تضارب حول استعداد الجيش الحر لنقل المعركة إلى طرطوس.. وموسكو تعلن جهازيتها لإجلاء رعاياها

مصدر في الأسطول الروسي ينفي اتجاه سفينة حربية إلى قاعدة في سوريا

سوريون يحملون علم الجيش الحر ولوحة تعلن تحرر كفر سوسة في الحي الذي يقع بوسط العاصمة السورية أول من أمس (أ.ب)
TT

بالتزامن مع تصريحات لمصادر عسكرية روسية حول استعداد القوات الجوية لتأمين القطع البحرية الحربية الروسية، في حال إرسالها إلى الشواطئ السورية لإجلاء الرعايا الروس المقيمين في سوريا إذا ما استلزم الأمر.. تواترت أنباء عن استعداد الجيش السوري الحر لنقل المعركة إلى ميناء طرطوس، والتي توجد بها أكبر قاعدة روسية بالبحر المتوسط، لكن نائب قائد الجيش السوري الحر العقيد مالك الكردي رأى أن «الحديث عن استعداد قيادتنا لبدء حملة عسكرية على مدينة طرطوس الساحلية، هو كلام غير مسؤول»، مؤكدا في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن هذه القضية «لا يمكن الحديث عنها أو تناولها»، من غير أن ينفي أو يؤكد صحة ما أشيع.

واعتبر الكردي أن «من أشاع هذا الخبر، يهدف من وراء نقله إلى معرفة النيات المستقبلية لاستراتيجية الجيش السوري الحر العسكرية»، من غير أن يستبعد فرضية أن «نقل الخبر جاء لمجرد الكلام».

وكان موقع «سوريا المستقبل» ذكر أن قيادة الجيش السوري الحر، من مقرها داخل الحدود التركية مع سوريا «تستعد لبدء حملتها العسكرية على مدينة طرطوس الساحلية الشمالية المحمية بآلاف الضباط والجنود السوريين والروس العاملين في سوريا ضمن 100 ألف روسي موزعين على مختلف المناطق الشمالية وعلى العاصمة دمشق، حيث ثقل الترسانتين العسكريتين السوريتين الصاروخية والكيماوية اللتين تعتقد دول أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وغربية مثل الولايات المتحدة وكندا أن نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد قد لا يتردد في استخدامهما ضد أي تدخل عسكري غربي - عربي في بلاده، وضد دول الجوار مثل لبنان وتركيا والأردن، إذا أدرك أنه لا محالة من سقوطه».

وأفاد الموقع نفسه بأن «أحد ضباط قيادة الجيش السوري الحر كشف عن أن خطط نقل المعركة إلى مدينة طرطوس ومينائها، حيث توجد القاعدة البحرية العسكرية الروسية الوحيدة في حوض المتوسط، وأنها لم تعد إلا مسألة وقت»، لافتا إلى أن «عناصر من الجيش الحر اتخذوا مواقعهم داخل هذه المدينة التي لم تبلغها الثورة بعد (بسبب تشديد حراستها لحماية القاعدة الروسية وأكثر من عشرين ألف خبير عسكري فيها) بانتظار صدور الأوامر إليهم لبدء الحملة العسكرية والتغييرات واستهداف الميناء الضخم الذي ترابض فيه أكثر من عشر قطع بحرية روسية، بينها فرقاطة لإطلاق الصواريخ وأخرى لزرع الألغام البحرية وثالثة سفينة إمدادات».

وإذ جدد الكردي تأكيده أن «هذا الكلام غير مسؤول بتاتا»، أكد أن الجيش السوري الحر «يعتمد أساليب مختلفة في تكتيكاته القتالية»، من غير أن يؤكد أن الجيش الحر بدل استراتيجيته العسكرية بعد معركة الحفة، وقرر القتال على نمط حرب العصابات. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع في الحفة كان استثنائيا، إذ أجبرت هذه المدينة المحاصرة والمطوقة على القتال، وخيرت بين الموت والموت، حيث لم يكن هناك مجال لحرب العصابات، ولم يكن هناك سبيل إلا لمواجهة الجيش وجها لوجه». مشددا على أن الحفة، التي كان يقود معركتها بنفسه «كانت القوات النظامية مستعدة فيها لارتكاب أفظع مجزرة في تاريخ الثورة الثورية، وارتكاب إبادة جماعية بحق السكان». وأضاف أن «التكتيكات التي يتخذها الجيش الحر داخل المعارك، تبنى على مؤشرات عملية ونيات النظام»، موضحا أن «الاستراتيجيات تتبدل بغرض تجنيب المناطق المجازر الجماعية».

وتزامنت المعلومات عن استعداد الجيش الحر لنقل المعركة إلى طرطوس، مع خبر نقلته وكالة الأنباء الروسية «أيتار - تاس» عن مصدر في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، أكد أن «عددا من البوارج الروسية تقف في حالة الاستعداد للتوجه نحو الشواطئ السورية».

وأوضح المصدر للوكالة نفسها، أن «البحر الأبيض المتوسط يقع في منطقة المسؤوليات لأسطول البحر الأسود الروسي، ولذلك ليس من المستبعد أن تتوجه سفنه الحربية إلى هناك لتنفيذ مهام تأمين قاعدة طرطوس لإمداد الأسطول الروسي التي تستأجرها روسيا من سوريا»، مشيرا إلى أن «هناك عددا من السفن الحربية التابعة لأسطول البحر الأسود تقع في أهبة الاستعداد للإبحار، بما فيها سفن الإنزال مع وحدات المشاة البحرية الروسية».

لكن مصادر عسكرية روسية نفت الأنباء التي تواردت حول احتمالات إبحار السفينة «نيكولاي فيلتشينكوف» التابعة لأسطول البحر الأسود في اتجاه ميناء طرطوس السوري وعلى متنها وحدة من مشاة البحرية بهدف تأمين المواقع العسكرية السورية التابعة لمركز الإمداد والصيانة الموجود هناك. ونقلت وكالة أنباء «ريا نوفوستي» عن مصادر في البحرية الروسية قولها إن السفينة موجودة في ميناء سيفاستوبول مركز القاعدة البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم منذ الثامن من يونيو (حزيران) وليست محملة بأي شحنات أو أي قوات من مشاة البحرية كما قيل، فضلا عن عدم صدور أي أوامر بالاستعداد للسفر إلى سوريا.

ومن اللافت أن هذه التصريحات صدرت بعد أن تناقلت وكالات الأنباء ما قاله الجنرال فلاديمير غرادوسوف، نائب القائد العام للقوات الجوية الروسية، حول استعداد القوات الجوية لتأمين القطع البحرية الحربية الروسية في حال إرسالها إلى الشواطئ السورية لإجلاء الرعايا الروس المقيمين في سوريا؛ إذا ما صدر القرار عن القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية.

وكانت وكالة «ريا نوفوستي» نقلت عن الجنرال غرادوسوف قوله إن «المنطق يقول إن الدولة مدعوة لحماية رعاياها»، وتأكيده أنه «على قناعة من أن روسيا لن تترك أبناءها، وستعمل على تأمين إجلائهم إلى الوطن في حال اقتضت الضرورة ذلك».

ومن المعروف أن سوريا تقطنها إحدى أكبر الجاليات الروسية في العالم العربي، وتتكون من الخبراء والعسكريين العاملين بموجب العقود والاتفاقيات الرسمية مع الدولة السورية، إلى جانب زوجات السوريين الذين كانوا تلقوا تعليمهم وتدريباتهم في روسيا والاتحاد السوفياتي السابق.

وكانت مصادر روسية سبق وكشفت في وقت سابق من هذا الشهر عن أن وزارة الدفاع الروسية بدأت في إعداد بعض الوحدات العسكرية بهدف إرسالها إلى الخارج؛ بما في ذلك إلى سوريا. ونقلت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» عن مصادر مطلعة في المؤسسة العسكرية قولها، إن «فرقة بيسكوف للمظلات رقم 76 مع اللواء 15 من بيسكوف، والذي يضم عددا من المقاتلين الشيشان الذين سبق وخدموا في كتيبتي القوات الخاصة التابعة للمخابرات العسكرية (الشرق والغرب)، تقوم باستعدادات مكثفة للمشاركة في عمليات قتالية».

وأعادت الصحيفة إلى الأذهان أن فرقة بيسكوف للمظلات سبق وشاركت في مهمات لحفظ السلام في كل من كوسوفو والشيشان وجورجيا. وقالت إن القوات المدعومة بمقاتلين من الشيشان سبق وقامت بمهام تتعلق أيضا بحفظ السلام في لبنان في الفترة 2006 - 2007، بينما أبلت بلاء حسنا حين شاركت في الحرب ضد جورجيا في عام 2008.

وأشارت الصحيفة إلى وجود قوات خاصة من مشاة البحرية من أسطول البحر الأسود تجري أيضا استعداداتها للقيام بعمليات مماثلة في سوريا، مشيرة إلى انضمامها إلى القوام القتالي لسفينة الحراسة «سميتليفي»، التي سبق وزارت ميناء طرطوس في مايو (أيار) الماضي بعد انتهاء فترة دوريتها في مياه البحر المتوسط.

وكان كل من وزيري الدفاع أناتولي سيرديوكوف والخارجية سيرغي لافروف سبق وأدانا ما يثار عن احتمالات مشاركة قوات روسية في الأحداث الجارية في سوريا، مشيرين إلى «محاولات المعارضة التذرع بمثل هذه الأخبار غير الدقيقة، بهدف إحباط مهمة كوفي أنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية في سوريا». وأكدت المصادر الرسمية أن القوات الروسية الموجودة في البحر المتوسط، والتي تستخدم مركز الصيانة والإمدادات التقنية في طرطوس لا علاقة لها بالأحداث الداخلية في سوريا، وأن ما تقوم به من نشاط يدخل في إطار مهامها الاستراتيجية في منطقة البحر المتوسط.

وكان إيغور يورغنس، مدير معهد التنمية المعاصرة الذي تأسس بمبادرة من الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف، طرح مبادرة تقضى بإيفاد قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة بلدان معاهدة الأمن الجماعي (التي تضم روسيا ومعظم بلدان الاتحاد السوفياتي السابق) لمساعدة أنان في تنفيذ خطته. وطالب يورغنس باتخاذ موقف أكثر مرونة في سوريا، معيدا إلى الأذهان قرار الأمم المتحدة حول «المسؤولية عن الحماية»، والذي ينص على «حق الأسرة الدولية في التدخل العسكري، باعتباره خطوة أخيرة في حال عجز الدولة عن حماية مواطنيها من الجرائم الموجهة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم».

وتعليقا على اقتراح يورغنس حول إيفاد قوات حفظ السلام، قال نيكولاي بورديوجا الأمين العام لمنظمة بلدان معاهدة الأمن الجماعي، إن «اتفاقية استحداث القوات الجماعية للرد السريع التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي تقضي بإمكانية الفصل بين الأطراف. أما الوضع في سوريا فيقضي بتنفيذ عملية إرغام الأطراف على الجنوح إلى السلام، وقبل كل شيء بالنسبة إلى المقاتلين، أو بالأحرى أولئك الذين يحاولون معالجة المهام السياسية بحمل السلاح وليس في إطار دستور الدولة».

وأضاف قوله بجواز هذه المبادرة من الناحية النظرية، والتي وصفها بأنها «مبادرة مضيئة للسياسيين، لكن ليس لمن يزج به في هذا الجحيم ضمن قوات الرد السريع»، التي تضم ما يقرب من عشرين ألفا من خيرة العسكريين المدربين، مشيرا إلى أن المعارك تدور في سوريا باستخدام الأسلحة الثقيلة من قبل الجانبين.

وكان ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين، قد انتقد الدعوة إلى التدخل العسكري الخارجي في سوريا ومحاولات عدد من الأوساط الغربية استمالة روسيا والصين إلى الموافقة المتشددة لهذه الأوساط ضد سوريا. ونقلت عنه صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» قوله، إن «موقف روسيا إزاء الأحداث في سوريا معروف جيدا، وهو متوازن ومنطقي تماما. ومن العبث التعويل على تغييره تحت أي ضغوط».