بغداد تدين زيارة داوود أوغلو لكركوك.. وأربيل: الوفد قدم بـ«فيزا» رسمية

الوزير التركي بحث الملف السوري مع بارزاني.. وأشاد بعلاقات مكونات المحافظة المتنازع عليها

وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو يتسلم من محافظ كركوك نجم الدين كريم هدية تذكارية في كركوك أمس (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي أثارت فيه زيارة وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو المفاجئة والنادرة لمسؤول تركي إلى كركوك أمس، غضب بغداد التي اتهمته بانتهاك سيادتها، في اشتباك دبلوماسي جديد يعمق الأزمة السياسية بين البلدين، كشف مسؤول في حكومة إقليم كردستان، عن أن «الوفد التركي الزائر برئاسة وزير الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو دخل الأراضي العراقية بعد أن حصل على تأشيرة الدخول (الفيزا) من السفارة العراقية في أنقرة». وفي خطوة مفاجئة ونادرة لمسؤول تركي هي الأولى من نوعها منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، زار داوود أوغلو كركوك (340 كلم شمال بغداد) أمس قادما من أربيل.

وقال البيان الذي صدر حسب الموقع بعد لقاء داوود أوغلو وبارزاني في أربيل عاصمة إقليم كردستان أول من أمس، إن الجانبين أعربا عن «قلق عميق إزاء عدم الاستقرار والفوضى التي تعم سوريا». وأضاف البيان أن داوود أوغلو وبارزاني شددا على أنه «سيتم النظر في أي محاولة لاستغلال الفراغ في السلطة من قبل أي جماعة أو تنظيم متشدد وأن أمرا كهذا يعتبر تهديدا مشتركا وينبغي معالجته بتنسيق مشترك». وتابع «يجب أن تكون سوريا الجديدة خالية من المجموعات والمنظمات المتشددة والإرهابية المتطرفة».

وكان أوغلو قد قام أمس بزيارة إلى محافظة كركوك، حيث وصف محافظ المدينة المتنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية ببغداد نجم الدين كريم هذه الزيارة بـ«المفاجئة» و«الناجحة» أيضا.

وقال كريم لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مكتبه في كركوك أمس، إن «زيارة وزير خارجية تركيا إلى كركوك كانت مفاجئة، حيث قدم من أربيل ورافقه خلالها السفير التركي ببغداد وهي زيارة نعتبرها مهمة، فنحن يسعدنا أن يقوم أي مسؤول عراقي أو إقليمي أو دولي بزيارة إلى المحافظة من أجل تقديم الدعم والترويج للاستثمار»، مشيرا إلى أن أوغلو «تحدث عن العلاقات التاريخية بين تركيا وكركوك مبديا دعم حكومته الكامل للمحافظة ومؤكدا أن تركيا تقف على مسافة واحدة من جميع مكونات المحافظة، الأكراد والتركمان والعرب، وأنه يرى أن وضع المدينة المتنازع عليها يشكل نموذجا للشرق الأوسط».

وقال داوود أوغلو للصحافيين في بداية الزيارة التي أوردت قناة «العراقية» الحكومية خبرا عاجلا حولها «كنت منذ مدة طويلة أنوي زيارة كركوك، لكنني اخترت شهر رمضان لأنه شهر مبارك». وأضاف أن «كركوك بتاريخها العريق ووضعها الحالي الخاص تشكل نموذجا للشرق الأوسط، قوتها تكمن في التعايش السلمي منذ عقود بين العرب والأكراد والتركمان».

وتابع داوود أوغلو «نحن نرى أن كركوك غنية بثرواتها وتنوعها، ولذا فإنها ستكون من المدن الرائدة في الشرق الأوسط، ونحن كأتراك مستعدون لخدمة كركوك والعراق، فصداقتنا أبدية ودائمة».

وأعلن المسؤول التركي عن توأمة قريبا بين كركوك ومدينة كونيا التركية، مسقط رأسه، قائلا «اليوم تتحقق توأمة بين كركوك وكونيا التي أنتمي إليها، هذه المدينة المشهورة بالتصوف، ولذا أدعو إدارة وجميع أعضاء مجلس المحافظة للاحتفال بالمناسبة في كونيا».

واجتمع داوود أوغلو في المدينة الغنية بالنفط والتي يعيش فيها نحو 900 ألف نسمة يمثلون معظم أطياف المجتمع العراقي، بالمسؤولين المحليين فيها، وسط إجراءات أمنية مشددة نفذتها عناصر من الشرطة وقوات كردية.

وقال محافظ كركوك، إن «تركيا بلد جار وكبير ونرى أنه من المفيد أن يزورنا مسؤول كبير فيها مثل السيد أوغلو، ونحن نرى الجانب الإيجابي في هذه الزيارة، خاصة أننا لم نلمس منها وجود أي أجندة أو رسالة سوى تأكيد العلاقات بين تركيا والعراق ثم إننا لم نتحدث عن أي جانب سياسي يهم الحكومة العراقية أو إقليم كردستان أو الأوضاع في سوريا»، مشيرا إلى أن وزير خارجية تركيا «قدم للمحافظة هدية وهي عبارة عن صورة تاريخية لمدينة إسطنبول وقد قدمنا له بالمقابل شعار المدينة كهدية».

وكان أوغلو قد زار مقر الجبهة التركمانية في كركوك، وقال حسن توران رئيس مجلس المحافظة وعضو الجبهة التركمانية لـ«الشرق الأوسط» إن «زيارة وزير خارجية تركيا لمقر الجبهة كانت مفتوحة والحديث تم أمام أجهزة الإعلام المحلية والعالمية ولم يتم التطرق لأي موضوع سياسي»، مشيرا إلى أن أوغلو «تحدث عن نموذج العلاقات بين العرب والأكراد والتركمان في كركوك، وإن تركيا لا تدعم جهة على حساب أخرى، بل تقف من الجميع على مسافة واحدة».

وفي بيان نشرته وزارة الخارجية العراقية على موقعها أمس قالت فيه، إن زيارة أحمد داوود أوغلو لكركوك جرت «من دون علم وموافقة وزارة الخارجية ومن دون اللجوء إلى القنوات الرسمية والدبلوماسية». وأضافت الوزارة في بيانها، أن «هذه الزيارة نعتبرها نوعا من الانتهاك الذي لا يليق بتصرف وزير خارجية دولة جارة ومهمة مثل تركيا، وهو يشكل فضلا عن ذلك تدخلا سافرا بالشأن الداخلي العراقي».

ورأت وزارة الخارجية العراقية، أنه «ليس من مصلحة تركيا أو أي جهة أخرى الاستهانة بالسيادة الوطنية وانتهاك قواعد التعامل الدولي وعدم الالتزام بأبسط الضوابط في علاقات الدول والمسؤولين». كما استغربت في الوقت ذاته «موقف حكومة الإقليم التي سهلت هذه الزيارة دون علم الحكومة الاتحادية»، معتبرة أنها «تخالف بذلك مسؤولياتها الدستورية».

وفي رده قال فلاح مصطفى رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان العراق، إن «حكومة الإقليم تكن كل الاحترام والتقدير لسيادة العراق، فإقليم كردستان جزء لا يتجزأ من العراق وشعبنا جزء مهم من الشعب العراقي، وإن سيادة البلد تهمنا كما تهم الحكومة الاتحادية وتهم أي عراقي حريص على وطنه»، كاشفا عن أن «الوفد التركي الزائر برئاسة السيد أحمد داوود أوغلو وزير خارجية تركيا وصل إلى عاصمة الإقليم عبر مطار أربيل الدولي بعد أن حصل على تأشيرة دخول (فيزا) رسمية من السفارة العراقية في أنقرة تأكيدا على حرص المسؤولين الأتراك على احترامهم لسيادة ووحدة الأراضي العراقية ومعرفتهم بالبروتوكولات الرسمية المعمول بها».

وأضاف مصطفى قائلا لـ «الشرق الأوسط» «لم يكن هناك أي انتهاك لسيادة العراق بزيارة السيد أوغلو لمدينة كركوك كونها محافظة عراقية، وإن كانت ضمن المناطق التنازع عليها، وتقع داخل الأراضي العراقية، وإن تأشيرة الدخول التي حصل عليها الوفد الزائر تعطيهم الحق بزيارة أي مدينة عراقية، إذ ليس من المعقول أن يأخذوا تأشيرة دخول إلى كركوك أو أي مدينة أخرى»، مشيرا إلى أن «هدف زيارة أوغلو إلى كركوك كان من أجل التعبير عن حرص المسؤول التركي على جميع مكونات المحافظة، وأنه يقف على مسافة واحدة من جميع المكونات، الأكراد والعرب والتركمان، وليس هدفا سياسيا على الإطلاق».

وتمنى رئيس دائرة العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان على الحكومة الاتحادية ببغداد أن «تأخذ الأمور بصورة طبيعية بعيدا عن التشنج، خاصة أن تركيا دولة جارة وترتبط مع العراق بعلاقات تاريخية واقتصادية، وأن هذه الزيارة تصب في تمتين هذه العلاقات وتأتي لخدمة مصلحة العراق والشعب العراقي».

بينما أكد محافظ كركوك أن «وزير خارجية تركيا وصل إلى المحافظة من أربيل وبرفقته السفير التركي لدى العراق الذي مقره ببغداد، وأنه لا بد أن تكون وزارة الخارجية على علم بتحركات أي سفير ببغداد ومن ضمنهم السفير التركي».