الأميركيون يعترفون بحيرتهم أمام «عش النمل» في جبال شرق أفغانستان

واشنطن تتعقب طالبان والقاعدة في شبكة من الأنفاق والكهوف من صنع الطبيعة والإنسان وتحدت الإسكندر المقدوني والسوفيات

TT

القاعدة العسكرية المسماة زهوار كيلي البدر، لها اسم اخر ايضا هو «حفرة الضبع». وتقع زهوار في نهاية ممر طويل متعرج داخل جبال «سودياك غار» بشرق افغانستان، وهي عبارة عن نصف ميل من الكهوف والانفاق المتشابكة التي لا تبعد اكثر من 4 الاف متر من الحدود الباكستانية. كان الجيش الاحمر السوفياتي قد احتلها عام 1986 اثناء الغزو السوفياتي لافغانستان، ولكنه لم ينجح في مهمته الا بعد 57 يوما من القصف الجوي والقتال الذي وصل الى مرحلة الاشتباك بالايدي.

قال الجنرال المتقاعد الكسندر لياخوفسكي، في مقابلة مؤخرا: «احتللناها بعد تدميرها. دمر كل شيء في ذلك الهجوم. ثم غادرت القوات، وبعد ستة اشهر او عام واحد استردوها من جديد».

طاحونة الاشاعات الافغانية تقول حاليا ان اسامة بن لادن، ومعه 1200 من مقاتلي طالبان يختبئون في قاعدة جبلية شبيهة بزهوار، تسمى «تورا بورا» بالقرب من الحدود الباكستانية. ولكن بن لادن لديه خيارات كثيرة. فافغانستان عبارة عن عش نمل من الاف الكهوف، وعدد لا يحصى من الانفاق التي تمتد اميالا، والقواعد البعيدة الغور، والمخابئ المحصنة. وهذه كلها نتيجة لتشابك عوامل منها التاريخ والمناخ والجيولوجيا، ومنها المعارف الهندسية لابن لادن، ومنها الاموال الاميركية التى بذلتها بسخاء وكالة المخابرات المركزية الاميركية قبل 15 عاما. بالاضافة الى ذلك، فليست «القاعدة» سوى المثال الاكثر وضوحا على ما يدعوه البنتاغون، توجه المنظمات الارهابية والدول المارقة لنقل عملياتها السرية والخطيرة الى اماكن بعيدة عن الصواريخ واقمار التجسس.

قال وزير الدفاع الاميركي، دونالد رامسفيلد خلال مؤتمر صحافي يوم 11 اكتوبر (تشرين الاول) الماضي: «كثير من الدول قامت بحفريات لا حد لها تحت الارض. ومن الممكن تماما ان تحفر عميقا على صفحة الجبل، وان تضع صاروخا ضخما هناك، وان تنصبه وتطلقه من هذا الجبل من موقع تحت الارض».

شبكة الكهوف والانفاق الافغانية، ليست مستعصية على وسائل الاستكشاف وانواع الذخائر المتقدمة التي يملكها الاميركيون الان، كما كانت من قبل بالنسبة للروس. ويقول البنتاغون ان الطائرات الحربية الاميركية كانت تقصف كهوفا وانفاقا تم اختيارها بدقة كبيرة، ولعدة اسابيع متوالية. وتطلق هذه الطائرات قنابل زنة 500 رطل على فوهات هذه الكهوف والانفاق لاغلاق مداخلها، كما تقصفها في نفس الوقت بقنابل ضخمة الهدف منها تفجير الذخائر التي ربما تكون مخفية هناك واصابة الاهداف الاستراتيجية الاخرى. وقال رامسفيلد ان بعض هذه الضربات سببت انفجارات ثانوية هائلة كانت تستمر في بعض الاحيان عدة ساعات بعد نهاية الغارة.

ومع ذلك فان هذه الشبكة معقدة بصورة مزعجة، ويسهل الاختباء داخلها رغم كل القصف الذي يمكن ان تتعرض له. ويعترف البنتاغون نفسه ان بعضها، والتي يمكن لابن لادن ان يختار البقاء داخلها، تبقى بعيدة عن احتمال اصابتها مهما كانت ضخامة القنابل التقليدية التي يمكن ان تلقى عليها.

واذا لم يكن بن لادن محاطا بهذا الوضع الحرج، لكان لديه قدر غير محدود من الخيارات التي يمكن ان يلجأ اليها. فالجبال الافغانية مثقوبة بآلاف الكهوف الطبيعية. وهذه الجبال نفسها والوديان التي تقع بينها، يغطيها نظام الكرزاي، وهو نظام للري ممعن في القدم، تغذيه انفاق تمتد في بعض الحالات اكثر من 100 قدم تحت الارض. وقد حفرت الكرزاي بغرض ضخ الماء من العيون المائية، وظل الافغان يستخدمونها منذ قرون عديدة، ويقول البعض ان بعضها يرجع الى عهد الاسكندر الاكبر، ليس فقط للري، بل للاختباء من اعدائهم ومباغتتهم في هجمات من الخلف بعد توغل العدو في المنطقة. ويقول الخبراء الروس ان كثيرا من هذه الكرزاي لها مخارج سرية ومنافذ للتهوية يمكن لقوات طالبان ان تهرب من خلالها. وقد اجرى الجيش السوفياتي مسحا تفصيليا لهذه الكرزاي في حرب الثمانينات، مستخدما التصوير الجوي ومستفيدا من خدمات القرويين المحليين، ويقال ان وزارة الدفاع السوفياتية قد اعطت هذه الصور والخرائط للولايات المتحدة.

واذا كان من المتوقع ان تستخدم قوات طالبان هذه الكرزاي في حرب العصابات، فان بن لادن ليس متوقعا ان يستخدم كهوفا عطنة تقول التقارير انها تمتلئ بالعقارب وثعابين الكوبرا. كما ان الكهوف الطبيعية لا توفر ملجأ طويل الامد. وهذا يترك له خيارين; القواعد مثل حفرة الضبع، والتي يقال ان هناك اكثر من عشر منها، او المخابئ الحصينة في عمق الجبال والتي اقيمت لمقاومة كل انواع الهجوم ما عدا القنابل الذرية. ويقول احد الخبراء ان بن لادن اقام مخبأين على الاقل من هذا الطراز بالقرب من جلال اباد وقندهار.

ويقول جون شرودر، عالم الجيولوجيا في جامعة نبراسكا في اوماها، والذي اعد اطلس افغانستان عام 1970 «هذه الانفاق متعددة المستويات وتشبه رجل الكلب، ولها فتحات للتهوية وابواب خلفية للهروب». ويضيف شرودر انه قضى وقتا طويلا في المنطقة في الثمانينات وانه يعرف نظام الكرزاي والانفاق معرفة دقيقة.

ويعتقد بعض الخبراء ان هذه القلاع لا يمكن احتلالها الا بواسطة القوات الارضية، وانه في حالات الهجوم الارضي يمكن لمن يختبئ داخلها ان يهرب من الخلف. وقال شرودر «ربما تستطيع العيش لمواصلة القتال في اليوم التالي، ولكنك ستكون قد خلفت وراءك قتلى كثيرين».

ومع ان قواعد مثل زهوار وتورا بورا تفتقر الى الابواب الفولاذية ووسائل الحماية التي تتمتع بها المخابئ المشيدة، الا انها حصينة بطريقتها الخاصة. وقد بنيت بعضها في الثمانينات، عندما كانت الاموال الاميركية تنهمر بملايين الدولارات على المقاتلين الافغان ضد الاتحاد السوفياتي، وقد آلت جميعها الى «القاعدة» حاليا. وكانت تورا بورا بالذات، والتي يعتقد ان بن لادن يختبئ فيها، كقاعدة تمولها «سي أي ايه»، لمصلحة المقاتلين الافغان وقد اقام فيها بن لادن عندما اجبر على مغادرة السودان اواخر التسعينات.

اما زهوار، الاسوأ سمعة من جميع هذا القواعد، فقد تم قصفها عام 1998 بعشرات من صواريخ كروز بعد تفجير السفارتين الاميركيتين بشرق افريقيا. ولكنها اقيمت اساسا في منتصف الثمانينات كمستودع وقاعدة للمساعدات الاميركية التي كانت تنهمر عبر الحدود الباكستانية على بعد ميلين فقط. والمتمرد الذي اشرف على بناء هذا القاعدة وقتها هو جلال الدين حقاني، قائد قوات طالبان الحالي. وتتكون هذه القاعدة من 41 كهفا، تتوفر فيها كل الخدمات; مخبز، وفندق به كل انواع الاثاث، ومستشفى به اجهزة اشعة فوق صوتية، ومكتبة، ومسجد، وكل انواع الاسلحة، وموقع خدمات توجد فيه دبابة روسية الصنع من طراز دبابات الحرب العالمية الثانية، ولكنها في احسن حال.

قال فيكتور كوتسينكو، الذي قاد القوة السوفياتية المكلفة بتدمير القاعدة ابان الحرب الافغانية: «كان طول هذه الكهوف اكثر من عشرة امتار، وعرضها اربعة امتار وارتفاعها ثلاثة امتار. الحيطان كانت بواجهات من الطوب. وكانت مداخل الكهوف مغطاة بابواب قوية من الحديد، ومطلية بالوان زاهية. ومع ان طائراتنا قد قصفت هذا الموقع عدة مرات الا ان الفندق والكهوف ما تزال بحالة ممتازة».

وتعلم المتمردون من الهجمات التي شنت عليهم، فاقاموا 600 متر من الانفاق الواصلة بين الكهوف حتى لا يؤدي اغلاق احد المداخل الى محاصرة المقيمين فيه. ويقال ان بن لادن ادخل بعض التجديدات على القاعدة وعلى قاعدة مجاورة في التسعينات.

ويقال ان هذه القاعدة لم يستخدمها في السنوات الاخيرة بن لادن وحده، بل استخدمتها كذلك منظمة الجهاد الاسلامي المصرية وغيرها من المنظمات الارهابية. وما يثير قلق البنتاغون ليس هو كيفية الوصول الى بن لادن في هذه القواعد والانفاق، بل هو استخدامها على المستوى العالمي. وبفعل هذا القلق، ومدفوعة خاصة بمحاولات كوريا الشمالية والعراق لاخفاء اسلحة الدمار الشامل التي انتجها هذان البلدان، قامت القوات المسلحة الاميركية منذ اواخر التسعينات بصنع قنابل تكون قادرة على تدمير الانفاق واختراق القلاع المقامة على جوانب الجبال. وقد اشارت وثيقة عسكرية ترجع الى عام 1997 الى ان الاسلحة التي استخدمت في حرب الخليج ذات اثر محدود اذا استخدمت ضد الانفاق التي شيدت من المواد الحديثة، واشارت على وجه التحديد الى انفاق افغانستان. وحذرت الوثيقة من «اتجاه عالمي واضح لبناء الانفاق لحماية المعدات».

وكان رامسفيلد قد اشار الشهر الماضي، الى ان اعداء حاليين ومحتملين للولايات المتحدة قد حصلوا على معدات متقدمة لحفر الانفاق، «هذه المعدات يمكن ان تحفر دائرة قطرها 50 قدما لمسافة 200 قدم في اليوم الواحد. وهى من النوع الذي استخدم في حفر الانفاق تحت القنال الانجليزي وتحت المحيط الاطلسي». وهى اشارة للنفق الذي يربط بريطانيا وفرنسا، وهو من اكثر الانفاق تقدما في تاريخ اقامة الانفاق.

في عام 1998 قامت وزارة الدفاع باجراء اختبارات على قنابل ومتفجرات بمنطقة هوايت ساندس في نيو مكسيكو بغرض تدمير منشآت حصينة فوق الارض او تحتها، وخاصة الانفاق التي تقيمها المنظمات الارهابية. ومن ضمن الاجهزة التي اجريت الاختبارات عليها قنابل «حرارية هوائية» وهي التي تستخدم مركبا من الوقود والهواء لاحداث انفجار هائل الحجم، عظيم الاثر. مثل هذه القنابل هي التي دمرت مواقع طالبان. ومع ذلك فان هذه القنابل طورت بداية هذا العام، مما انتج القنابل من طراز GBU التي تزن 4700 رطل، والمسماة «مهشمة المخابئ»، وهي موجهة باشعة الليزر، وكذلك الصاروخ AGM الذي يحمل رأسا وزنه 2000 رطل، وقد استخدم كلاهما في افغانستان. هذه القنابل والصورايخ يمكن اطلاقها على فتحات الانفاق بصورة دقيقة وهي تنفجر بقوة اعظم من القنابل الحالية.

وبحلول عام 2004 يتوقع الخبراء العسكريون ان يكون هناك 20 نوعا من هذه الاسلحة، واذا كان بن لادن ما يزال تحت الارض وقتها فانها يمكن ان تستخدم ضده ولا بد انها ستصل الى الهدف حينها.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»