اختفاء العميد مناف طلاس يثير تساؤلات حول نواياه

كبار المسؤولين في المعارضة السورية يتمنون انضمامه إلى صفوفهم

TT

بعد مضي أسبوع تقريبا على انشقاق العميد الركن مناف مصطفى طلاس، قائد اللواء 105 بالحرس الجمهوري السوري، لم يظهر طلاس حتى الآن بشكل علني ولم يحاول الاتصال بالمعارضة السورية، مما يثير التساؤلات حول دوافعه ونواياه، حسبما أكد كبار مسؤولي وأعضاء المعارضة السورية.

وقللت حالة الغموض التي تحيط بمكان وجود طلاس من الحماسة التي صاحبت الإعلان عن قراره بالتخلي عن الرئيس السوري بشار الأسد، حيث أشارت الولايات المتحدة الأميركية وبعض البلدان الأخرى المناهضة للأسد إلى أن انشقاق طلاس يعد إشارة قوية على بدء الحكومة السورية في التصدع تحت وطأة الثورة التي لا تهدأ.

وفي ذلك الوقت، وصفت وزارة الخارجية الفرنسية انشقاق طلاس بأنه «ضربة قاسية» للحكومة السورية، وأكدت أنه في طريقه إلى فرنسا، ولكنها اضطرت يوم الأربعاء للاعتراف بأنها لا تعلم شيئا عن مكان وجوده. وشدد كبار المسؤولين الأتراك على أنهم لا يعلمون مكان وجود طلاس ولا حتى ما إن كان موجودا في تركيا أم لا.

ويقول الأصدقاء الذين كانوا على اتصال مؤخرا مع عائلة العميد الركن مناف طلاس الموجودة في باريس إنه يعتزم إلقاء بيان رسمي في الأسبوع القادم. لا توجد أي إشارة على وجوده داخل القصر الفخم المهيب الموجود في باريس والذي يوجد بداخله المكاتب الخاصة بشقيقته ناهد عجة، وهي أرملة الملياردير السعودي أكرم عجة التي تبلغ من العمر 52 عاما. وداخل هذا القصر، قامت ناهد بتنظيم بعض من أهم الحفلات السياسية والثقافية التي يطوق معظم الأشخاص في باريس لحضورها.

وقام أحد أفراد السكرتارية بإبعاد المراسلين الصحافيين عن القصر، مؤكدا أن السيدة ناهد غير موجودة في المنزل، فضلا عن عدم تمكن أحد من الوصول إليها عبر الهاتف، بينما أكد الجيران أنهم شاهدوا سيارة مرسيدس ذات نوافذ داكنة تدخل وتخرج من ممر القصر، ولكن ليس هناك أي إشارة على وجود طلاس داخله.

مناف طلاس هو ابن العماد أول مصطفى طلاس، أحد أبرز الجنرالات في سوريا ووزير الدفاع الأسبق في الفترة بين 1972 وحتى 2004 والحليف المقرب من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والد بشار الأسد. وقد قام حافظ الأسد ببناء سلطة العائلة على قاعدة من أفراد الطائفة العلوية بالإضافة إلى نخبة المجتمع السني.

وفضلا عن حالة الاهتمام الكبيرة التي صاحبت رحيله عن سوريا، أفادت شبكة التلفزيون الإيرانية «برس تي في» أن مصطفى طلاس، الذي يقيم الآن في فرنسا، قد ندد بانشقاق ابنه في مقابلة أجراها مع المحطة الإذاعية الفرنسية «فرانس 2» يوم الأحد الماضي.

نفى المتحدث الرسمي باسم «فرانس 2» هذه المزاعم يوم الأربعاء، مؤكدا أن مصطفى طلاس لم يظهر في أي من برامج المحطة يوم الأحد. يذكر أن إيران وروسيا هما أقوى مؤيدي الأسد على الساحة الدولية.

ألقى هذا الانشقاق، والذي يعد الأول داخل الصفوف المقربة من الأسد منذ اندلاع الثورة السورية ضد الأسد في شهر مارس (آذار) عام 2011، بظلاله على اجتماع حلفاء النظام السوري يوم الجمعة في باريس، فبعد الاجتماع، وصفت وزيرة الخارجية الأميركية هذا الانشقاق بالإشارة القوية على أن المقربين من الحكومة السورية قد «بدأوا في الرحيل». ولكن أعضاء المجلس الوطني السوري، وهي حركة المعارضة الموجودة في المنفى، قد أشاروا إلى أن هذا التقدير قد يكون سابقا لأوانه.

وفي إحدى المقابلات، قالت بسمة قضماني، عضو اللجنة التنفيذية في المجلس الوطني السوري: «لا أدري ما إن كان سينضم إلى الثورة أم إلى المعارضة أم سيتجه إلى العمل الخاص. وبعد أن خاطر بالانشقاق عن النظام، أتمنى أن ينضم إلى المعارضة ضد النظام».

يؤكد بعض المحللين أن الظروف التي تحيط برحيل طلاس تظل غير واضحة ومحل تساؤل بشأن ما إن كان قد جرى تضخيم أخبار انشقاقه. تقول شارمين نارواني، المحللة المختصة بشؤون الشرق الأوسط والأستاذة المشاركة في كلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد، إن محاولات وصف هروب طلاس بالانشقاق كانت «محض دعاية».

أكدت نارواني أنه قد تم إبعاد طلاس عن المؤسسة السياسية في سوريا في الشهور الأخيرة بعد أن تزايدت انتقاداته للحكومة، مضيفة أن أحدا لم يمنعه من مغادرة البلاد.

تضيف نارواني: «ماذا يعني أن النظام السوري لم يحاول أبدا أن يجبره على البقاء في سوريا؟ ربما يكون قد غادر سوريا بالفعل، ولكن هذا لا يعني بالضرورة انضمامه إلى الجانب الآخر».

قد يكون طلاس الآن سعيدا للغاية لتمكنه من تجنب الصراع الداخلي الذي تشهده المعارضة السورية للتمتع بالحياة في أرقى قصور العالم ولعب الشطرنج وتناول الخمور في هذا القصر الذي تسكنه عائلته الأرستقراطية التي تتخذ من باريس مقرا لها.

وفي باريس، سوف ينضم طلاس إلى والده وشقيقته ناهد، وهي امرأة ثرية تتمتع بشخصية اجتماعية مؤثرة وتعيش في فرنسا منذ أكثر من 30 عاما. اعتادت أرملة الملياردير السعودي أكرم عجة، وهو تاجر سلاح عاشق لفرنسا والذي كان يكبرها بـ42 عاما، على إقامة حفلات العشاء الفاخرة لأبرز رجال الأعمال والسياسيين والمثقفين في فرنسا.

نشرت جريدة «لو موند» الفرنسية ملفا خاصا عنها في عام 2006 تحت عنوان «حفلات عشاء مدام عجة»، حيث وصفتها الجريدة بامرأة عصر النهضة التي درست الفلسفة والعلوم السياسية وتقوم باستثمار جزء من ثروتها، التي تزيد عن 61 مليون دولار، في ترميم الآثار وتجميع الأعمال الفنية. وفي عام 2001، قامت عجة بتأسيس نادي للشطرنج، والذي ضم بين أعضائه دومينيك ستراوس - كان، رئيس صندوق النقد الدولي السابق.

وفي مقابلة هاتفية جرت يوم الاثنين الماضي، قال رولان دوما، الذي كان وزيرا لخارجية فرنسا في عهد الرئيس الراحل فرنسوا ميتران، إنه يعرف السيدة عجة معرفة جيدة من خلال والدها الذي كانت تربطه علاقات قوية بميتران.

يضيف دوما: «عجة هي سيدة مجتمع، لا تقوم بأي عمل، فهي لديها ثروة شخصية، حيث كانت زوجة لرجل ثري للغاية».

* خدمة «نيويورك تايمز»