الثوار السوريون يطلقون لحاهم تحديا للنظام.. ويبحثون عن ملاذ في الدين

مقاتلون من دول عربية وإسلامية انضموا للثورة

TT

يبدو الثائر السوري البالغ من العمر 29 عاما مفعما بالحماسة وهو يستعد للعودة إلى ساحة القتال بعد علاج ،إصابة رجله، التي تعتبر ثاني إصابة له هذا العام، في مدينة تقع شمال لبنان.

وكان شابا خفيفا الظل ذا لحية طويلة كثيفة الشعر، يناقش الحرب التي يشنها الثوار الآن، فيما ترنو إحدى عينيه إلى شاشة التلفزيون لمتابعة منافسات رماية السهم في الأولمبياد، مع أنه يقول إن رياضته المفضلة هي التصويب بالبندقية.

وبينما كان يتعقب تقدم الثوار في مدينة حلب الشمالية ويقول إنه يخطط للانضمام إلى المعركة من أجل العاصمة دمشق، قال الرجل، الذي يشير لنفسه باسم أبو بري: «لدينا تفاؤل وإصرار ومعنوياتنا مرتفعة».

ويبدو الثوار السوريون أيضا مدفوعين بالدين في ثورتهم المستمرة منذ 17 شهرا بهدف إسقاط الرئيس بشار الأسد، أولا من خلال المظاهرات السلمية، ولاحقا، عبر نزاع عسكري.

ويقول إن كثيرا من أقرانه ينضمون إلى السلفيين أيضا، حتى هؤلاء الذين لديهم فهم محدود لهذا الاتجاه المتزمت، ويشير عبد الرزاق طلاس، القائد صاحب الشخصية الساحرة لإحدى الفرق العسكرية في مدينة حمص قائلا: «إنهم يطلقون لحاهم كنوع من التحدي للنظام. في واقع الأمر، نحن حتى على استعداد لأن نقول إننا من تنظيم القاعدة لإثارة غضب النظام».

وعادة ما يقلل النشطاء السوريون من أهمية الجانب الديني في الثورة السورية، مؤكدين أنه، في مجتمع محافظ، من الطبيعي أن يبحث من يتجرعون ويلات المعاناة عن ملاذ في الدين. لكن مع زيادة حدة القمع الوحشي من جانب النظام، أصبحت الحركة الثورية أكثر تطرفا. وفي هذه المعركة التي يهيمن عليها السنة ضد النظام المنتمي للأقلية العلوية، يقول السلفيون وغيرهم من الجماعات الإسلامية إنهم يجاهدون ضد عائلة الأسد.

ومما يبث الرعب في أوصال الحكومات الغربية ويبهج الثوار في الوقت نفسه أنه قد انضم للحركة المفككة عدد محدود، ولكنه متزايد بشكل واضح، من المقاتلين من دول عربية وإسلامية أخرى، من بينهم عراقيون ينتمون لتنظيم القاعدة.

لقد أدت تقارير عن مشاهدة علم تنظيم القاعدة الأسود يرفرف في أجزاء من سوريا، إلى جانب حادث الاختطاف الأخير لاثنين من الصحافيين الغربيين بالقرب من الحدود التركية على يد جماعة من الإسلاميين، يبدو أنها قد تضمنت كثيرا من الأجانب، إلى مخاوف مفادها أن سوريا أصبحت موقع جذب بالنسبة للجهاديين في العالم.

ويقول متحدث باسم الجيش السوري الحر إن أربع أو خمس مجموعات من المقاتلين الأجانب يعملون الآن في محافظة إدلب شمال سوريا، التي لم يعد معظم أجزائها خاضعا لسيطرة النظام. وبعضهم مقبولون، إن لم يكن يتم الترحيب بهم بحفاوة، لأنهم يأتون بالأموال والخبرة العسكرية.

ويقول محللون إنه يجب التمييز بين المقاتلين الإسلاميين السوريين والمقاتلين غير السوريين، وحتى بين الأطراف الأجنبية المتعددة.

ويشيرون إلى أنه لا يجب افتراض أن السلفيين السوريين الذين تسلحوا جهاديون على طراز أعضاء تنظيم القاعدة، الذين يتبنون الاعتقاد المتطرف الذي مفاده أن كل هؤلاء الذين ليسوا في صفهم خونة، بصرف النظر عن ديانتهم. ويقول ناشط يعمل مع الجيش السوري الحر في إدلب إن الثوار تحدوهم شكوك في جبهة النصرة، التي قد ادعت مسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات الانتحارية بالقنابل. لكنه يقول إن الجيش السوري الحر يتعاون مع جماعات مثل «أحرار الشام»، أحد تحالفات السلفيين الرئيسية في دمشق، التي لها أفرع في محافظات أخرى، و«لواء التوحيد»، وهو عبارة عن تحالف إسلامي من جماعات تقاتل في حلب.

لقد صورت الدعاية الإعلامية التي يروجها النظام جماعة «أحرار الشام» بوصفها أحد أفرع تنظيم القاعدة، وقد انتقد بعض رموز المعارضة الخطاب الطائفي للجماعة. وفي بيان لها، ذكرت جماعة «أحرار الشام» أن قوات الأمن والميليشيا الموالية للنظام فقط هي أهدافها الشرعية فقط، وأنها قد ألغت كثيرا من الهجمات حينما اكتشفت أنها ربما تؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين.

ويؤكد توماس بييريت، وهو خبير في الشؤون الإسلامية السورية بجامعة أدنبره، على أوجه الاختلاف بين الجماعات السلفية السورية والمتطرفين أصحاب الأجندات الجهادية العالمية. ويقول: «الهوية السياسية التي تظهرها جماعة «أحرار الشام» هي الهوية السلفية القومية. إنهم يزعمون أنهم سلفيون، غير أنهم يستخدمون رموزا وطنية سورية، على عكس الجهاديين الحقيقيين». ويضيف: «كل مقطع فيديو تنشره جماعة (أحرار الشام) يحمل ألوان العلم السوري. إنه فكر مختلف تماما عن الفكر الجهادي العالمي».

وعلى الرغم من أن بعض المقاتلين من العراق يقرون بصراحة بأنهم جزء من تنظيم القاعدة، فإن آخرين من المقاتلين العرب المنضمين إلى السوريين في ثورتهم لا يتبنون بالضرورة آيديولوجيا متطرفة.

في الوقت نفسه، فإن الطبيعة الممزقة للحركة الثورية في سوريا تجعل من الصعب تقييم نيتها المستقبلية، كما تزيد من خطر استمرار الميليشيات المتنافسة في التناحر بعد سقوط النظام.

ويبدو أن الجماعات السلفية قد تلقت دعما في بداية النزاع، على حد قول بعض المراقبين، لأن كثيرا من المغتربين السوريين الأثرياء يعيشون الآن في الخليج. وقد حاول الفرع السوري من جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة المحظورة التي تم التنكيل بها في ثمانينات القرن العشرين على يد حافظ الأسد، الهيمنة على جماعات الثوار خلال الستة أشهر الماضية.

غير أن بول سالم، مدير مركز «كارنيغي» لـ«الشرق الأوسط» في بيروت، يقول إنه لا يجب المبالغة في الحديث عن خطر تحول سوريا إلى دولة للمتطرفين.

ويقول: «غالبية الشعب السوري لن يصبح طالبان. هناك مخاوف، لكن تنظيم القاعدة طرف هامشي. سيكون السلفيون وجماعة الإخوان المسلمين طرفين فاعلين رئيسيين، لكنهما يمكن أن يمثلا جزءا من البرلمان. قد لا يروقون لنا، لكنهم ليسوا مختلين عقليا أو من أعضاء تنظيم القاعدة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»