أفغان أميركا يسعون بدعم من إدارة بوش للعب دور في حكومة كابل الجديدة

TT

هربوا من أفغانستان في موجات خلال العقود الثلاثة الماضية، واستقروا، بعشرات الألوف، في نيويورك وفي المدن المحيطة بها. وشيدوا جامعين، وأسسوا مدرسة في منطقة كوينز، واشتروا مئات من قطع الاراضي في لونغ آيلاند ونيوجيرسي لدفن موتاهم. لديهم اطفال، بل واحفاد في الولايات المتحدة، وعبر السنوات اصبح بعضهم مواطنين أميركيين.

وما يزال كثير من المنفيين والمهاجرين الافغان، ممن تختلف وتتعارض ولاءاتهم وبرامجهم، شأن اولئك الذين يوقعون الفوضى في افغانستان، يسكنهم هاجس القضايا السياسية في بلادهم وتستغرق النزعة الوطنية اهتماماتهم.

وهكذا، بعد انهيار حكم طالبان، في اعقاب ايام قليلة من سقوط كابل في 13 من الشهر الجاري، تجمع ما يقرب من 150 منفيا ومهاجرا افغانيا في لقاء طارئ في مطعم افغاني بمنطقة كوينز للتصويت وربما المطالبة بدور ما في مستقبل افغانستان.

وكان تصويتا غير مألوف الى حد ما، اذ جرى بدون أي اطار قانوني. وقد ضم اطباء ومحامين وتجار سجاد واصحاب مطاعم للكباب.

ففي مقهى موستانغ الواقع في منطقة فريش ميدوز كتب الناس اسماء المرشحين على قصاصات من ورق دفتر ملاحظات مخطط ورموها في صناديق الاقتراع، على امل ان يختاروا كأفغان اميركيين يعملون كمستشارين، بل واعضاء في حكومة جديدة في كابل.

وقال الدكتور بشير زكريا، الطبيب الجراح والاستاذ في جامعة كولومبيا، والذي نظم اجتماع كوينز، وهو واحد من ثلاثة اجتماعات عقدت في المقهى منذ ان بدأت الولايات المتحدة قصف افغانستان يوم السابع من اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، قال ان «الاصوات تتزايد وتكبر بسرعة مثل كرة الثلج. ان على اية حكومة جديدة ان يكون لها تمثيل واسع القاعدة، والناس المنفيون والآخرون الموجودون هناك، كلهم معنيون بتحرير افغانستان، حتى لو لم يكونوا من حملة البنادق او المقاتلين ضد السوفيات او ضد طالبان.

وبسبب التوتر وعدم استقرار الوضع في افغانستان، فمن الصعب معرفة ما اذا كان اي من الاجتماعات التي جرت في مقهى كوينز، او في الانتخابات المرتجلة في المناطق الافغانية المحاطة بدول اجنبية، ستؤدي الى دور كبير يقوم به الافغان المنفيون في تقرير مستقبل بلادهم. وما يمكن او يجب ان يكون عليه ذلك الدور يلقى الكثير من الجدل والخلاف في الاوساط الدبلوماسية والاكاديمية وبين المهاجرين.

غير ان كثيرا من المنفيين والمهاجرين الذين انتظروا سنوات لنافذة الفرصة التي يرونها الآن قد انفتحت، متأكدون، بنوع من التفاؤل الملح، ان لديهم شيئا ما يقدمونه.

وسيشكل المندوبون العشرة الذين جرى انتخابهم في كوينز، سوية مع مندوبين من جنوب وشمال كاليفورنيا وواشنطن، في نهاية المطاف، مجموعة وطنية تضم 40 من المهاجرين الافغان. وهذه المجموعة التي ستعرف رسميا باسم «الهيئة الانتخابية للافغان في الولايات المتحدة» ستجتمع في واشنطن وتختار مرشحين للمشاركة في الجمعية العامة في افغانستان، وفقا لما قاله زكريا.

وقد انتخب واحد من مندوبي جنوب كاليفورنيا، هو حسن نوري، المهندس الهايدروليكي، قبل حوالي اسبوعين، في اجتماع شارك فيه 300 شخص، في محاولة للعب دور في مستقبل افغانستان. وقد التقى الاحد الماضي مع منتخبين آخرين في بيته الواقع في منطقة لانجونا فيجويل من اجل وضع خطة للعمل.

وقال نوري انه «من النادر ان نجد أناسا يستطيعون القراءة والكتابة في افغانستان. وفي اطار اعادة بناء البلاد نتمتع نحن بصوت. وبوسعنا ان نفعل ما نستطيع للمساعدة في الاطار السياسي. ولكن في اطار تشكيل حكومة ليس لدينا صوت. فذلك يعود، في الواقع، الى شعب افغانستان».

وتعتبر حساسة جدا مسألة ما اذا كان يتعين على الافغان الذين يعيشون خارج بلادهم، خصوصا اولئك الذين عاشوا بعيدا عن بلادهم لعقود عدة، ان يساعدوا في تشكيل حكومة جديدة.

وقال مسؤولون في وزارة الخارجية الاميركية انهم يدعمون الفكرة رغم انهم لم يعبروا عن الكيفية التي يمكن لادارة الرئيس جورج بوش ان تسهل بها مثل هذه المشاركة. وقد التقى احد مندوبي الهيئة الانتخابية مع احد كبار مستشاري الادارة حول افغانستان.

وفي الوقت الحالي يتمثل الهدف الرئيسي للهيئة الانتخابية والمجموعات المرتبطة بها بتعبئة الاطباء والمعلمين والمهندسين والمختصين الآخرين الذين يعيشون في اميركا ممن يمكن ان يستخدموا مهاراتهم في اعادة بناء افغانستان.

وقد اعدت مجموعة زكريا، وهي المجلس الاسلامي الوطني الافغاني للمهاجرين في اميركا، الذي يضم الافغان الذين يعيشون في مناطق الشمال الشرقي، قائمة تضم اكثر من 50 مختصا، قال زكريا انها ارسلت الى الامم المتحدة.

وينشغل اعضاء مجموعة نوري، وهم الافغان الاميركيون في جنوب كاليفورنيا، ومجموعات مهاجرين افغان اخرى والزملاء والجيران المستعدون لتقديم خبرتهم من الخارج او داخل افغانستان.

وقال المبعوث الخاص للامم المتحدة الى افغانستان الاخضر الابراهيمي الخميس الماضي، ان على الافغان في الخارج ان يلعبوا دورا رئيسيا في المحادثات بشأن تشكيل حكومة جديدة في كابل. ولكنه لم يحدد من عليه ان يساهم من بين الملايين الستة من الافغان الذين يعيشون في الخارج. ويركز مسؤولو الامم المتحدة، حتى الآن، على تنظيم المساعدة الانسانية، اكثر من المساعدة السياسية، من قبل الافغان الذين يعيشون في الولايات المتحدة.

وقالت المتحدثة باسم الامم المتحدة ماري أوكابي انه من المبكر تحديد الدور الكامل للمهاجرين الافغان في الولايات المتحدة. وقد تأجل الاجتماع الاول للجماعات المنفية والاحزاب السياسية، الذي كان مقررا عقده يوم الاثنين المقبل بالقرب من بون في المانيا، يوما واحدا لاعطاء المشاركين فرصة اكبر في الاستعداد للاجتماع وفقا للامم المتحدة.

غير ان مسؤولا في الامم المتحدة يعمل في اطار القضية الافغانية ويعرف زكريا قال ان الجمعية الوطنية التقليدية، التي يعود تاريخها الى عام 1709، والتي ستدعى الى مؤتمر بون لتشكيل حكومة جديدة، مفتوحة «بالكامل» امام الافغان في اميركا.

ووفقا لخطة اعدت في روما قبل سنوات عدة، وقدمها الملك الافغاني السابق محمد ظاهر شاه، فان الجمعية الوطنية يمكن ان تضم خمسة او ستة ممثلين من الولايات المتحدة. وتعرف هذه الخطة التي ساعد زكريا، احد اقرباء الملك ومؤيديه، في وضعها بـ«عملية روما».

غير ان «خطة روما» ما تزال مجرد اقتراح واحد مطروح على الطاولة. ويقول بعض الخبراء بالشأن الافغاني انه بينما تزداد الحاجة الى المساعدة التقنية من جانب المهاجرين الافغان، فان مشاركتهم السياسية، خصوصا اولئك الذين عاشوا في الخارج لعقود عدة، سينظر اليها بارتياب من جانب الموجودين داخل البلاد.

وقال توماس سايمونز، الاستاذ في مركز الامن والتعاون الدولي في جامعة ستانفورد، ان «كثيرا منهم قطعوا اشواطا بعيدة، ويعتبرون جميعا تقريبا سياسيين غرباء في هذه المرحلة. وسيجري اتهامهم بالعمالة لجهات اخرى».

وأضاف سايمونز، الذي عمل سفيرا للامم المتحدة لدى باكستان في الفترة من عام 1996 حتى عام 1998، ان «الكثير من الناس هنا لديهم اواصر» عرقية وقبلية. وفي بعض الاحيان نجدهم اكثر تعصبا للآيديولوجيا من الناس في داخل البلاد».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»