الذعر وخلط الأوراق من وسائل النظام السوري الأقوى لرفع معنويات مؤيديه

يشيع أن الثائر ضد النظام «إسلامي متطرف.. وإرهابي منتم لتنظيم القاعدة»

TT

على الرغم من انكفاء المظاهرات «المليونية العفوية» التي كان النظام السوري يحشدها في ساحات مدينتي دمشق وحلب، وتراجع خروج المؤيدين في مظاهرات سيارة تنظمها شركات خاصة يقال إنها تابعة لرجل أعمال مقرب من النظام عقب كل حدث بهدف رفع المعنويات والتأكيد على الولاء للرئيس بشار الأسد، فإن النظام ما زال قادرا على ممارسة تأثيره على جماهير المؤيدين وإقناعهم بأنه يخوض معركة مصير من أجل «أمن واستقرار سوريا ضد أعداء الخارج وعملاء الداخل»، معتمدا بشكل أساسي على تذكية روح الخوف والرعب من «الإرهابيين التكفيريين السلفيين المتطرفين» ومشروعهم الإسلامي الهادف إلى «إقامة دولة الخلافة»، بما يعنيه ذلك من «هدم للدولة العلمانية، واضطهاد للأقليات من علويين ومسيحيين ودروز وإسماعيليين، والعمل على تهجيرهم؛ أو حتى إبادتهم».

إياد شاب مسيحي من منطقة القصاع، وناشط في الصفحات المؤيدة على موقع «فيس بوك»، يخوض نقاشا حادا مع ناشطة مسيحية معارضة تقيم في حي الصالحية، من خلال إحدى المجموعات السورية المغلقة على موقع «فيس بوك» حول الإسلاميين في البلاد. ويقول لها إن «مجموعة مسلحة دخلت إلى محل بائع خمور وطلبوا منه زجاجة نبيذ فقاموا بكسرها وحزوا أوردته بها وتركوه ينزف حتى يموت، ومنعوا الناس من إسعافه.. وقالوا له إن هذا جزاء من يرتكب المعاصي ويشرب الخمور».

الناشطة المعارضة رفضت كلام إياد وطلبت منه تحديد زمان ومكان الحادثة، وتساءلت «إذا كانت هذه القصة صحيحة، لماذا لم يأت الإعلام الرسمي على ذكرها؟ أو حتى قناة (الدنيا) المؤيدة، والتي لا تترك شاردة أو ورادة إلا وتستخدمها لتشويه الثورة؟».

إياد الذي أكد وقوع القصة دون تقديم أي إثبات، هرب لترويج قصة أخرى «عن قيام مجموعة مسلحة اعتدت في الشارع على سيدة مسيحية وأطفالها، وقامت برشها بالأسيد (الحمض) لأنها كانت ترتدي فستانا بلا أكمام.. وقالوا لها إنهم فعلوا ذلك لتتعلم الاحتشام في الشارع». كما روى قصصا أخرى مروعة عن اختطاف الشابات السافرات في شوارع دمشق، والقيام بتعذيبهن واغتصابهن.

إلا أن الناشطة طلبت منه تحديد أسماء الأمكنة وزمان وقوعها دون جدوى، وتوصلت بعد جدل عقيم إلى الاقتناع بأنه لا مجال لمناقشة «شخص مذعور». وكتبت «عندما يسيطر الرعب والخوف على الإنسان فإنه بالتأكيد سيفقد القدر على التفكير المنطقي»، وذلك بعد أن أوضحت له أنها تعيش في دمشق ولم تر أو تسمع بوقوع مثل هذه الحوادث، وأن ما سمعت به هو «أعمال انتقام طائفي في بعض المناطق في ريف دمشق، والتي جاءت كرد فعل على ارتكاب قوات النظام والأجهزة الأمنية والشبيحة أعمالا وحشية ومجازر مروعة».

ويعزز النظام مخاوف مؤيديه من الإسلاميين عبر ترويج إشاعات ومعلومات حول وجود جماعات تكفيرية ومقاتلين من جنسيات عربية وأجنبية تعمل في سوريا، وتنتمي لتنظيم القاعدة. وتلك الأنباء ترد على نحو مقنن في وسائل الإعلام الرسمية، وعلى نحو منفلت في وسائل الإعلام المرادفة لها من مواقع إخبارية، وفي مئات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل «تويتر» و«فيس بوك» و«يوتيوب».. ومنها خبر بثته صفحة «الأسد لقيادة البلد» أول من أمس حول «إلقاء القبض على سبعة خليجيين مع دليلهم السياحي، وهو إرهابي من ريف حلب».

خبر آخر في صفحة «بشار الأسد للأبد» يقول: «في إحدى مناطق درعا طيارة هليكوبتر ضربت مبنى من 4 طوابق وجميع أسطحه من الإسمنت المسلح، ولكن الغريب أن قذيفة الطائرة اخترقت الطوابق الأربعة حتى القبو، ودخلت على المسلحين من حيث لا يدرون وقتلت 6 ليبيين».. إلا أن هناك شخصا صحح الخبر وقال «إن الإرهابيين ليسوا جميعهم من ليبيا، بل هناك خمسة ليبيين وواحد من تونس».

وعلى نفس الشاكلة، فيض كبير من الأخبار دون تحديد اسم المنطقة أو الحي أو أسماء القتلى الأجانب.. وذلك إضافة إلى كم هائل من الأخبار التي تركز على بشاعة «الإرهابيين وإجرامهم»، منها ما أورده موقع «أوقات الشام» تحت عنوان: «قاطع رؤوس سوريا بقبضة الأمن العام اللبناني». ويفيد الخبر بإلقاء القبض بالصدفة على شاب سوري في لبنان «بجرم دخول البلاد خلسة، إلا أن التحقيقات الأمنية بينت أنه مقاتل ضمن (كتيبة الفاروق) التابعة لتنظيم القاعدة». وكشفت عن أنه متورط في «ذبح جنود في الجيش السوري، أسروا في منطقة القصير».

وفي متن الخبر لا وجود لأدلة على أن الشباب الذي ألقوا القبض عليه متورطا بذبح جنود سوريين، كما ينسب الخبر كافة كتائب الجيش الحر لتنظيم القاعدة من دون سياق منطقي لذلك، بحيث يبدو كل مقاتل معارض في سوريا منتميا لتنظيم القاعدة.. والدليل على ذلك بحسب دعايات النظام «اللحية السلفية» التي يطلقونها.

المؤيدون وغالبيتهم إما مسلمون بسطاء أو من طوائف أخرى ليست لديهم معلومات عن الجماعات الإسلامية، يتلقفون تلك الدعايات بشبه تسليم بصحتها.. ليس لأنهم مقتنعون بصحتها، بل لأنهم يريدون أي شيء يدعم مخاوفهم من الإسلاميين، بوصفهم كتلة غامضة مرعبة. وكما لا يميزون بين الجماعات الإسلامية وتنظيم القاعدة والإرهاب، كذلك لا يفصلون بين المعارضين الثوار والإرهابيين.

ويقول عماد، ناشط سوري (28 عاما): «نجح نظام حافظ الأسد بترسيخ قناعة لدى السوريين بأن كل المسلمين المتدينين من السنة ينتمون - أو يؤيدون - جماعة الإخوان المسلمين كعصابة مجرمة، تقتل بهدف الاستيلاء على السلطة لإقامة حكم إسلامي. وحتى الآن هناك الكثير من السوريين - وغالبيتهم من السنة - يخشون صعود (الإخوان)، والآن يعمل النظام على ترسيخ قناعة بأن كل الثوار مسلمون متطرفون إرهابيون يعملون لحساب دول أخرى». ويتابع أنه إذا ظهر «معارض علماني أو ثائر من غير المسلمين، اعتبر بنظرهم خائنا للوطن.. هكذا تم ترويج أخبار الناشط المسيحي المخرج السينمائي باسل شحادة الذي قتل في مايو (أيار) الماضي في باب السباع بحمص».

ويشير عماد إلى أن صفحات المؤيدين تحدثت عن شحادة باعتباره «خائنا»، وصفحات أخرى كانت أكثر «خبثا» تحدثت عنه «كعميل للأمن اخترق به جماعات الثوار في حمص»، لافتا إلى أنه «عبر هاتين الدعايتين المتناقضتين، تم تجريد المسيحيين من إمكانية الانضمام للثورة»، باعتبارها حسب زعم المؤيدين «فورة إرهابية هدفها الاستيلاء على السلطة وتدمير البلاد واستهداف نظام الممانعة»، وذلك ضمن «مؤامرة كونية».

أما ميس، المسلمة السنية من دمشق، وهي سيدة أعمال لديها قناعة لا تتزعزع بقوة النظام، فتقر بأخطاء النظام في التعامل مع «الأزمة»، والتي لا تراها ثورة على الإطلاق. إلا أنها تعتبر ما جرى «مؤامرة عالمية على سوريا تهدف إلى تفتيت المنطقة».

وميس مثلها مثل الغالبية الساحقة من المؤيدين، لا تفصل بين «النظام الحاكم والوطن»، مقتنعة بأن «الأسد هو سوريا». وتقول: «ما حققه (آل) الأسد لسوريا عبر أربعين عاما جعل كل العالم يحسدنا، كنا مثال الأمان والاطمئنان، والمرأة تخرج من منزلها ليلا وتعود ولا أحد يعترض سبيلها. والمرأة وصلت في ظل حكم الأسد إلى مواقع قيادية، هذا عدا فرض التعليم المجاني. ولكن العالم كله تآمر على سوريا وعرقل مسيرة الإصلاح التي أطلقها الرئيس بشار الأسد»، مشيرة إلى أن «انفتاحا حقيقيا جرى في السنوات الأخيرة، لكن العالم وإسرائيل لا تريد أن تكون سوريا قوية».

وتتحسر ميس على ما آلت إليه الأمور، قائلة «حصل بالبداية أخطاء وما كان يجب أن نصل إلى هنا»، والحل الآن بنظرها هو «الحوار». لكن سامر، المحامي العلوي (40 عاما)، ليس مع الحوار.. بل هو يؤيد الحل العسكري ويقول إنه إذا «لم يتم القضاء على الإرهابيين ومن يدعمهم بضربة واحدة قاضية من الصعب حسم المعركة مع أعداء سوريا».

وهو لا يرى أن العمليات العسكرية التي يقوم بها النظام مستخدما الطيران كافية، لأنها «تراعي أن تكون نظيفة ونوعية». ورغم إعجابه ببراعة «حماة الديار (قوات الجيش النظامي)» في تنفيذ عمليات واسعة بأقل عدد ممكن من الضحايا، لكنه يرى ذلك غير كاف.. «يجب الدعس على أوسع نطاق، والجيش قادر على ذلك»، معبرا عن قناعة تكاد تكون عامة لدى المؤيدين بأنه «لا بأس من التضحية بمليون سوري كي يحيا 22 مليون سوري آخرين بأمان».

تعبير «الدعس والفعس» مستخدم على نطاق واسع بين المؤيدين، ويعبر عن الخوف العميق المترسخ لديهم من صعود الثوار إلى السلطة وزوال حكم الأسد الذي يعتبرونه الضامن لبقائهم ولحماية مصالحهم. وهذا الخوف يصدرونه عبر صور لمجازر مروعة، حيث نشرت إحدى الصفحات المؤيدة صورة لشاحنتين وقد امتلأتا بالجثث المحروقة، قائلة إنها صور ملتقطة في حي صلاح الدين في حلب بعد «تنظيفه من جثث الإرهابيين»، واعتبرتها رسالة إلى «أهالي المرتزقة العرب الذين أرسلوا أبناءهم للقتال في سوريا».

وتجد مثل هذه الصور، التي لا تعرض على وسائل الإعلام الرسمي، إعجابا من المؤيدين وترفع روحهم المعنوية، وذلك بعد أن كفت وسائل الإعلام الرسمية عن ذكر أعداد ضحايا الجيش والأمن والشبيحة، ولم تعد تبث صور جنازات ضحاياها من قيادات المجموعات النظامية المقاتلة. والذين تتراوح أعدادهم يوميا ما بين 40 و60 قتيلا، بحسب تقديرات مصادر طبية. الأمر الذي أثر كثيرا في معنويات المؤيدين، وراحت أصوات كثيرة تعلو مطالبة النظام بالكشف عن مصير المفقودين من جنود الجيش، وتقديم تفسير منطقي للأعداد الكبيرة من القتلى.

ومع كل منطقة جديدة تستهدف وتتعرض للضرب تسقط مزاعم النظام بحماية الأقليات ومصالح المؤيدين، فالأسبوع الماضي رمت طائرة قذيفة على قرية الدمينة الشرقية، وهي قرية مسيحية محايدة تماما، وقتل عشر أشخاص من عائلتين كانوا يجلسون أمام بيوتهم في الشارع. لكن النظام، الذي روج إشاعات عن أن العصابات المسلحة قامت بإطلاق هاون على القرية لأنها مسيحية، أوفد من يعتذر من الأهالي بعد أن أجبرهم على دفن القتلى على عجل.

كما حاصر النظام قرية ربلة، المسيحية أيضا، بالقرب من الحدود السورية اللبنانية، رغم عدم وجود مسلحين فيها.. ومنع وصول الغذاء والخبز إليها بزعم أنها ممر للإرهابيين. لكن النظام السوري البارع بخلط الأوراق روج أن الإرهابيين هم الذين يحاصرون القرية ويرهبون أهلها ويمنعون الغذاء من الوصول إليها.

ويظهر بهذا أساليب النظام في تعزيز الخوف عبر بث عدة دعايات متناقضة، وكل منها تذهب باتجاه وتؤدي غرضها بحيث تبقى الأوراق مختلطة، ولا يعرف الحقيقة إلا من يعيش الحدث على الأرض. وهو ما يفسر التمدد الأفقي للثورة، والذي يحاول النظام احتواءه بالتضليل وخلط الحقائق بالأكاذيب وتكريس الرعب.

ويكفي أن يظهر فيديو ثوارا غاضبين في حلب وهم يرمون جثث الشبيحة من على سطح مقر أمني، حتى تتلقفه وسائل الإعلام وتعيده يوميا مئات المرات لتثبيت دعايتها لتبث الذعر. ومثل هذا الفيديو عشرات عن ذبح أو قتل انتقامي؛ بينها المفبرك والحقيقي، والتي تنتزع من سياقها لتوضع في سياق الدعاية المضادة الهادفة للتخويف.. إذ لم يبق للنظام وسائل أخرى أكثر قوة وتأثيرا للحفاظ على قاعدة مؤيديه، بعد أن أطلق سلاح الجو لدك المناطق والمدن الثائرة وتدميرها. ويساعد النظام على ذلك الفوضى الضاربة في أنحاء البلاد، والتي يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن تعميمها.