مؤتمر جنيف حول سوريا.. «وثيقة» واحدة و«تفسيرات» متضاربة

فابيوس: النص واضح.. ولافروف: لا يوجد ما يشير لتنحي الأسد ونعارض اللجوء للفصل السابع

سوريون في مظاهرة أثناء تشييع ضحايا «جنازة» زملكا أول من أمس في درعا (رويترز)
TT

بينما أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمس أن النص الذي اتفقت عليه الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بجنيف، حول عملية التحول السياسي في سوريا، يلمح إلى ضرورة تنحي الأسد.. أصر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أن «البيان الختامي للمؤتمر لا يشترط تخلي الرئيس بشار الأسد عن السلطة»، إلا أنه اعترف صراحة بمسؤولية النظام السوري عن تدهور الوضع الأمني، وكذلك أقر للمرة الأولى بسيطرة المعارضة على مدن كاملة. في الوقت الذي اعتبرت فيه إيران أن الاجتماع «لم يكن ناجحا»، بسبب غيابها عنه.

وعلى الرغم من اتفاق القوى العالمية في جنيف أول من أمس على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية في سوريا لإنهاء الصراع هناك، فإن الخلافات ما لبثت أن ظهرت حول التفسيرات الخاصة بالدور الذي ربما يقوم به الأسد في هذه العملية.

وعندما سئل فابيوس عن السبب الذي يجعل روسيا والصين لديهما وجهة نظر مختلفة حول مستقبل الأسد، أجاب: «حتى إذا قالا العكس، فإن النص يقول على وجه الخصوص إنه ستكون هناك حكومة انتقالية لها كل الصلاحيات، يعني أنها لن يكون بها بشار الأسد.. لأنها ستضم أشخاصا يجري الاتفاق عليهم بشكل متبادل».

وأكد فابيوس لمحطة «تيه إف 1» التلفزيونية: «لن توافق المعارضة أبدا عليه.. لذلك فإنه يشير ضمنيا إلى ضرورة رحيل الأسد، وأن أمره منته».. بينما كان مبعوث السلام الدولي كوفي أنان قد قال بعد المحادثات إن «الحكومة يجب أن تشمل أعضاء في إدارة الأسد والمعارضة السورية»، وأنها لا بد أن تدعو إلى إجراء انتخابات حرة.

وقال فابيوس إن اجتماعا يعقد في السادس من يوليو (تموز) في باريس بمشاركة أكثر من مائة شخص سوف يهدف إلى تشكيل «جبهة موحدة» من كل أطياف المعارضة للمساعدة على تنفيذ اقتراح أنان. ولم توافق الصين أو روسيا على حضور مؤتمر «أصدقاء سوريا».

وتحاول فرنسا، إلى جانب الدول الغربية وبعض الدول العربية، منذ شهور، تصعيد الضغط على دمشق، وهي تسعى للتوصل إلى حل وسط مع روسيا - التي تدعم الأسد - للسماح باتخاذ مجلس الأمن إجراء أكثر صرامة والمضي في التحول السياسي. وفي يونيو (حزيران) اقترحت باريس جعل خطة سلام أنان القائمة بشأن سوريا ملزمة، من خلال تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح لمجلس الأمن التفويض باتخاذ إجراءات تتراوح بين فرض عقوبات وبين التدخل العسكري.

وقال فابيوس: «إذا لم تكن القرارات التي اتخذت (أول من) أمس كافية، فسنعود إلى مجلس الأمن ونطلب تفعيل الفصل السابع.. مما يعني الإلزام بتطبيق هذا القرار».

وعلى الجانب الآخر، أعلن سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، ارتياحه لما توصل إليه المجتمعون باجتماع جنيف من نتائج، مؤكدا في الوقت نفسه أن «البيان الختامي للمؤتمر لا يشترط تخلي الرئيس بشار الأسد عن السلطة»، ومعربا عن أسفه لغياب إيران والسعودية عن المؤتمر.

وقال لافروف إن «الصياغة الأولية للبيان كانت تتضمن الإشارة إلى وجوب استثناء الأشخاص الذين يقفون ضد السلام، وهو ما كان يتعارض مع المطلب بأن تكون العملية السياسية في سوريا شاملة، ومع فصل ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، كما أنه يتعارض مع منطق البيان الذي صدر عن لقاء جنيف، والذي ينص على ضرورة أن يكون تقرير مصير سوريا أمرا يخص السوريين أنفسهم». وأضاف: «ولهذا كنا نصر على حذف التأكيد على ضرورة استثناء أي أحد من العملية السياسية».

وأكد لافروف معارضة موسكو لمحاولات بعض الدول الغربية إدراج بند ينص على اللجوء إلى الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة في مشروع جديد لخطة أنان، وقال: «إنه أمر غير مقبول بالنسبة لنا، على الأقل لأن الاجتماع لم يكن ليمكن أن يحدد مضمون القرار الذي سيتخذه مجلس الأمن الدولي حول سوريا». وأضاف: «يجب تنفيذ خطة أنان في إطار وعلى أساس القرارات التي تبناها مجلس الأمن».

وكشف لافروف النقاب عن أن موسكو ستقوم خلال القريب العاجل بإجراء عدد من الاتصالات مع فصائل المعارضة السورية، وقال إن «موسكو حين تتوجه بدعواتها إلى فصائل المعارضة للالتزام بوقف إطلاق النار تفاجأ بردود تقول بوجود الدول التي تدعوها إلى ما هو على النقيض من ذلك؛ أي إلى عدم إلقاء السلاح، في الوقت الذي تؤكد فيه استمرارها في دعمها».

ولم ينف الوزير الروسي مسؤولية النظام الحاكم في سوريا عن تفاقم الأوضاع واستمرار المواجهات، إذ قال صراحة: «إننا لا نبرئ أعمال النظام السوري. إنه يتحمل المسؤولية عن الوضع الأمني في البلاد، وقد تأخر بإجراء الإصلاحات». وحول وقف إطلاق النار وإخلاء المدن والنقاط السكانية المأهولة من الأسلحة، قال لافروف إن «مهمة إخلاء المدن السورية من المظاهر المسلحة تتصف بأعلى درجة من الصعوبة في ظل تصعيد الأوضاع من قبل الحكومة والمعارضة».

ولأول مرة يعترف لافروف بسيطرة المعارضة على مدن ومناطق بأكملها، حين أوضح أن روسيا تعمل مع شركائها من أجل تنفيذ مهمة الإخلاء، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن «يكون هناك نموذج موحد بالنسبة لجميع المدن السورية، إذ إن هناك مدنا تسيطر عليها الحكومة، ومدنا أخرى تسيطر عليها المعارضة؛ فإن هذه المعارضة ليست موحدة، فهنالك مدن تسيطر عليها جماعة معارضة، وهناك مدن أخرى تسيطر عليها جماعات أخرى، ولا أحد يعرف مدى خضوعها لأوامر قيادة مركزية، ومن الأكثر احتمالا أن هذه الجماعات لا تخضع لأي قيادة مركزية».

ونقلت وكالات الأنباء عنه قوله: «سنعمل من أجل إقناع الحكومة السورية باحترام تعهداتها في إطار خطة أنان، لكننا سنحاول أيضا إقناع اللاعبين الخارجيين بضرورة أن يؤثروا على المعارضة السورية، بما فيها الجيش السوري الحر». وأشار لافروف إلى أن بعض الدول «ترى مصلحتها في فشل خطة أنان».

إلى ذلك، اعتبرت إيران أمس أن اجتماع جنيف «لم يكن ناجحا» بسبب غيابها عن حضوره. وصرح حسين أمير عبداللهيان، نائب وزير الخارجية، للتلفزيون الرسمي: «حصلت توترات شديدة بين روسيا والولايات المتحدة خلال اجتماع الخبراء.. ولم يكن اجتماع جنيف ناجحا على غرار الاجتماعات السابقة، نظرا لغياب الحكومة السورية، والدول التي تؤثر على الأحداث في ذلك البلد».

واعتبر أمير أن «أي قرار يفرض من الخارج دون مشاركة الحكومة والشعب السوري ودون حوار وطني لن يأتي بأي نتيجة»، منضما بذلك إلى موقف روسيا والصين. وانتقد مجددا «تحرك بعض الدول الأجنبية التي ترسل أسلحة إلى سوريا»، مؤكدا أن ذلك «يعرض إلى الخطر - ليس أمن سوريا فحسب - بل أمن الشرق الأوسط والعالم».