أكراد سوريا بين إعادة تجربة إقليم كردستان العراق أو الانضمام إلى دولة المواطنة

قيادات المناطق الكردية تحسم أمرها.. وبارزاني يعترف بتدريبهم وإعادتهم للدفاع عن مناطقهم

TT

تشهد المناطق الكردية التي يسميها سكانها بـ«كردستان الغربية» على اعتبار أنها جزء من كردستان الكبرى المنقسمة منذ بدايات القرن الماضي، تطورات متسارعة خلال الأيام الأخيرة، حيث مع تحرير مدينة كوباني من دون أي مقاومة من قوات النظام السوري، تستعد المنطقة إلى الإعلان عن تحرير كامل الأراضي الكردية هناك في غضون الساعات القادمة والذي سيبدأ من مدينة القامشلي كبرى مدن المنطقة الكردية، فيما حسمت القيادة الكردية بكردستان العراق أمرها وأخذت في اتجاه معاكس للحكومة العراقية تتدخل بشكل مباشر لدعم الشعب الكردي بسوريا، بعد أن أعلن الزعيم الكردي مسعود بارزاني أن هناك المئات من الشباب الكردي السوري الذين تم تدريبهم في إقليم كردستان العراق وهم يتهيئون حاليا للعودة إلى مناطقهم بهدف حماية الشعب وملء الفراغ الأمني الحاصل في الكثير من المدن الكردية جراء انسحاب قوات وأجهزة النظام السوري.

من جانبه أكد برهم صالح نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال طالباني أن «المنطقة تشهد تطورات كبيرة، والكرد أصبحوا جزءا منها إلى جانب الشعوب الأخرى، وأن قيادة الاتحاد الوطني ومن منطلق إيمانها بحق الشعوب في التحرر والخلاص والتنعم بالديمقراطية تدعم جهود ونضال الشعب الكردي في سوريا والذي كان وما زال يسير ضمن النهج السلمي البعيد عن العنف، وتعتبر قيادة الاتحاد بأن الحراك الشعبي في سوريا يجب دعمه بكل الأشكال، لأن زمن التبعيث والتعريب والقمع والاستبداد قد ولى إلى الأبد مع نهضة الشعوب، وأنه لا بد من توفير نظام مدني ديمقراطي للشعوب في المنطقة بدل أنظمة القمع والاستبداد والديكتاتورية».

في غضون ذلك تترقب المنطقة الكردية لأول مرة منذ تاريخها تطورات دراماتيكية لم تشهدها من قبل، حيث إن السيناريو العراقي يكاد يتكرر بنفس تفاصيله في المنطقة الكردية بسوريا، عندما انسحب النظام العراقي عام 1991 من جميع المناطق الكردية المعروفة حاليا بإقليم كردستان التي كانت تقع في ذلك الوقت داخل خط العرض 36 الذي تم حظر الطيران عليه من قبل النظام البعثي، فتحررت كردستان بمجملها ما دفع قيادة الجبهة الكردستانية في حينها إلى إعلان تنظيم انتخابات برلمانية حرة لأول مرة في المنطقة الكردية انبثق عنها تشكيل أول حكومة إدارة ذاتية بإقليم كردستان ما زالت قائمة لحد اليوم وتحظى باعتراف من الدستور العراقي الدائم.

ويتطلع أكراد سوريا إلى تكرار نفس السيناريو عبر تحرير المدن الكردية المتبقية بيد النظام السوري من أهمها مدينة القامشلي وهي العاصمة الإدارية والسياسية للأكراد في سوريا، فبعد تحرير مدن كوباني وعفرين وديركي وعامودا ورأس العين، تتوجه الأنظار حاليا نحو القامشلي التي إذا تم تحريرها فإنها ستشكل نقطة تحول بارزة في تاريخ الأكراد، وكما يقول قيادي كردي سوري «إن تحرير القامشلي يساوي تحرير محافظة كركوك من قبل قوات البيشمركة الكردية بالعراق عام 1991 أثناء انتفاضتهم الشعبية، فتلك المدينة ظلت لقرون كثيرة تحت سيطرة الأنظمة العراقية، وكان تحريرها بمثابة فتح كبير للشعب الكردي في العراق، والقامشلي تحتل نفس الأهمية لأنها ستكون أول مرة في تاريخها تخرج عن سيطرة الحكومة السورية، وهذا سيكون له تأثير معنوي على دعم نضال الشعب الكردي في سوريا».

ويسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري المعروف أنه جناح سوري لحزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا على معظم المدن والمناطق الكردية في سوريا وهي القوة المسلحة الوحيدة من بين عشرات الأحزاب والقوى السياسية العاملة على ساحة المعارضة الكردية بسوريا، ويتقاسم هذا الحزب مع المجلس الوطني الكردي السوري النفوذ في جميع المناطق الكردية، وسبق للطرفين أن وقعا في أربيل اتفاقية عرفت باتفاقية (هولير) تنص على تنسيق جهودهما حول قيادة الحراك الشعبي الكردي، ووقعت الاتفاقية برعاية الرئيس مسعود بارزاني الذي رعى تلك الاتفاقية وهيأ الأجواء أمام انطلاق جهد مشترك وموحد يحظى بدعمه لتحرير مدن كردستان سوريا. وهذا ما تجلى بوضوح في إعلانه الأخير عن وجود قوات مدربة من الشباب السوري سيرسلهم إلى الداخل في غضون الأيام القليلة القادمة للسيطرة على الوضع الأمني.

يذكر أن الأحزاب الكردية الـ11 التي ائتلفت بجبهة المعارضة الكردية والتي شكلت المجلس الوطني الكردي السوري كانت منذ البداية تدعو إلى إعطاء فرصة للإصلاحات السياسية في البلاد، وتهادن إلى حد ما النظام الحالي، وذلك خوفا من تكرار الضربات التي سبق أن وجهها هذا النظام عام 2004 و2008. وحملة الاعتقالات الواسعة التي طالت نشطاءهم، وكان الأكراد يأخذون على القوى العربية عدم الدفاع عنهم عندما كان النظام يبيدهم ويقتلهم في مناطقهم عبر انتفاضاتهم، ولذلك اتخذوا في الثورة الحالية موقف المهادن للنظام، إلى أن تحول النظام إلى أكثر وحشية بارتكاب جرائمه اليومية ضد المواطنين، حيث تصاعدت وتيرة التصريحات المعارضة للنظام السوري من قبل القيادات الكردية، وإن بقيت الجبهة الداخلية هادئة إلى حد ما، فالأكراد يتخوفون من شيئين، الأول هو تحول المواجهات في المنطقة الكردية إلى صدامات عرقية أو حرب أهلية، والثاني هو إعطاء مبرر للنظام لإعادة قمعهم وإبادتهم.