حادث سيناء يفتح الباب للتعاون الأمني بين مصر وأميركا

حزمة من إجراءات الدعم تشمل تجهيزات عسكرية وتدريبا للشرطة ومراقبة إلكترونية وجوية ومشاركة في المعلومات الاستخباراتية

TT

في أعقاب هجوم راح ضحيته 16 جنديا مصريا بالقرب من الحدود مع إسرائيل يوم الأحد (5 أغسطس/ آب الحالي)، تجري الولايات المتحدة ومصر مفاوضات حول حزمة من إجراءات الدعم لمخاطبة ما وصفه مسؤولو الإدارة بثغرة أمنية تتسع بشكل خطير في شبه جزيرة سيناء.

كان الرئيس المصري الجديد، محمد مرسي، وقادة الجيش قد اعترضوا الشهر الماضي عندما ضغطت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع، ليون بانيتا، كل على حدة عليهم من أجل اتخاذ إجراء أكثر عنفا ضد المتطرفين في سيناء. لكن بعد الهجوم، يبدو أن مصر قد تغلبت على حساسياتها بشأن السيادة وسرعت المحادثات حول تفاصيل الدعم الأميركي الجديد، الذي سيشمل تجهيزات عسكرية وتدريب للشرطة ومراقبة إلكترونية وجوية، على حد قول مسؤولين.

لقد هز الهجوم - الذي هاجم فيه 35 مسلحا ملثما، على الأقل، مخفرا على الحدود المصرية واستولوا على مركبتين عسكريتين استخدموهما في محاولة الهجوم على الحدود مع إسرائيل – حكومة مرسي. وترتب عليه إقالة مدير المخابرات وعملية عسكرية انتقامية تضمنت أول غارات بمروحيات في سيناء بعد أن أنهت إسرائيل احتلالها عام 1982.

ينظر المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون اليوم إلى رد فعل مصر تجاه الهجوم بوصفه اختبارا هاما لولاية مرسي، وبشكل أوسع نطاقا، لالتزام الدولة بالأمن بعد الثورة التي اندلعت عام 2011 وأطاحت بالرئيس حسني مبارك.

وفيما ارتبط الجيش الأميركي بعلاقات بنظيره المصري منذ فترة طويلة، فإن الجهود الأعمق والأكثر وضوحا التي تجري مناقشتها الآن يمكن أن توحد الولايات المتحدة ومصر معا بشكل أوثق ضد التهديد المشترك الممثل في الإرهاب. إضافة إلى ذلك، فإنها يمكن أيضا أن تقضي على التحفظات بين البعض في واشنطن بشأن انتساب مرسي لجماعة الإخوان المسلمين، تلك الجماعة التي ظل المسؤولون الأميركيون يمقتونها لفترة طويلة بسبب آرائها المعادية للغرب وسياساتها الإسلامية.

ويناقش البنتاغون عدة خيارات لمشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الجيش والشرطة المصريين في سيناء. وتضم مقاطع من محادثات عبر الهواتف الجوالة أو الراديو لمسلحين يشتبه في تخطيطهم هجمات، وصورا التقطتها طائرات – سواء بطيار أو من دون – أو أقمار صناعية، بحسب المسؤولين.

«نحن مستمرون في مناقشة وسائل لزيادة وتحسين وعي المصريين بالموقف في سيناء»، قال مسؤول بالبنتاغون، والذي على غرار كثيرين، تحدث مشترطا عدم الكشف عن هويته نظرا للحساسية الدبلوماسية للمناقشات.

وتجري المحادثات عبر قنوات عسكرية واستخباراتية استخدمتها الدولتان لعقود، وكذلك مع حكومة مرسي الجديدة. أجرت كلينتون، التي كانت في زيارة لأفريقيا، محادثة هاتفية مع هشام قنديل، رئيس الوزراء الجديد في حكومة محمد مرسي، قدمت له فيها التعازي وناقشت معه المزيد من إجراءات الدعم.

إن مصر، على الرغم من تلقيها 1.5 مليار دولار سنويا في صورة أسلحة ومساعدات عسكرية أخرى من الولايات المتحدة، تعارض بشدة توجيه المشاركة الأميركية في أمنها، وأيضا، على الملأ على الأقل، تقلل من قيمة المعونات التي تتلقاها.

وحتى المساعدات الأكثر روتينية الجاري مناقشتها – بما فيها التجهيزات وتدريب قوات الشرطة على الحدود – قوبلت بمعارضة، لكن بعد المحادثات التي جرت الأسبوع الماضي، أعرب مسؤولون عن تفاؤلهم بأن حكومة مرسي ستسمح بمزيد من التعاون بين الجيشين الأميركي والمصري.

فيما زادت حدة المخاوف بشأن الأمن في سيناء أثناء الربيع العربي، إلا أنها ليست بجديدة. وكذلك الحال بالنسبة للعروض الأميركية بتقديم مساعدة عسكرية للتعامل مع مشكلة لها أسباب عديدة، من بينها التضاريس وإهمال الحكومة لقبائل البدو التي تجوب المنطقة غير المأهولة بالسكان والمعاهدة مع إسرائيل التي تفرض قيودا على أفراد الجيش وقوة السلاح.

لقد شن مسلحون – بعضهم مرتبط بمنظمات إرهابية دولية، وبعضهم الآخر بأراض فلسطينية وبعضهم من الوطن – هجمات ضخمة من قبل، من بينها التفجيرات المنسقة في عام 2005 والتي راح ضحيتها 100 شخص في شرم الشيخ، ذلك المنتجع الواقع على البحر المتوسط الذي كان مفضلا لمبارك والسياح الأجانب.

في عام 2007، بعد سلسلة من الهجمات الصاروخية من غزة إلى إسرائيل – أذعنت حكومة مبارك – بما فيها القائد العسكري الحالي، المشير محمد حسين طنطاوي – للضغط من جانب وزيرة الخارجية في تلك الفترة، كوندوليزا رايس، وسمحت لفرقة المهندسين في الجيش الأميركي بوضع خطط لتحسين مستوى الأمن على الحدود، بحسب برقيات دبلوماسية كشف عنها موقع «ويكيليكس».

وقد قاد هذا العمل إلى مشروع تكلفته 23 مليون دولار لنشر أجهزة استشعار اهتزازات لاكتشاف الأنفاق التي يستخدمها المهربون في نقل السلع المهربة والأسلحة بين غزة ومصر، على الرغم من أن هذا المشروع قد توقف في عام 2009، عندما رفض المشير طنطاوي السماح بتوصيل أقمار صناعية بأجهزة الاستشعار التي كان من المفترض أن تسجل إحداثيات أنظمة التموضع. وعلى نحو يعكس الحساسية لأمور تتعلق بالسيادة، أشار إلى «النقد المحتمل من معارضة السيطرة الأميركية على الحدود المصرية».

ودق كل من كلينتون وبانيتا ناقوس الخطر بشأن الأمن في سيناء من خلال لقاءاتهما الأخيرة مع مرسي والمشير طنطاوي.. بالنسبة لبانيتا، قبل أيام فقط من وقوع الهجوم.

«أشرنا إلى مخاوف تتعلق ببعض التهديدات الأمنية هناك، التي يعتبر بعضها نتيجة لجهود على الحدود لم تكن فعالة في بعض الأحيان في السيطرة على الأفراد والأسلحة التي تم تهريبها»، هذا ما قاله بانيتا بعد المحادثات التي أجراها مع مرسي في القاهرة الشهر المنصرم.

وقد ذكر تقرير الإرهاب السنوي الصادر عن وزارة الخارجية، الذي نشر الشهر الماضي، أن شمال سيناء أصبح «قاعدة لتهريب الأسلحة والمتفجرات إلى غزة، إضافة إلى كونه نقطة عبور للمتطرفين الفلسطينيين». في شهر أغسطس الماضي، شنت جماعة من المسلحين تنتمي إلى مجموعة تطلق على نفسها «أنصار الجهاد» هجوما من المنطقة على إسرائيل والذي أودى بحياة ثمانية إسرائيليين، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى شن هجوم مضاد راح ضحيته ستة ضباط شرطة على الحدود المصرية، حسبما أفاد التقرير.

وتدعي جماعة «أنصار الجهاد» الأقل شهرة أيضا مسؤوليتها عن هجومين على خط أنابيب غاز طبيعي يمتد من صحراء سيناء إلى إسرائيل، بحسب التقرير. ولم يتضح حتى الآن من شن الهجوم الأخير، الذي وصفه مسؤولون أميركيون بأنه معقد على نحو مقلق. ولم ينته إلا عندما هاجمت طائرة إسرائيلية إحدى المركبات التي تمت مصادرتها بعد عبورها الحدود. وأعرب المسؤولون عن مخاوفهم من احتمال أن تؤدي هجمات مستقبلية، بشكل مقصود أو غير مقصود، إلى صدام بين مصر وإسرائيل، الأمر الذي قد يهدد اتفاقية السلام المبرمة بينهما.

ويضيف المسؤولون أن ما يضاعف من المخاوف الأميركية هو وجود قوة حفظ سلام دولية في سيناء تضم نحو 700 جندي أميركي ويقودها الآن ديفيد ساترفيلد، وهو سفير متقاعد. وليس مخولا للقوة، التي تشرف على الالتزام بالمعاهدة، قتال المتطرفين، كما أنها ليست جزءا من المناقشات الجارية حول الدعم الموسع، لكن قواتها ومدنييها واجهوا حالة من الفوضى والخروج عن القانون في المنطقة، بما في ذلك تهديد بحوادث اختطاف.

تحدثت كلينتون إلى محطة «سي إن إن» الشهر الماضي بعد زيارتها إلى القاهرة قائلة: «لدينا أميركيون في سيناء. وتحدونا بعض المخاوف بشأن أمنهم. ومن ثم، فإن الأمر لا يتعلق فقط بمصر وإسرائيل، بل أيضا بالولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في القوة متعددة الجنسيات. وبالتالي، فإنه في صالح الجميع أن نتعاون في العمل معا من أجل ضمان استتباب الأمن في سيناء».

* خدمة «نيويورك تايمز»