دمار وأكوام قمامة في حلب.. وكل الأحياء تحمل آثار المعارك

في ظل الاشتباكات بين القوات السورية والثوار

TT

تحمل كل أحياء أكبر مدينة سوريا آثار المعارك: مبان دمرتها قذائف قوات النظام وسيارات متفحمة فجرها الثوار وأراض تتناثر فيها أكوام القمامة، بينما لم يتمكن أي من الطرفين من فرض سيطرته الكاملة بعد قرابة شهر من حروب الشوارع المميتة.

يمكن أن يأتي الدمار والمأساة في لحظة، ففي يوم الجمعة، أسقطت طائرة قتالية تابعة لقوات النظام الثلاثة طوابق العليا من مبنى سكني مؤلف من خمسة طوابق وأودت بحياة أم وأب وأبنائهما الثلاثة. ووسط الأنقاض، تم العثور على جثة زوجين حديثي الزواج كانا قد جاءا للسكن هنا ليلة زفافهما قبل شهرين.

تقدم المقاتلون الثوار ببطء وسط الأنقاض وأحدثوا ثقوبا في الجدران أثناء بحثهم في المبنى عن محمد عزو وزوجته علا وأي شخص آخر يحتمل وجوده هناك، وفي الشارع، كان والد العريس يتطلع إلى المبنى ويلطم خديه.

تحدث منير عزو، 70 عاما، باكيا قائلا «لقد سقط الطابق العلوي والطابقان الواقعان أسفله فوق رؤوسنا».

لقد أحال الدمار، الذي رصدته «أسوشييتد برس» أثناء زيارة للمدينة أول من أمس، حلب، المدينة التي يبلغ تعداد سكانها نحو 4 ملايين نسمة، التي كانت على مدار معظم فترة الثورة الممتدة منذ 17 شهرا، بمثابة مركز دعم لنظام الرئيس بشار الأسد. هذا وقد غادر المدينة عشرات الآلاف، قد يصل عددهم إلى 200 ألف شخص بحسب أحد تقديرات الأمم المتحدة.

تتحول قوات الأسد إلى استخدام المروحيات الهجومية والطائرات المقاتلة النفاثة لقمع الثوار، الذين ظلوا صامدين على مدار أسابيع من القتال والصدام يوميا مع القوات الحكومية. انتقل الثوار إلى المدينة الشهر الماضي بعد إجلاء الجيش من معظم المدن بين المدينة والحدود التركية نحو الشمال، مما أدى إلى «تحرير» الأحياء من شمال غربي المدينة إلى ركنها الجنوبي الغربي، وكثير منها مناطق يهيمن عليها المسلمون السنة الذين يدعمون الثورة.

ويقول الثوار الآن إنهم يسيطرون على أكثر من نصف المدينة. غير أنه لم يشاهد إلا عددا قليلا جدا من المقاتلين في عدد من أحياء المعارضة يوم الجمعة، مما يشير إلى أن «سيطرة» الثوار ضعيفة على أفضل تقدير. ما زال الجيش يسيطر على معظم وسط المدينة والشمال الغربي، كما تنتشر مروحياتها وطائراتها القتالية في السماء، مما يجبر السكان على تجنب المناطق المفتوحة أو البقاء في منازلهم.

تركز قتال يوم الجمعة في الركن الجنوبي الغربي من المدينة وبالقرب من مطارها، على بعد 15 كيلومترا (تسعة أميال) جنوب شرقي مركز المدينة التاريخي. وصرحت وكالة الأنباء الرسمية في سوريا بأن «جماعات إرهابية مسلحة» – المصطلح الذي يستخدمه النظام في الإشارة إلى الثوار – قد تم إجلاؤها من جانبي المطار. ولم يحدد التقرير ما إذا كان المطار المقصود هو المطار الدولي أم المطار العسكري المجاور.

تبدو كثير من الأحياء خاوية، حتى يوم الجمعة وقت أداء المسلمين الصلاة في رمضان. تمتلئ شاحنات صغيرة بمراتب وغسالات وحقائب ملابس على الطريق السريع شمال المدينة، مع نزوح المزيد من الأسر، إما إلى قرى أكثر أمانا أو إلى الحدود التركية، على بعد 40 كيلومترا (24 ميلا). في معظم الأماكن، تكون بضع متاجر فقط مفتوحة. كان صالون حلاقة واحد فقط مفتوحا في أحد الشوارع الرئيسية؛ فيما كانت أبواب بقية المتاجر موصدة.

يقول محمود بكور، الذي يجلس بصحبة 12 من الثوار أمام طاولة بلاستيكية أسفل معبر على الطريق السريع في حي الشعار: «هؤلاء الذين لا يزالون هنا هم ممن لا يملكون الأموال الكافية لدفع أجرة الانتقال وليس لديهم سوى قليل من الطعام ليأخذوه معهم». ويضيف: «لقد فوضوا أمرهم إلى الله».

وتباهى بكور بأن قبضة الثوار قوية، مستخدما المصطلحات الإسلامية الشائعة بين مقاتلي حلب في وصف المعركة.

يقول: «نحن نحارب العالم بالكلمات، وردد عبارة التوحيد في الإسلام: لا إله إلا الله». وأضاف مقاتل آخر: «لدينا قدر محدود جدا من الذخيرة». يواجه رجال بكور قليلا من التحديات المباشرة على الأرض، لكن ليس بوسعهم القيام بأي شيء لحماية المنطقة من الهجمات بالطائرات والمدفعية من قبل قوات النظام. وقبل ذلك بيوم واحد، انفجرت قذيفة مدفعية، مما تسبب في نشر الشظايا على الأشخاص الذين كانوا يقفون في انتظار دورهم في مخبز قاضي عسكر، وأدى إلى مقتل 35 شخصا وإصابة أكثر من 50 آخرين، حسبما أكد المسعفون.

وعلى الرغم من ذلك، عاد الزبائن مرة أخرى يوم الجمعة، مصطفين في طوابير تمتد لأكثر من 100 متر على كلتا النافذتين في المخبز. يقول حسين الأعرج، 34 عاما، إنه ظل ينتظر بصحبة ابنتيه، 9 و6 سنوات، لأكثر من ساعة، مؤكدا أنه جاء، مثل كثيرين، من أحياء أخرى بسبب إغلاق المخبر الموجود في الحي التابع له ونقص الإمدادات.

ويتم نقل معظم القتلى أو الجرحى في المنطقة في نهاية المطاف إلى عيادة «دار الشفاء»، وهي عيادة خاصة تعمل الآن مستشفى ميدانيا للثوار. اقتربت شاحنة من باب المستشفى يوم الجمعة وهرع أحد المقاتلين إلى داخل المستشفي ضاغطا براحة يديه على جبينه لوقف النزيف. قام الثوار بنقل رجل آخر كانت فخذه غارقة في الدماء، وملابسه ممزقة إلى المستشفى على ظهر عربة خشبية.

يقول يونس، وهو طبيب اكتفى بذكر اسمه الأول فقط حرصا على سلامته، إن المستشفى قد استقبلت أكثر من 50 قتيلا و100 جريح في اليوم السابق، وهو رقم أعلى من المعتاد ويرجع بصورة جزئية إلى الانفجار الذي وقع في المخبز. يضيف يونس أن يوم الجمعة كان يبدو أنه سيكون يوما «عاديا»، وهو ما يعني نحو 8 قتلى و12 جريجا تقريبا. وجاء جمال محمود، أحد المصابين الذي يبلغ من العمر 50 عاما، إلى المستشفى عقب إصابته بشظية جراء القصف الشديد، مما تسبب بتمزيق قطعة من ذراعه بحجم ثمرة الجوز. يقول جمال إنه عاش طيلة حياته في المدينة وإنه لن يفر منها أبدا، مضيفا: «النظام هو من يحتاج إلى المغادرة وليس نحن».

وعلى رصيف الشارع المقابل، جلس أحد الرجال يبكي بجانب 4 جثث ملفوفة في بطاطين مخططة لأم وثلاثة أولاد لقوا نحبهم في نفس الغارة الجوية التي قتل فيها العروسان، قبل أن تصل جثة والدهم إلى المستشفى بعد وقت قصير.

تحمل مدينة حلب قيمة رمزية واستراتيجيه كبيرة، حيث إنها هي المدينة الرئيسية في شمالي سوريا، فضلا عن قربها من المناطق الزراعية الشمالية، حيث يقوم الثوار بتنظيم وجلب الإمدادات من تركيا. سعى الثوار لإحكام سيطرتهم على وسط المدينة، حتى يتسنى لهم تقويض المزاعم الحكومية بأن جيش النظام يستطيع سحق قوات الثوار بسهولة.