أنقرة تتحسب لمساعي النظام السوري لتصدير أزمته إليها «علويا وكرديا وأرمنيا»

معلومات عن تشكيل لواء تحرير الإسكندرون وتخزين أسلحة ومتفجرات في مدن الجنوب التركي

مقاتلون من الجيش السوري الحر يتصدون لقوات النظام السوري في حي سيف الدولة بحلب أمس (رويترز)
TT

اهتز الأمن التركي مجددا أمس على وقع الأزمة المستمرة في التفاقم في الجارة الجنوبية سوريا، وسط مخاوف ترقى إلى خانة الشكوك، من سعي النظام السوري إلى توريط تركيا في «المستنقع الأمني»؛ عقابا لها على دعمها للجماعات السورية المناهضة للنظام، فيما تعقد مجموعة الاتصال التركية - الأميركية أول اجتماع عمل لها في أنقرة اليوم وعلى جدول أعمالها «خيارات يجب اعتمادها في حال تطور الملف السوري دراماتيكيا»، كما قال مصدر في الخارجية التركية لـ«الشرق الأوسط»، موضحا أن «احتمال استعمال النظام السلاح الكيماوي والبيولوجي وسبل التعامل معه سيكون بندا أساسيا على جدول الأعمال». وبينما كانت أنقرة «تحقق» في شكوكها حول تورط سوريا في تفجير غازي عنتاب، الاثنين الماضي، استهدفت قافلة عسكرية تركيا بثلاث عبوات ناسفة خلال مرورها في مقاطعة هكاري التي شهدت ليل أول من أمس أكبر عملية نزوح سورية إلى تركيا منذ اندلاع الأزمة، وهو ما يبرز الترابط بين الملفين، وفقا لمسؤول رفيع في الخارجية التركية.

وأفادت المعلومات بأن عبوة ناسفة فجرت لا سلكيا بعد ظهر أمس لدى مرور قافلة عسكرية تركية في مقاطعة هكاري في محافظة شميندلي التركية. وأوضحت المعلومات أن عبوة ناسفة استهدفت القافلة على الطريق السريع بين قريتين على بعد نحو 20 كيلومترا من وسط مدينة هكاري. وأشارت إلى أن انفجارين أعقبا التفجير الأول، فيما لم تفد التقارير الأولية بوقوع إصابات. ويربط المسؤولون الأتراك بين التطورات الأمنية التي تشهدها المناطق التركية المحاذية للحدود، وارتفاع حدة المواجهات في سوريا. ويشير أحد هؤلاء لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه لم يكن مفاجئا تزايد التحركات الإرهابية لتنظيم الـ«ب ك ك» الإرهابي (حزب العمال الكردستاني المحظور) في المناطق الجنوبية من البلاد، بالتزامن مع انتشار وحدات من هذا التنظيم في مقاطعات سورية برعاية من الاستخبارات السورية، بالإضافة إلى ظهور جماعة أرمنية من العدم لتهدد تركيا. وقال المسؤول في الخارجية التركية لـ«الشرق الأوسط»: «تعلم تركيا تماما أن ثمة ثمنا يجب أن تدفعه لقاء وقوفها إلى جانب الشعب السوري، لكن هذا لن يثنيها عن القيام بما تراه صائبا، وبما يتناسب مع القيم والأخلاقيات التي تحملها».

ويشكو مسؤولون أتراك من سعي النظام السوري إلى استغلال الأقلية العلوية في جنوب تركيا للضغط على أنقرة، مع تزايد مؤشرات الغضب لدى بعض هؤلاء جراء الدعم التركي للمعارضين. ويبدو جليا في أنطاكية تصاعد الأعمال الاستفزازية ضد اللاجئين السوريين على خلفيات يقول هؤلاء إنها «طائفية». ويشير ناشط سوري في أنطاكية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن سكان بلدة الريحانية القريبة من الحدود (ذات الغالبية السنية) هم أكثر تعاطفا معنا من سكان أنطاكية، مشيرا إلى اعتداءات نفذت ضد مواطنين سوريين آخرها اعتداء نفذته مجموعة من الشبان على لاجئ سوري بعد ملاحقته لدى شرائه من أحد المحال التجارية جعبة لخرطوش الصيد. وأوضح الناشط أن التحقيقات الرسمية التركية لم تصل إلى شيء على الرغم من وجود كاميرات مراقبة في وسط المدينة حيث وقع الاعتداء.

ويشير الناشط إلى أن النظام السوري يشجع أبناء الأقلية العلوية في تركيا على مساعدته، موضحا أنه تم الإعلان مؤخرا عن «كتيبة تحرير الإسكندرون» أو ما درج على تسميته بـ«اللواء السليب» الذي ضم إلى تركيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وجرى استفتاء لاحق لتقرير مصيره، موضحا أن السلطات التركية حجبت موقعا إلكترونيا أنشأه هؤلاء تظهر فيه صور لشبان مسلحين. وقال الناشط: «إن هؤلاء شاركوا في مظاهرات في سوريا تأييدا للنظام حاملين هوياتهم التركية». وفي الإطار نفسه، أشار نائب تركي من حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى معلومات عن «تخزين متفجرات وأسلحة في جنوب البلاد»، متهما الاستخبارات السورية بالضلوع في عمليات التفجير الأخيرة. وقال جميل الطيار إن النظام السوري يقف وراء تفجير غازي عنتاب الأخير، وادعى أنه تلقى بعض المعلومات الاستخبارية قبل الهجوم أبلغها للمسؤولين الأتراك. وقال الطيار: «كانت هناك معلومات أن كلا من حزب العمال الكردستاني وأعضاء مخابرات الأسد قد ينفذون هجوما كبيرا في غازي عنتاب وهاتاي». وأضاف: «يبدو وكأنه عمل مشترك من حزب العمال الكردستاني والمخابرات. ونحن نعلم أن وكلاء المخابرات أيضا وراء بعض الأحداث التي تجري في مخيمات اللاجئين. كانت لدينا المعلومات التي تخزن القنابل في المنازل في هاتاي وغازي عنتاب». وشيعت تركيا أمس ضحايا تفجير غازي عنتاب بحضور الرئيس التركي عبد الله غل، ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وزعماء أحزاب. وقال الرئيس عبد الله غل للصحافيين عند وصوله إلى غازي عنتاب: «الرد الأفضل الذي نقدمه كدولة هو أن نشكل جبهة موحدة ونقف جنبا إلى جنب بصرف النظر عن خلافاتنا.. في مواجهة هذا العمل الإرهابي». وشارك غل ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ومسؤولون آخرون في صلاة الجنازة، بينما غطيت النعوش بالعلم التركي في مسجد في المدينة وسط بكاء الأقارب.

وتخشى تركيا أن يستغل حزب العمال الكردستاني الذي بدأ تمردا في جنوب شرقي البلاد منذ قرابة ثلاثة عقود، حالة الفوضى في سوريا لتوسيع نطاق نفوذه، واتهمت الرئيس السوري بشار الأسد بتزويد مقاتلي الحزب بالسلاح.

وكان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قال: «يجري التحقيق في إمكانية وجود صلات لسوريا بهجوم غازي عنتاب، إلا أنه لا تتوافر أي معلومات ملموسة حتى الآن». وقال للصحافيين في أنقرة: «إذا كان هناك تشابه فإن أساليب وعقلية المنظمة الإرهابية: حزب العمال الكردستاني وقوات بشار الأسد، متشابهة في قتل المدنيين خلال عيد الفطر». وقال مسؤولون أتراك إن نحو 2500 شخص فارين من العنف في سوريا دخلوا تركيا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، وهو من أكبر المعدلات اليومية لتدفق اللاجئين في الأسابيع الأخيرة. وعبر معظم اللاجئين إلى إقليم هكاري في جنوب شرقي تركيا. وقالت مصادر المعارضة السورية إن مئات آخرين من اللاجئين، معظمهم من محافظتي إدلب وحلب، تقطعت بهم السبل على الجانب السوري من الحدود، وقيل لهم أن ينتظروا إلى الغد للعبور بسبب الأعداد الكبيرة. وقال أحمد الشيخ، وهو ناشط سوري يساعد اللاجئين، إن ريف شمال حلب كان يعتبر ملاذا آمنا، لكن القصف العشوائي للجيش في الأيام الأخيرة يجعل اللاجئين الذين فروا إلى هناك يفرون ثانية إلى تركيا». وتشهد أنقرة، اليوم، أول اجتماع لمجموعة العمل التركية - الأميركية حول سوريا. وقالت مصادر دبلوماسية تركية إن مسؤولين دبلوماسيين وعسكريين واستخباراتيين سيشاركون في الاجتماع الذي سيعقد اليوم في مقر وزارة الخارجية التركية.

وسيرأس الوفد الأميركي في الاجتماع السفيرة إليزابيث جونز، فيما سيرأس الوفد التركي مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية. وأضافت المصادر أن الهدف من تشكيل هذه المجموعة هو إعداد خطة للتعامل مع الموقف في سوريا في ظل الأزمة الراهنة، وفي حال ازداد الوضع في البلاد سوءا. وفي إطار متصل عاد الجيش السري الأرمني لتحرير أرمينيا المعروف بمنظمة «أسالا» الأرمنية، إلى الظهور، محذرا الحكومة التركية من التدخل في سوريا وتعريض أمن المجتمع الأرمني هناك للخطر. ونقلت صحيفة «ميللييت» التركية عن موقع أرمني بيانا عن المكتب الإعلامي للمنظمة الأرمنية يقول: «إن أي انتهاك تركي أو تدخل عسكري يعرض وحدة وأمن المجتمع الأرمني في سوريا للخطر سيواجه بإجراءات مماثلة ضد تركيا». ودعا البيان المثقفين الأتراك في تركيا إلى إدانة سياسات الكراهية التي تتبعها تركيا.

وكانت جماعة أسالا تبنت عمليات عدة وشهيرة بين عام 1975 وأوائل التسعينات. وقد تأسست هذه المنظمة في بيروت في عام 1975. وتعتبر المنظمة مسؤولة عن اغتيال ما لا يقل عن 36 دبلوماسيا تركيا.