الانشقاقات داخل الجيش السوري تنخر عظام نظام الأسد

التحدي القادم هو المعترضون الصامتون من الجنود

TT

أعطى انشقاق جنرال شاب مقرب من الرئيس السوري بشار الأسد أكثر المؤشرات الكاشفة حتى الآن عن تضاؤل ما يحظى به نظامه من تأييد، حتى بين أرفع الشخصيات السنية وأكثرها ثقة لديه، الذين يمثلون ركنا ركينا سواء في قوات الأمن أو في الإدارة المدنية في سوريا.

ولكن، بينما جذب العميد المنشق مناف طلاس أنظار العالم أجمع حينما هرب من دمشق يوم الخميس الماضي، فإن التحدي العسكري الأكبر من ذلك أمام الرئيس الأسد هو ذلك العدد المتزايد من المعترضين الصامتين - وهم جنود من مختلف الرتب ليست لديهم السبل أو الرغبة في الهروب، ولكنهم لم يعودوا يتعاونون مع النظام، وبدلا من الاستجابة لنداء الواجب، فإنهم يبقون في منازلهم ويهجرون مناصبهم، في ظل اكتساب المعارضة للمزيد من الجرأة والقوة والفعالية، بحسب ما ذكره خبراء ومنشقون من الجيش السوري.

ويظل التأييد الأساسي وكذلك الدائرة الداخلية الموالية للأسد من الطائفة العلوية، وهي إحدى الأقليات المسلمة هناك، إلا أن العلويين لا يمثلون أكثر من 12 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ 23 مليون نسمة، لذا فقد ظلت أسرة الأسد تعتمد طوال عقود على الأكثرية السنية من أجل الحصول على الشرعية والتأييد العملي، حيث يشكل السنة الكتلة الأكبر من جنود المشاة في البلاد، كما ينتشرون في جميع مناصب الجهاز الحكومي، ويهيمنون على النخبة في عالم المال والأعمال هناك.

ولطالما احتلت قلة من السنة المناصب العليا في الحكومة والجيش، فوالد العميد طلاس، مصطفى طلاس، وهو سني كابنه، كان من المؤتمنين لدى والد الرئيس، حافظ الأسد، وظل لمدة 32 عاما وزيرا للدفاع تحت إمرة الرجلين.

غير أن الثورة التي اشتعلت بالكامل تقريبا على يد الطائفة السنية - التي تشكل أكثر من 75 في المائة من السكان - أحدثت بالتدريج صدعا طائفيا متناميا، مما أدى إلى تناقص ذلك التأييد الحيوي الذي كان يأتي من السنة. ومع تشديد النظام لقبضته الحديدية، مخلفا وراءه في بعض التقديرات ما يصل إلى 17 ألف قتيل، بحسب ما أعلنته الأمم المتحدة، بادر على الأقل نائب وزير واحد و15 جنرالا، كلهم من السنة، بالانشقاق والهروب إلى تركيا، منهم 5 خلال الأسابيع القليلة السابقة وحدها.

إلا أن أعداد من يتسببون فعليا في إضعاف موقف النظام عن طريق رفض الامتثال فحسب، وليس الانضمام إلى المعارضة، أكبر بكثير، ويرى الخبراء أن هذا النوع من التآكل يؤثر على الجيش السوري، الذي يقترب عدد قواته من 400 ألف جندي، بدرجة أكبر مما تحدثه الانشقاقات، فمن بين 80 ألف شاب كان يفترض أن يسلموا أنفسهم لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية هذا العام - ومعظمهم من السنة - أوضح الخبراء أن أحدا على الإطلاق لم ينفذ أمر الاستدعاء.

وقد تعمق الإحساس بعدم الثقة بين السنة والعلويين داخل الجيش إلى درجة أنه في الليل، حينما يكون السنة في نوبات الحراسة حول المواقع الحيوية، دائما ما يكون هناك حرس علويون مكلفون مراقبة الجنود السنة، بحسب عقيد هرب إلى تركيا. وأضاف قائلا: «إذا وجدت أي شكوك حول ولائهم، فقد يتعرضون للسجن أو للقتل. كثير من أصدقائي السنة وضعوا في السجن».

ويؤكد كثير من الخبراء أن النظام حاول أن يلقح نفسه ضد الإفراط في الاعتماد على الطائفة السنية، وأنه لطالما خطط لإشعال الثورة نفسها التي يواجهها الآن. ويوضح أرام نيرغويزيان، وهو خبير في الاستراتيجية العسكرية بالشرق الأوسط لدى «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» بواشنطن، أنه منذ وقت مبكر يعود إلى خمسينات القرن العشرين، كان العلويون يشكلون بالفعل من 50 إلى 60 في المائة من ضباط الصف بالجيش، مضيفا: «لم تكن هناك أي انشقاقات ذات شأن من الطائفة العلوية».

وكثير من الضباط الذين انشقوا يسردون نفس القصة، وهي أن الجيش يعتمد في المعظم على العلويين. ففي مرحلة إعداد الضباط في الكلية الحربية، فإن كل دفعة تتكون من نحو 1200 شخص يكون بها ما بين 900 إلى ألف علوي، في مقابل 100 سني تقريبا و100 آخرين يمثلون المزيج المتنوع من الطوائف والأقليات العرقية الموجودة في سوريا.

وقد ذكر عقيد سني قضى 25 عاما داخل الجيش، في حوار أجري معه عقب أيام قليلة من وصوله إلى مدينة أنطاكية جنوب تركيا في شهر يونيو (حزيران) الماضي، واشترط عدم ذكر اسمه من أجل حماية أقاربه الذين تركهم وراءه: «لقد نظموا الأمور بهذه الطريقة حتى لا ينشق الجيش».

وبالإضافة إلى ولاء الطائفة، فقد تمكن النظام من إبطاء معدل التراجع في التأييد الذي يتمتع به، عن طريق الفوز على الأقل بحيادية من اختاروا البقاء في منازلهم، فحتى الضباط الذين لا يباشرون مهامهم الوظيفية ما زالوا يسحبون رواتبهم ومعاشاتهم، وهي محاولة ناجحة إلى حد كبير من النظام لشراء انصياعهم وإذعانهم.

وخوفا من إمكانية حدوث تدخل عسكري أجنبي في يوم من الأيام، يختار الكثير من الضباط البقاء، لأنهم يريدون المساعدة في حماية سوريا من أن يحدث فيها ما حدث في العراق عقب الغزو الأميركي له في عام 2003، حينما تم تسريح الجيش وأصبح العسكريون النظاميون بلا عمل، والآخرون يبقون لأنهم لا يرون أي بديل ذي مصداقية لحكم الأسد.

وكشف العقيد السني عن أنه قد تم خفض رواتب جميع العاملين بالحكومة باستثناء ضباط الجيش والاستخبارات. وقد فر العقيد وزوجته وأبناؤه الثلاثة من جنوب سوريا ولم يكن معهم سوى حقائب ملابسهم التي حملوها على ظهورهم، تاركين وراءهم منزلا وسيارة أخرى ومبلغا ذكر الرجل أنه يصل إلى 100 ألف دولار في حسابه الادخاري، وهي خسارة كبيرة تثني الآخرين عن أن يحذوا حذوه.

وتابع الرجل: «80 في المائة من الضباط الذين يريدون الانشقاق هم من السنة»، ومع ذلك، فإن الجنود والضباط السنة يعاملون بعدم ثقة من أقرانهم العلويين.

ويشير الخبراء إلى أن العميد طلاس لم يكن عليه أن يقلق بشأن التداعيات المالية، حيث إن أخاه رجل أعمال ثري وأخته أرملة لأحد الأغنياء، وأنه لم يتحرك سوى عندما أصبح معظم أقاربه من الدرجة الأولى بعيدين عن أي أذى.

ويقول عقيل هاشم، وهو قائد كتيبة دبابات سورية سابق يعيش حاليا في الولايات المتحدة: «لا أرى أن هذا انشقاق له دوافع سياسية، بل هو قفز خارج سفينة النظام التي تغرق. أشعر بوجود حالة إضعاف، ولكنه ليس الإضعاف الذي نبحث عنه».

ونتيجة للخوف من تسليح خصوم محتملين، لا يتم استدعاء كثير من الوحدات العادية التي تتألف من المجندين السنة، وبدلا من ذلك، يعتمد النظام في قمع الثورة على الوحدات وأجهزة الاستخبارات التي تغلب عليها النخبة العلوية. وتتراوح التقديرات حول وجود 60 ألف شخص تقريبا في الحرس الجمهوري - الذي كان العميد طلاس أحد قادته - والفرقة الرابعة، في حين يقدر آخرون وجود 150 ألف شخص في أجهزة الاستخبارات الأربعة الرئيسية، ويعتقد أن 80 في المائة من هذه الوحدات من العلويين، كما هو الحال في كثير من عصابات الشبيحة التي تطلق لنفسها العنان في ممارسة العنف ضد من يعارضون النظام.

ويقول هاشم: «حينما يحصل الجيش على أسلحة جديدة كدبابة جديدة مثلا، فإنها تذهب مباشرة إلى الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري. هذه هي القوة الرئيسية التي يعتمد عليها النظام من أجل القضاء على الثورة. من المستبعد أن تحدث انشقاقات في هذه الوحدات».

ويوضح الرجل أن الطريقة الوحيدة لتسريع وتيرة الانشقاقات هي إنشاء منطقة محلية آمنة داخل سوريا يستطيع الضباط من أي انتماء عرقي الفرار إليها.

* ساهم في كتابة التقرير: هويدا سعد ودلال معوض من بيروت، ودان بيليفسكي من باريس، وآلان كويل من لندن، وريك غلادستون من نيو يورك.

* خدمة «نيويورك تايمز»