى اوروبا ويفسدون هناك»، ويتابع «ان عقولهم تعاني من ارتباك حقيقي ولا يفكرون سوى في المال والجنس. لم نكن نتوقع ذلك منهم، فما كنا نتوقعه منهم هو المشاركة في القتال والحملة ضد الكفار». واختتم المرسل خطابه بالشكوى لصديقه من انه لا يملك مالا كافيا لارسال الخطابات لاصدقائهم في اوروبا. ويكتب وليد في نهاية خطابه مطمئنا صديقه عبد الوهاب الى أن «جميعهم بخير ويتذكرونه دائما». وكتب في الجزء الاخير من خطابه ان امنياتهم وتطلعاتهم «هي ان يستثمر وقته في افغانستان ويتحمل صعوباتها في الجبال الى ان يتمرس جيدا ويصبح قائدا في المستقبل ليخدم بلده وشعبه».

بعض الخطابات الاخرى يتعلق بأمور دنيوية بحتة. ففي احدها يصف عبد الوكيل، وهو عضو في تنظيم القاعدة على ما يبدو، الحياة في افغانستان لاحد الاصدقاء قائلا «اتمنى من الله ان يمنحك الصحة وان يوفقك دائما في فعل كل ما يرضيه». وتبدو المذكرة مثل اي حديث بين اصدقاء وتقول «انتظر رسالتك. تلقيت رسالتك الاخيرة وقرأتها وكنت سعيدا للغاية. واحتفظت بها، وفي كل يوم اطلع عليها عدة مرات». ثم يسأل كاتب الرسالة صديقه عما اذا كان يريد الالتقاء في قندهار او كابل، وقال انه يقرأ كتب صديقه ويقضي وقت فراغه مع زوجته واطفاله «اقضي حياتي هنا في الجبهة. اتمنى من الله ان يقبل عملي وان اشارك في المعارك». وقد حضرت العديد من اسر هؤلاء المقاتلين الى افغانستان وعاشت معهم في منازل في كابل. فهناك على سبيل المثال 100 شيشاني حضروا من القوقاز واقاموا في مدرسة ابتدائية مع اسرهم. ولم يتضح ما اذا كانت هذه المجموعة من اعضاء القاعدة او المتطوعين الاجانب او مجرد لاجئين، كما يطلق عليهم الافغان. ومن بين الاوراق التي عثر عليها قائمة اسماء مكتوبة بالشيشانية والى جوارها ارقام هواتف.

والمساكن التي عثر فيها على وثائق القاعدة مقسمة الى غرف فردية حيث كان الاعضاء يعيشون مع اسرهم، وغرف كبيرة كانت تستخدم كفصول دراسية. وفي خطاب عثر عليه في واحد من هذه المساكن كتبت زوجة عضو في القاعدة اسمه «الاخ اسامة البوسني» الى اختها في البوسنة «شقيقتي العزيزة، ما هي اخبارك واوضاعك؟ اطلب من الله جل جلاله، ان تكوني في حالة جيدة. اود الاطمئنان عليك وعلى طفليك العزيزين اسامة وماريا». وفي ختام الرسالة كتبت «افتقدك كثيرا. والله يعلم مدى محبتي لك اختي العزيزة، ولكن على المسلم دائما الصبر وقبول قدره في طريق الله».

وتكشف الرسائل ورسائل التعريف للمجندين الجدد مدى اتساع نشاط القاعدة. فهناك رجال من المغرب والصومال واوزبكستان وسورية والسعودية والعراق وتركيا والكويت واليمن وباكستان وليبيا ومصر وتركمانستان والفلبين والسودان وكندا، بالاضافة الى رجال من القوقاز وفلسطين ورجل اسمه بلال من اميركا. وتكشف المذكرات والكراريس ان اعضاء القاعدة يقضون يومهم في دراسة الدين والرياضيات واللغتين العربية والانجليزية وفنون القتال والشؤون الاستخبارية والارهاب. وتنتشر الكثير من المنشورات الدينية ونسخ من كتاب بن لادن «الحرب الواضحة ضد الاميركيين».

ومن بين موضوعات الدراسات الاستخبارية «التظاهر للعدو بانك لست عدوه الى ان تتمكن من قتله»، في حين يتضمن التدريب على فنون القتال «كيف تنشر فوضى في مبنى». وجاء في ملاحظة سجلها طالب ان «على الرجل ان يستخدم اقصر الطرق الى هدفه. فعلى سبيل المثال، اشعال حريق في المصعد، تدمير امدادات المياه، سد المداخل والمخارج». اما الاوراق الاخرى فتشير الى نشاطات دنيوية مثل «برامج المحاضرات الاسبوعي». وكتب شخص بلغة انجليزية سليمة «مرحبا بكم في دار الضيافة». وكتب على ورقة عليها علامة التوقف «لا تدخل الحمام وهو قيد الاصلاح». ويظهر ملصق على حائط احد المنازل قلبا محاطا بالورود وعليه عبارة «تجعل قلبي يدق». وتحمل الرسائل والاوراق، في العادة، مزيجا من التطرف البارد والرقة الانسانية.

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الاوسط»