النائبة السورية المنشقة: زملاء سيصلون قريبا لتشكيل كتلة برلمانية في المنفى

قالت لـ «الشرق الأوسط» إنها تعيش من الاستضافة التركية بالحد الأدنى.. ولا أموال قطرية

السورية المنشقة إخلاص بدوي («الشرق الأوسط»)
TT

في أحد فنادق إسطنبول، تحاول النائبة السورية المنشقة إخلاص بدوي الاعتياد على فكرة «الغربة» خارج بلادها التي غادرتها بعد أن فقدت الأمل في إصلاح النظام من الداخل، فاتجهت إلى الخارج على أمل أن تسهم في سقوط النظام.

النائبة بدوي التي تتجول بحراسة تركية، كشفت لـ«الشرق الأوسط» عن اتصالات تجريها مع عدد من زملائها النواب، متوقعة «وصول نائب أو نائبين من سوريا خلال اليومين المقبلين، ونعمل لتوصيل آخرين»، مشيرة إلى وجود نية لتشكيل كتلة برلمانية خارج البلاد، فهي رئيسة اتحاد نسائي، وأحد النواب القادمين كان يشغل منصبا مهما في حلب. فالمرحلة الانتقالية حسب قولها «مهمة جدا، ويجب علينا كمدنيين النظر في المرحلة الانتقالية للتكامل مع عمل الجيش الحر».

وتنفي النائبة بدوي أن تكون تنوي الانضمام إلى المجلس الوطني باعتبارها «نائبة تمثل الأمة السورية في المقلبين»، وتقول «أنا متعاونة مع الجميع من أجل خدمة الثورة.. وقد أديت دوري كاملا خلال الأشهر الثلاثة في مجلس الشعب، ولا أريد أكثر». وأكدت أنها في الفترة الأخيرة وضحت صورة النظام لديها قائلة «ربما أنا فتحت عيني، وربما النظام كشر عن أنيابه. كنت مقتنعة بوهم الإصلاح، وبضرورة إعطاء النظام فرصة، لكني في الفترة الأخيرة رأينا السلطة مختلفة تماما». كيف ذلك؟ تقول «لا يوجد لديها ما تقوم به سوى القمع والاضطهاد وفتح المزيد من المعتقلات ومنع أساسيات العيش عن الناس. بالإضافة إلى التخبط الكبير في معالجة الأمور كأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. بتنا نشعر بأنه لا توجد أي دراسة لأي عمل. أما أمور الدولة فلا أحد يعرف بيد من. كنت أفاجأ عندما أجلس مع الرئيس بشار بأنه إصلاحي، وبأن الأمور سوف تنصلح، وبأنه مع الشعب، ثم يأتي دور الترجمة فنجد العكس، فإما هو قد خرجت السلطة من يده، وإما أنه يضع وجها آخر فوق وجهه».

تشعر بدوي بأن السوريين أصبحوا كرة في ملعب الدول الأخرى تتقاذفهم، لكنها واثقة من سقوط النظام «لأن النظام يبقى في حال واحدة هي إقناع الطفل الصغير بأن بشار ليس هو من يوجه الرصاص والدبابات نحوه. لم يعد أحد يقبل به. الطفل الصغير بات يخافه»، حسبما تقول.

وتدافع النائبة بدوي عن المدة التي استغرقتها لاتخاذ قرار الانشقاق، قائلة إن «مجلسنا عمره 3 أشهر فقط»، في إشارة إلى مجلس الشعب الذي تم انتخابه في مايو (أيار) الماضي. وعن سبب تأخرها في الانشقاق، ودخولها إلى انتخابات لم تعترف بها المعارضة، تقول «أنا من منطقة حلب، ولم تكن لدينا مظاهرات بالشكل الواسع الانتشار. وعندما حل موعد الانتخابات قررت خوضها من منطلق أن ثمة مطالب محقة للشعب السوري ولا بد من تحقيقها. فأحببت المساعدة، مقتنعة تماما بإمكانية التغيير من الداخل وإمكانية الوصول إلى مصالحة وطنية وأن نستطيع التوفيق بين الطرفين بشكل أو بآخر للوصول إلى عام 2014، موعد الانتخابات الرئاسية. أولادي كانوا من أول الناس الذين نزلوا للمشاركة في المظاهرات السلمية، وقد دخلت الانتخابات، وكانت أسهمي جيدة في منطقتي، وأنا كنت رئيسة الاتحاد النسائي في منطقة حلب، ففزت والحمد لله، ودخلت المجلس».

لم تتأخر بدوي عن تلقي «الصدمة الأولى» في الجلسة الأولى لمجلس الشعب، حيث تقول «فوجئت في الجلسة الأولى لمجلس الشعب، حيث دخلنا بوهم دستور جديد وقرارات جديدة، بقرار حزب يفرض علينا أسماء المرشحين للجان، ناهيك عن اسم رئيس المجلس. ونحن تقبلنا أن يكون الرئيس بقرار حزبي كونه بعثيا، لكننا أردنا أن نمارس حريتنا باختيار الأعضاء، فكان الرد أن في سوريا مناطق واسعة ونحن لا نعرف جميع المرشحين، والأفضل أن يتم اختيارهم على هذا الأساس. لم يعجبني الأمر، لكني تجاوزته. وفي الأسبوع التالي كان لنا لقاء مع الرئيس بشار (الأسد) فكانت لي وقفة معه أخبرته فيها عما جرى من إملاء، وقلت له إن الأمر كان أشبه بمسرحية بعثية، وأضفت أنه إذا كان هناك قرار بأن يكون رئيس المجلس حزبيا، فاتركونا ننتخب. وقد استغرب قائلا لي (معقول؟!). وكنت أتوقع أني أنقل إليه وضعا يعرفه، وأننا نريد أن نمارس دورنا، فقال لي (إن شاء الله بوجودكم كمجلس جديد وأعضاء جدد يكون التغيير). ثم أتت الجلسة التشريعية الأولى لمجلس الشعب، حيث فوجئنا بطرح مشروع قانون حول أطباء الأسنان، فاحتججنا على الأمر، قائلين إنه لا يمكن معالجة موضوع كهذا والوضع في بلادنا على ما هو عليه، وإنه لا بد لنا من اتخاذ مبادرات في هذا الاتجاه، فكان رد الرئيس أن هناك فصلا بين السلطات، وأن هذا الأمر من صلاحية السلطة التنفيذية لا البرلمان. طالبنا بحضور وزيري الدفاع والداخلية لمناقشتهما في الوضع، فأتانا الجواب بأن الحكومة الحالية قد أصبحت في حكم المستقيلة، وإن شاء الله يحضر الوزراء الجدد. وفي الجلسة التالية، أحيل إلينا مشروع قانون (الإرهاب) وهو الذي فاجأنا بقوة لوجود عقوبات جسيمة لكل من يعترض أو يشارك في مظاهرة. وطالبت بأن يتم تأجيل صدور القانون على الأقل لإعطاء الناس الفرصة، باعتبار أن هناك أغلبية مع القانون، فكان الرد بأن هذا القانون أتى بصفة المعجل وقد تم إقراره ونشره في اليوم نفسه. هنا أحسست بأنني ارتكبت خطيئة بحق الناس، وفي مقدمهم أولادي الذين كانوا يشاركون في المظاهرات. وعندما بدأ الحراك في منطقتي، فوجئت بأن بعض الأماكن، كمنطقة الأتارب التي أتحدر منها مقطوعة عنها المياه والكهرباء والغاز والخبز. ولما توقعت أن الأمر سببه صعوبة التنقلات، حاولت أن أراجع المحافظ وأمين الفرع (في البعث) لمعرفة السبب، فالمناطق زراعية وقد ماتت هذه الأراضي بسبب نقص المازوت الذي يستعمل لسحب المياه، فأجبت أن هناك أمر من الأمن القومي بقطع كل الإمدادات عن هذه المناطق. ولما فوجئت قيل لي (تركناهم يعيشوا فأرادوا أن يميتونا.. يجب أن يموتوا كلهم..)، وهنا كانت الصدمة».

وتضيف «حاولت التوسط قائلة إنه ليس جميع الناس من المعارضين. فقيل لي اكتبي لائحة بالأسماء وسوف نساعدهم، فصدقت وبدأت في جمع البطاقات العائلية وجرار (عبوات) الغاز لتأمين هذه المادة الحيوية، لأن الناس بدأوا يطبخون على الفحم والحطب. كتبت الأسماء وجمعت دفاتر العائلة من هؤلاء، وذهبت إلى المحافظ، فوعدني بحل الأمر خلال أسبوع، ثم ذهبت إلى أمين الفرع، فوعدني بحل الأمر خلال يومين. ولما بدأت أتأكد من الأمر مجرد مماطلة من قبلهم، أعدت الدفاتر وجرار الغاز إلى أصحابها وأخذت قرار الانشقاق عن النظام لاقتناعي بأني لن أستطيع أن أساعد الشعب من خلال موقعي، فقررت أن أنشق عسى أن أكون مجرد حجر من حائط يستند إليه النظام لإظهار شرعيته، على أسهم في انهياره».

كانت هذه اللحظة الفاصلة؟ تجيب «نعم.. وكانت لحظة صعبة كثيرا، فقد تركت بلدي وبيتي وكل ما أملك واتخذت قراري».

كيف اتخذت القرار؟ تقول «نحو نصف مدينة الأتارب هي من الجيش الحر، تواصلت معهم وشرحت الوضع لأحد معارفي من الجيش الحر، فرحب بالأمر قائلا إنه كان يتوقع إقدامي على ذلك منذ زمن، فخرجت مع أولادي وغادرت إلى المنطقة التي لا يوجد فيها الأمن من دون أن يوقفني أحد باعتباري عضوا في مجلس الشعب، ومن هناك انتقلنا إلى تركيا بمساعدة زملاء أولادي من الجيش الحر، وكان في استقبالي على الأراضي التركية عضو من المجلس الوطني وحاكم ولاية أنطاكيا».

وخلافا لما تردد، فإن النائبة بدوي لا تزال في تركيا منذ لحظة وصولها، ولم تغادر إلى قطر كما تردد، رغم رغبتها في ذلك باعتبارها بلدا عربيا. وعندما سألناها عن صحة ما يقال عن أن قطر قدمت لها «حوافز مالية» للانشقاق، ضحكت قائلة «سمعت بهذا. هذه شائعات. أنا خرجت بدون شيء بعد أن حاولت بيع بيتي للتصرف بأمواله من دون أن أفلح في ذلك. ولما وصلت إلى هنا فوجئت بأنه لا توجد أي مساعدة مادية، فقط الاستضافة من قبل الخارجية التركية التي لم تقصر في هذا، حتى إنني عندما راجعت المجلس الوطني من أجل المستلزمات اليومية من أجل الأولاد كان الجواب بإبداء الأسف.. ولم أقبض قرشا من أي أحد».

ماذا عن مخططاتها المستقبلية؟.. تقول «أنا أسعى الآن لتأمين مساعدات مادية وعينية إلى النازحين السوريين في المخيمات، وإيجاد طريقة لمساعدتهم»، مشيرة إلى أنها تواصلت مع بعض الناس ووجدت طرقا لمساعدتهم.

النائبة بدوي اصطحبت معها عائلتها الصغيرة المؤلفة من زوجها ومنها، ومن 5 أولاد أكبرهم محمد الذي أنهى لتوه دراسته الجامعية في هندسة الميكانيك، أما الباقون ففي المدرسة. ورغم أنها وأولادها في «الأمان» الآن، فإن بقية عائلتها لا تزال في سوريا، في منطقة يسيطر عليها الجيش الحر، وتتعرض للقصف اليومي الممنهج، خصوصا في وقت الإفطار، كما تقول النائبة السورية التي تتمنى ألا تكون قد تسببت لهم في الأذى، راجية من الله أن يحميهم.