تركيا تنحو للتهدئة بانتظار «استكمال المعطيات»

ضابط منشق: روسيا أسقطت الطائرة التركية.. في رسالة تحذير من التدخل الدولي

خريطة توضيحية حول الموقع الذي أسقطت فيه الطائرة التركية والذي يجري البحث فيه حاليا عن الطيارين (إ.ب.أ)
TT

تواصلت عمليات البحث التركية - السورية عن الطيارين التركيين المفقودين، وعن حطام الطائرة التي كانا يستقلانها قبل أن تسقطها سوريا في مكان اعترفت تركيا بأنه قد يكون في الجهة السورية من الحدود، بينما كانت القيادة التركية على أعلى درجات الاستنفار والحذر، مفضلة عدم الخوض في تفاصيل «الرد» التركي المنتظر على العملية، في انتظار «جمع المعطيات ودرس الخيارات»، كما أبلغ كبير مستشاري الرئيس التركي عبد الله غل «الشرق الأوسط» أمس.

وبدا أن تركيا تريد «التريث» في تصعيد الموقف مع الجانب السوري بانتظار جلاء حقيقة ما جرى، بينما اتهم أحد الضباط المنشقين عن الجيش النظامي السوري روسيا بإسقاط الطائرة التركية كرسالة إلى المجتمع الدولي بقدرتها على التصدي لأي هجوم محتمل على سوريا. وقال إرشاد هورموزلو، كبير مستشاري غل، إن أولوية تركيا الآن هي «العثور على شبابنا»، في إشارة إلى الطيارين اللذين كانا على متن الطائرة. وأضاف: «تركيا تستجمع المعلومات والمعطيات، ولن ننجر إلى المتاهات وردود الفعل غير المدروسة، فنحن دولة، ونتصرف وفقا لمفهوم الدولة والمؤسسات»، من دون أن يغفل عن التشديد على أنه في المقابل «لا يمكن بأي شكل من الأشكال التغاضي عن ما حصل». وبالتوازي مع عمليات البحث التي تقوم بها البحريتان التركية والسورية، كانت الاجتماعات تتلاحق في تركيا لبحث سبل التعامل مع الأزمة غير المتوقعة التي نجمت عن إسقاط الطائرة، وسط ضغوط مكثفة من الصحافة التركية التي حملت السلطات السورية المسؤولية ودعت بلادها إلى «الرد بقسوة».

وترأس رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، أمس، اجتماعا ثانيا لـ«خلية الأزمة» خلال 24 ساعة، بينما يتوقع أن تعقد الحكومة التركية اجتماعا اليوم أو غدا للبحث فيها أيضا. وقالت مصادر دبلوماسية تركية لـ«الشرق الأوسط» إن وزير الخارجية التركي عقد اجتماعات مع رئيس أركان الجيش ومع رئيس الاستخبارات للنظر في الخطوات التي يجب القيام بها ردا على قيام سوريا بإسقاط الطائرة. وقالت المصادر إن الاجتماع الذي دام ساعتين حضره أيضا مسؤولون كبار في الجيش والاستخبارات، وتطرق أيضا إلى عمليات البحث الجارية عن الطيارين والطائرة. وتوجه داود أوغلو بعدها إلى أردوغان، حيث عقدا اجتماعا أطلعه خلالها على رؤية المؤسسة العسكرية للأزمة.

وإذ اعترفت تركيا بأن الطائرة «قد تكون دخلت المجال الجوي السوري عن طريق الخطأ»، إلا أنها شددت على عدم مرور الأزمة من دون عواقب. وقال الناطق بلسان الخارجية التركية لـ«الشرق الأوسط»: «إن خطوات قد تتخذ وفقا لما تراه الحكومة التركية بعد جمع كافة المعطيات»، وردا على سؤال عن نية بلاده طلب المساعدة من حلف شمال الأطلسي، قال أونال: «في مرحلة معينة، يمكننا إبلاغهم بذلك».

وكانت تركيا قد أكدت مساء الجمعة أن طائرة سلاح الجو التركي التي فقدت فوق شرق البحر المتوسط منتصف نهار الجمعة، قد أسقطتها سوريا. وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن الجهود المشتركة مع سوريا لتحديد مكان الحطام والطيارين مستمرة. وقال مكتب أردوغان إنه فور اتضاح ملابسات الحادث، سيتم اتخاذ الخطوات اللازمة.

ونقلت وسائل الإعلام التركية عن الرئيس عبد الله غل قوله إنه لا يمكن تجاهل حقيقة أن سوريا أسقطت طائرة تركية، مضيفا أن كل ما يتعين فعله في أعقاب الحادث سيتخذ. وقال: «لا يمكن التغطية على أمر مثل هذا.. كل ما يتعين فعله سيتخذ». وفي اعتراف غير مباشر بإمكانية خرق المجال الجوي السوري، قال غل: «عندما ننظر إلى سرعة هذه الطائرات المقاتلة أثناء الطيران فوق البحر، فإن عبور الحدود لمسافة قصيرة ثم العودة مرة أخرى هو عمل عادي. وبسبب الطبيعة الخطيرة لهذه الواقعة، فإن من المستحيل في هذه المرحلة إعطاء أي بيان أكثر تفصيلا». وسئل عما إذا كانت تركيا على اتصال بسوريا بشأن الواقعة، فأجاب: «إن أنقرة أجرت اتصالا هاتفيا مع دمشق»، وقال: «لأنه لا يوجد أمن هناك سحبنا ممثلينا من سوريا. هذا لا يعني أنه ليس هناك اتصال». وأوضح أنه «تم العثور على بعض أجزاء من الطائرة.. ولا يزال البحث عن الطيارين الاثنين مستمرا».

ودعا نائب رئيس الوزراء التركي بولند أرينج إلى «الحفاظ على الهدوء، وألا نسمح بالانجرار إلى تصريحات ومواقف استفزازية». وأوضح أن طائرة «إل إف - 4» التركية «كانت تقوم بمهمة استطلاع وتدريب»، ولم تكن مجهزة بسلاح، معربا عن أمله أن تتضح ملابسات هذا الحادث في أسرع وقت. وقال إن بلاده تنتظر من سوريا أن تقدم لها تفسيرا حول سبب إسقاطها طائرة تدريب كانت تجري أنشطة استطلاع روتينية، «وعندما نحصل على تفسير حول سبب إسقاط طائرة سنقدمه للرأي العام». ودعا وزير الشؤون الأوروبية التركي أجمين باجيس مواطني بلاده إلى التحلي بالهدوء والصبر. ونقلت وكالة الأناضول التركية للأنباء عن باجيس قوله إن «الدولة التركية قوية ولننتظر استكمال العملية بقليل من الصبر والتفهم». وأضاف: «من المهم تذكر أنه ليس كل شيء أسود وأبيض».

في غضون ذلك، اتهم النقيب المظلي عمار الواوي الذي ترأس «لواء التحري» في «الجيش السوري الحر»، المنشق، الدفاعات الجوية السورية بأنها غير قادرة على إسقاط أهداف مماثلة. وقال في اتصال مع «الشرق الأوسط» من مقره قرب الحدود التركية - السورية إن الطائرة استهدفت عند دخولها الأجواء السورية مباشرة بواسطة دفاعات جوية روسية، مشيرا إلى أن «الروس نصبوا شبكات صواريخ في اللاذقية وكسب»، معتبرا أن هذه الخطوة هي رسالة تهديد إلى المجتمع الدولي لا تركيا فقط، مفادها أن روسيا قادرة وعازمة على إسقاط أية طائرة تدخل المجال الجوي السوري. وانتقد الواوي التقاعس التركي، معتبرا أنه «على أنقرة أن تكون قادرة على حماية شعبها وأراضيها وسيادتها التي يخرقها النظام السوري».

وكانت السلطات السورية أعلنت فجر أمس أن وسائل الدفاع الجوي أسقطت قبل ظهر الجمعة طائرة عسكرية تركية بعدما اخترقت المجال الجوي السوري. وقال ناطق عسكري لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن «هدفا جويا مجهول الهوية اخترق مجالنا الجوي فوق مياهنا الإقليمية فتصدت له وسائط دفاعنا الجوي على مسافة كيلومتر من اليابسة وأصابته إصابة مباشرة فسقط في البحر» غرب محافظة اللاذقية. وأضاف: «تبين لاحقا أن الهدف الجوي كان طائرة عسكرية تركية دخلت مجالنا الجوي، وتم التعامل معها وفق القوانين المرعية». وتابع الناطق العسكري أنه «تم التواصل بين قيادتي القوات البحرية في البلدين، حيث تقوم سفن البحرية السورية بالاشتراك مع الجانب التركي في عمليات البحث عن الطيارين الاثنين المفقودين».

وأشار الناطق باسم الخارجية السورية، جهاد المقدسي، في حديث إلى قناة «الميادين» اللبنانية إلى أن «هناك تنسيقا بين القيادات العسكرية على الأرض والقيادة التركية»، معتبرا أن «الدفاعات الجوية السورية كانت على الأراضي السورية لحماية الأراضي السورية عندما أسقطت الطائرة التركية». وأكد أنه «لا يوجد لدينا أي نوايا عدوانية تجاه تركيا». وأكد أنه «لم يصدر عني أي تصريح بنفي أو عدم نفي صدور اعتذار من سوريا». ومن جانبه، قال متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس إنه يأمل أن تتحلى تركيا وسوريا بضبط النفس بشأن حادثة إسقاط مقاتلة تركية فوق البحر المتوسط. وقال مارتن نسيركي المتحدث باسم بان: «يتابع الأمين العام الوضع من كثب، وهو يأمل معالجة هذا الحادث الخطير بضبط النفس من الجانبين من خلال القنوات الدبلوماسية».

ومن جهتها، قالت واشنطن إنها تتشاور مع أنقرة حول إسقاط الطائرة التركية، وإن تركيا ستدرس الموضوع، وستحدد دورها، قبل صدور تفسيرات أميركية.