إبراهيم المرعي لـ «الشرق الأوسط»: الجيش الحر يريد السلاح.. والمدنيون يريدون الخبز

بعد زيارة ميدانية لإدلب.. عضو المكتب الإعلامي بالمجلس الوطني: النظام بإجرامه أعاد التآخي للسوريين بعد أن فرقهم 40 عاما

د. إبراهيم المرعي
TT

أكد الدكتور إبراهيم المرعي مدير قناة «بردا» المعارضة للنظام السوري، عضو المكتب الإعلامي بالمجلس الوطني، بعد عودته من زيارة قام بها لسوريا، وتحديدا لقريته في ريف معرة النعمان، أن مطالب الجيش الحر الأساسية على الأرض هي السلاح، ومطالب المدنيين هي الخبز ومتطلبات الحياة الأساسية وأولوياتهم المساعدات الإنسانية، كما أوضح أن إدلب محررة كليا من وجود القوات النظامية على الأرض، وأن النظام يقوم بالقصف بالدبابات أو المدفعية كلما سنحت له الفرصة، لكن قصف الطائرات يتم «من شروق الشمس إلى غروبها». لأن الطائرات تخشى من المضادات.. و«لأنهم لا يتمتعون بنظام طيران ذكي، فهم يقصفون عشوائيا، وليست لديهم دقة في تحديد الهدف. مما يجعل عدد القتلى في صفوف المدنين كبيرا جدا».

وعن الأسلحة في صفوف الجيش الحر بإدلب، قال المرعي: «أنا لم أر أسلحة ثقيلة. أكثر ما رأيته هو فقط (آر بي جي). كان هناك ما يسمى (14 ونصف) وهو السلاح المضاد للطائرات»، وعن مصادر السلاح، قال: «هناك بعض الناس يشترون السلاح حتى من الجيش الأسدي.. هم تجار سلاح ليسترزقوا منه.. الجزء الآخر يتم تهريبه عبر مهربين للسلاح وبيعه»، وأضاف: «أغلبها كسبها الثوار من القوات النظامية. أنا رأيت ثلاث دبابات وناقلة جند، و(آر بي جي) وقناصات لا تعد ولا تحصى.. كلها تم اكتسابها من قوى النظام».

كما أشاد المرعي بروح التآخي بين السوريين في «محنتهم» وقال: «التآخي عاد للسوريين بعد أن فرقهم النظام.. أنا كنت أعلم أن الأخ كان يخشى أخاه.. الابن يخشى والده، والأب يخشى ابنه.. كان النظام يفرق الناس، وقتل الشخصية السورية والإخلاص والأخوة فيها، وقد أعاد هذا النظام بإجرامه هذه الأخوة.. أنا وجدت التكاتف والتكافل والتعاطف الاجتماعي، ولم أره في حياتي في مكان آخر.. الناس يحضن بعضهم بعضا، من غير تعارف، وكل من يطرق الباب مرحب بهم ولا يسألونهم من أنتم.. البيوت كانت مفتوحة للجميع».

«الشرق الأوسط» التقت الدكتور إبراهيم المرعي بلندن، وكان لها معه حوار حول تفاصيل الزيارة وحياة الناس في إدلب وكفرنبل.. هذا نصه:

* لماذا اخترتم دخول سوريا في هذا الوقت بالذات؟

- ..بعد غياب 24 عاما عن الوطن قسريا وليس اختياريا، فقد تم تهجيرنا قسريا عام 1980 بعد مجازر حافظ الأسد، ومنذ ذلك الوقت لم أر بلدي، ورأيت أن الوقت مناسب، وأردت العودة لرؤية الوضع ميدانيا وتقديم بعض المساعدات، ومنذ دخولي، غمرني الشعور بالفخر والحرية، فقد كنت أتحرك بحرية، وكنت عندما أمر على حاجز للجيش الحر أشعر بالثبات وبالافتخار وبأني إنسان آخر، بعدما كنا في سوريا يقتلنا الخوف عندما نرى حاجزا أمنيا أو حتى شرطيا، لأننا كنا نعلم مسبقا أنه غالبا سوف يبتزنا أو يفتعل مشكلا ليتقاضى المال ليتركنا.

* دخلتم من تركيا عبر الحدود البرية، ما مدى سيطرة النظام على الوضع في المناطق الحدودية مع تركيا؟

-لا توجد أية قوة تذكر.

* هل يمكن القول إن إدلب من الجانب الذي يربطها بتركيا محررة تماما؟

- هي محررة تماما.. الأرض محررة.. توجد عصابات للنظام داخل حواجز وسواتر عالية جدا محصنة، لا يستطيعون الخروج منها أبدا إلا عندما يتأكدوا تماما أن الجيش الحر غادر المكان. بقيت 4 أيام بكفرنبل بمحافظة إدلب وكانت معارك طاحنة دارت مع هذه القوى، وكانت لهم عبارة عن ثكنة عسكرية داخل أكياس من الرمل، وعندما كان الجيش الحر يحيط بهذه الحواجز والعصابات الأسدية، لا تستطيع الخروج لأنها محاطة بقوة من الثوار.. الحركة عبر الأرض تتحرر. أنا عندما ذهبت إلى قريتنا، وإلى بيتنا طلبت من الآخرين أن يتكتموا على وصولي كي لا أسبب لهم الأذى، فتفاجأوا لطلبي وقالوا: ممن نخاف، نحن أصبحنا نخيف؟ وافتعلوا عزيمة أعلنوا فيها عن قدومي وكل المنطقة عرفت بقدومي.

* في ريف المعرة، وفي كفرنبل التي تعتبر من المناطق الساخنة، كيف يعيش عناصر الجيش الحر يومهم؟

- أنا بدأت منذ الحدود مع فرق معينة.. عدد عناصر الفرقة من 20 إلى 30 شخصا.. هم عبارة عن كتائب أو مجاميع كبيرة، لكن مقسمة إلى مجموعات.. ليس هناك مكان مثل ثكنات عسكرية أو شيء من هذا القبيل. هم عندما ينتهون من عملهم اليومي، كل يذهب إلى بيته مساء. وهم يعملون بأسلوب منظم وعملهم مقسم إلى مجموعات: مجموعة تحرص المدنيين، ومجموعة تقوم بدوريات في المدينة كي لا تكون هناك إشكالات، لأنه قد يوجد بعض الموالين للنظام بالداخل، وقد يصطنعون المشكلات وقد يؤذون الآخرين، ومجموعة دورها تفقد حاجيات الناس اليومية.. ومرة وعندما كنت جالسا ببيت أحد الأشخاص وبينما كنا نتناقش في مشكلات الخبز وشحه، أتى مجموعة من شباب الجيش الحر على دراجات نارية وسألوا أهل البيت إن كانوا في حاجة إلى شيء أو إلى الخبز لأنه هو المفقود في تلك المناطق في تلك الأيام، حيث إن مدينة كفرنبل هجرت بأكملها إلى قريتنا، وهذه الناس بحاجة إلى إطعام.. وبعد أن سلموا أهل البيت الخبز، قام أحد الأشخاص لدفع المال، لكن العناصر رفضوا وقالوا لا إنه ليس للبيع إنما لمن يؤوون الناس للتضامن.

وإدلب متميزة بأن الناس لا تجوع هناك مثلما قد يحدث في المدن، فطبيعة المنطقة الزراعية أن الناس تأكل من أرضها.. من رزقها.. العنب والتين والبطيخ والشمام، والخيار.. متوفرة، لكن المشكلة الوحيدة في الخبز.

وهناك بعض الناس يخزنون الدقيق، لكن العملية واجهت صعوبات، حيث مع الحر الشديد في شهر رمضان الناس لا تتحمل الحر لتخبز.. يحاولون شراء الخبز إن كان موجودا، طبعا بأسعار باهظة جدا.

* ألا توجد مخابز تعمل في المنطقة؟

- هناك مخبز واحد في إدلب يزود 15 إلى 20 قرية، لكل قرية مائة ربطة خبز فقط، وهذا غير كاف، لكن ما لفت انتباهي وأنا بين الناس أن هناك تآخيا وروحا متبادلة.. التآخي عاد للسوريين بعد أن فرقهم النظام. أنا كنت أعلم أن الأخ كان يخشى أخاه.. الابن يخشى والده والأب يخشى ابنه، كان النظام فرق الناس وقتل الشخصية السورية والإخلاص والأخوة فيها، وقد أعاد هذا النظام بإجرامه هذه الأخوة. أنا وجدت التكاتف والتكافل والتعاطف الاجتماعي.. لم أره في حياتي في مكان آخر، الناس يحضن بعضهم بعضا من دون تعارف، وكل من يطرق الباب مرحب بهم ولا يسألونهم من أنتم.. يقدمون لهم الطعام.. نحن من أهل كفرنبل أو من منطقة أخرى نحن مهجرون.. البيوت كانت مفتوحة للجميع.

* رغم أن المجتمع القروي محافظ، فإنه كان يفتح بيته لمن لا يعرفهم؟

- نعم لأن من يأتي هو محافظ أيضا.. الناس يدخلون النساء داخل الغرف وفي الباحة في ساحات الديار ينام الرجال والشباب، هذا لم نره منذ 40 سنة.

والجزء الآخر من الثوار هم الذين يذهبون للقتال.. يتنادون عند بداية أي قصف، وأيضا يلعب المدنيون هنا دورا، فعندما يسمعون أي قصف في منطقة يعلمون كل العناصر في مختلف المناطق. عند مرور دبابة أو ظهور طائرة، أو إيفاد عسكريين لدعم الحواجز يتصلون بعضهم ببعض ويخبرون الثوار.

* هل يلعبون دور جهاز الاستخبارات؟

- بالضبط هم يلعبون دور جهاز استخباري، وهم رجال كبار، ونساء يقومون بإعلام الثوار بأي تحرك للقوات النظامية يشاهدونه أو يعلمون بتوجهه نحو نقطة ما.

* هل تم تنبيههم من طرف الثوار بضرورة إخبارهم، وهل زودوهم بأجهزة تواصل؟

- لا بل في الحقيقة أنه لا يخلوا بيت من عنصر من عناصر الجيش الحر الذي يقوم بالقتال، فتتصل عائلته به هاتفيا وهو من يتواصل عبر اللاسلكي مع زملائه.

* ما الأسلحة التي يمتلكها الثوار بإدلب حسبما شاهدتم، هل يمتلكون أسلحة ثقيلة؟

- أنا لم أر أسلحة ثقيلة.. أكثر ما رأيته هو فقط «آر بي جي».. كان هناك ما يسمى «14 ونصف»، وهو السلاح المضاد للطائرات.. هو في الحقيقة لإخافة الطائرات، وعلمنا منذ يومين أنه أسقطت طائرة في دير الزور بـ«14 ونصف» هذا، لكن ما علمناه أنه غير متوفر بكثرة في كل المناطق.

في إدلب كنت أسمع إطلاق «14 ونصف» لأنه كانت تأتي طائرات لكن لم أره بأم عيني، ما يملكونه مجرد «آر بي جي» وكلاشينات ورشاشات.. فقط أسلحة خفيفة ذات طلقة عادية.

* من أين تصل هذه الأسلحة حسب من تحدثتم معهم ميدانيا؟

- هناك بعض الناس تشتري السلاح حتى من الجيش الأسدي، هم تجار سلاح، ليسترزقوا منه. الجزء الآخر يتم تهريبه عبر مهربين للسلاح وبيعه.

* من تركيا؟

- أنا لم أر سلاحا يهرب من تركيا، ولكن قد يكون من العراق ومن دول بالجوار. الأكثر مثلا بعد اقتحام حاجز كفرنبل هي أسلحة كسبها الثوار من القوات النظامية. أنا رأيت ثلاث دبابات وناقلة جند و«آر بي جي» وقناصات لا تعد ولا تحصى.. كلها تم اكتسابها من قوى النظام.

* هل حدثك الثوار أنهم يحاولون أحيانا التفاوض مع القوات النظامية وإقناعهم بالانشقاق؟

- سأعطيك مثالا على ذلك؛ في اليوم الأول الذي دخلت فيه كفرنبل، عبر التقاط موجات اللاسلكي سمع الثوار العقيد السلوم الذي تم القبض عليه بعد معركة كفرنبل يخاطب قيادة.. سمعت القائد سلوم وهو قائد حاجز كفرنبل يخاطب القيادة العسكرية قائلا: «لم يبق سوى أنا و17 جنديا ونريد تعزيزات، وإن لم تمدون بالسلاح سأخرج اليوم وأرفع الراية البيضاء وأسلم الحاجز للثوار. وبعد أن سمع الثوار هذا، ماذا فعلوا؟ هناك عملاء للوساطة بين الحاجز والثوار.. أتوا بهم وأرسلوهم إلى الضابط، إلى العقيد السلوم.. قالوا له: نعطيك الأمان أنت ومن معك واخرج من منطقتنا سالما ونعاهدكم بأن لا نؤذيكم. فقال: والسلاح؟ ردوا: تترك السلاح وتخرج أنت ومن معك فقط. فرفض.. في الجولة الثانية من المفاوضات قالوا يمكن أن تترك ومن معك ودباباتك وعربات الجند وتترك الذخيرة.. قال: لا، كيف أحمي؟ نفسي أريد الذخيرة. قالوا له نحن لا نغدر كما تغدرون. فرفض فقالوا عليك إذن أن تبقى في مكانك ولن يشفع لك شيء بعد هذه اللحظة. وانتهت المفاوضات وستخرج رغما عن أنفك. وفي اليوم التالي رأيناه منساقا مثل الخروف، وطبعا قتل الثوار عناصر من مجموعته وقبضوا على البقية، وتم اعتراض الإمدادات التي كانت عبارة عن 170 جنديا ودبابات، وتم اعتراضهم وقتل 100 جندي منهم وحرقت الدبابات والآليات وأسر 70 جنديا كان فيهم جرحى. وأخذهم الثوار إلى المستشفى في كفرنبل لعلاجهم.

في اليوم الأخير سيق من بقي حيا وعرضت صور العقيد السلوم ومن معه على «يوتيوب» وهم أسرى، وقامت زوجته وأهله بالمناشدة.

* هل ينام الناس مطمئنون ليلا، أم إن الخوف من القصف يجعل القلق موجودا دائما؟

- بالطبع القصف بالدبابة أو المدفعية ممكن في أي وقت، لكن بالليل لا تقصف الطائرات، لأنها تخشى القدوم ليلا ويتم قصفها من عناصر الجيش الحر.. تأتي فقط من شروق الشمس إلى غروبها.

* لماذا لا تقصف ليلا؟

- هي تخشى من المضادات، وأتوقع أن سلاحهم هو من السلاح الغبي وليس من السلاح الذكي الذي يمكنه تحديد الرؤية في الليل، ولذلك ولأنهم لا يتمتعون بنظام طيران ذكي، فهم يقصفون عشوائيا وليست لديهم دقة في تحديد الهدف. وهذا ما يجعل عدد القتلى في صفوف المدنين كبيرا جدا لأن قوات النظام عاجزة عن تحديد واستهداف مواقع الثوار، لذلك يرمون بالصواريخ والقنابل فوق المدنيين ليبعثوا الرعب في الناس ويشيعوا الفوضى. أنا رأيت الأشلاء والجثث والأيدي المقطعة.. رأيتها بأم عيني عندما يقومون بقصف المدنيين.. ليس لديهم أي منظار ليلي مثلا لتحديد الهدف، لذلك تحدث المجازر التي يذهب ضحيتها مئات الناس.

وهناك نوع آخر من الجيش الحر.. أنا ذهبت لمعرة حرمة في ريف معرة النعمان.. قالوا إنهم قاموا بإنشاء بمركز أمني صنعه الثوار.. ولديهم سيارات ويقومون بدوريات.. طلبت أن أرى سجلاتهم، فأتوا بسجلات فيها ملفات المشتكي والمشتكى منه والقاضي.

* هل هذا بخصوص المشكلات المدنية العادية التي من المفترض أن تتابعها الدولة؟ هل صنعوا دولتهم داخل الدولة؟

- لا وجود للدولة إطلاقا، وهم يصنعون مجتمعهم ويحاولون المحافظة عليه ويسيرون حياتهم بشكل نظامي ويقولون إن الخلافات منذ أن ذهب آل الأسد عن منطقتنا قد خفت، لا توجد خلافات أو مشكلات، أصبح الناس أكثر تضامنا. ولكن وفي حال وجود مشكلات يستدعون مركز الشرطة ومحامين.. بنو دولتهم المدنية.

* هل تعود الناس بسوريا الآن على النمط الجديد للحياة؟ وكيف تقيمون معنويات الناس في كفرنبل، هل هي مرتفعة أم يعيشون الذعر والقلق؟

- منذ دخولي سوريا، دخلت قرية اسمها أطما يسيطر عليها الثوار، وهناك فيها مركز أمني أصبح مثل المحطة لنقل الجرحى والأسرى، ذهبنا للمركز الأمني ننتظر سيارة لتنقلنا إلى المعرة، فما رأيت إلا سيارتين محملتين بالجرحى، كان الناس عبارة عن أشلاء؛ فيهم من بترت رجله وآخر يداه، وهناك من خرجت أمعاؤه.. يعني مشاهد لا يتحملها إنسان.. أطفال متعلقون بأمهاتهم.. الأمهات مرتعبات، مشاهد الرعب ما زالت موجودة. القتل ليس بالشيء الهين. الناس تعودوا على مظاهر الدمار، ولم تعد تخيفهم، لكن قتل الناس هو المرعب.

رأيتهم محملين في صناديق السيارات، في الحافلات، بعضهم فوق بعض، أعداد هائلة.. العشرات من الجرحى كانوا يأتون بهم للخروج لتركيا لعمليات العلاج. عندما تعمقت بالداخل وتحدثت للناس وسألتهم: هل تخافون؟ قالوا: لا، نحن لا نخشى، ولكن يتم إطلاق عيار ناري.. تم تحرير دبابة.. وصول شهيد يلاقى بالابتهاج، والذي يأتي ابنه شهيدا لا يحزن، قد ترى الدموع لكن الأب والأم يدفعان أبناءهما للقتال. ولكن ما يدمي القلوب عندما ترى المدنيين بعد قصفهم.. نساء وأطفال.. جثث مرمية بالشوارع.. هنا الناس ترتعب عندما تأتي طائرة، وقد رأيت هذا.

* وهل تحلق الطائرات على علو منخفض؟

- لا، تحلق على علو جد مرتفع، فكانت تبدو بحجم كف اليد، لأنهم يخافون من إسقاطها.. هي ترمي عشوائيا، وعندما تأتي الطائرة كان المدنيون يقومون بالتشهد، ويحضرون نفسهم للموت، الناس تستعد للموت في كل لحظة، وعندما يدور قتال بين طائرة والثوار، يصعد الناس فوق الأسطح على أمل أن يروا الطائرة وهي تسقط، أو دخانا أسود يعني تفجير دبابة أو مدرعة... ويقومون بالزغاريد والتهليل.

* لدى زيارتكم عدة مناطق في إدلب كانت شهدت مواجهات، هل رأيتم مظاهر للحياة العادية هناك، أم إن مشاهد الدمار هي الغالبة؟

- مررت بمناطق رأيت فيها شوارع مغلقة بأكملها.. مدمرة.. سويت بالأرض، الأتارب في ريف حلب مثلا؛ الشوارع مدمرة بأكملها خاصة منطقة السوق والمحلات التجارية، سويت بالأرض.. سألت أين السكان؟ قالوا: نزحوا. رأيت في الجزء الآخر من الأتارب اصطفاف نحو 1000 شخص، وعندما سألت عن السبب قالوا إنهم ينتظرون الخبز.. هناك مخبز أتى ببعض الدقيق والوقود.

مررت بقرى أخرى كانت عبارة عن مناطق أشباح لا يوجد بها أي إنسان. قلت أين ذهبوا؟ لا علامة للحياة، أجابوني بأنه تم تهجيرهم بالكامل.. نصفهم اعتقلوا ونصفهم هربوا.. وآخرون ماتوا. ولكن عشرات القرى ماتت الحياة فيها، ومن بقوا فيها يعيشون حياة بسيطة جدا.. فقط يعيشون يأكلون ويشربون، ولكن لا عمل.

* كيف يبدأ التظاهر، هل يتم التنسيق له مع محافظات أو مناطق أخرى؟

- لا، يتم التنسيق له بشكل تلقائي.. قد تخف في رمضان بسبب الحر.. لا يوجد كهرباء، ومع ذروة الحر، دخلت صلاة الجمعة.. أعلنوا عن وجودي، وفي باحة المسجد تجمهر الناس.. التقوا من المسجد.. وخلال دقائق بدأت بشكل حضاري سلمي.

* كم مساحة المنطقة المحررة؟

- أنا سرت 240 كلم إلى منطقتي ولم أرى حاجزا نظاميا واحدا.. هي محررة تماما، قد يكون ما يسمونه حواجز طيارة تنزل في منطقة ما لساعات ثم تنتقل.. يأتون بدبابة لحماية الطائرات لساعات ويهربون، وغالبا عندما يحس بهم الثوار ينتهون.

الثوار في إدلب متمركزون في مناطق حساسة.. يعلمون أن الدبابات وحاملات الجند تمر منها لتعزيز قواتها في حلب فيتمركزون فيها ويقومون بتدميرها، ورأيت عشرات الدبابات والمدرعات مدمرة على الطرقات. هم يمنعون الإمداد العسكري للجيش الأسدي في حلب.

* هل هناك تعاون أو تنسيق بين المناطق.. مثلا بين الثوار في إدلب وحلب؟

- في الغالب، كل منطقة تعمل على تحصين نفسها.. التعاون ليس كبيرا بين مدن وأخرى، ولكن سألت عن كثير من الناس كنت أريد مقابلتهم، قالوا إنهم ذهبوا إلى حلب.. هناك نداءات من الجيش الحر في حلب طلبوا العون من إخوانهم في إدلب وفي محافظات أخرى، فذهب جزء كبير منهم إلى حلب وبقيت مجموعات للحفاظ على الأمن في إدلب، ولمنع دخول الجيش.

وهناك عيون تعمل لدى النظام وتمدهم بأسماء الذين يقاتلون وينشطون إعلاميا. لذلك هناك تنسيق بسيط، لكن ليست هناك إلى حد الآن قيادة مركزية تستدعي هذا أو ذاك.. كل منطقة تحتفظ بعناصرها لحمايتها.

* بصفتكم عضوا بالمكتب الإعلامي في المجلس الوطني، تواردت معلومات عن أن الناس في الداخل بدأوا يفقدون ثقتهم في المجلس الوطني الذي من المفترض أنه الممثل الشرعي لهم، لأن جهوده الدبلوماسية لم تمنع الأذى عنهم... الناس في الداخل ما رأيهم؟

- سألت عن المجلس الوطني بصفتي عضوا فيه.. الثوار أغلبهم لا يعترفون بالمجلس الوطني.. المقاتلون يقولون إن المجلس لا يدعمنا عسكريا.. قالوا نريد من يدعمنا بالسلاح، هناك جزء من المدنيين يقولون نعم نحن نحترم المجلس الوطني، لكن إذا كان حتى الخبز لا يصلنا من المجلس الوطني فما حاجتنا إليه؟ الأداء السياسي ضعيف جدا. أطفالنا ونساؤنا يجوعون.. هناك بعض المناطق تقول نعم وصلتنا بعض المساعدات من المكتب الإغاثي للمجلس الوطني، لكن الأغلبية لا.. هم يريدون متطلبات الحياة الأساسية وأولوياتهم مساعدات إنسانية.