وزارة الثقافة تحذر من «احتقان مذهبي» في تونس

اعتداءات متشددين دينيين على المثقفين تثير مخاوف منظمات حقوق الإنسان

TT

حذرت وزارة الثقافة التونسية في بيان أول من أمس من أن «تواتر الاعتداءات (السلفية) على التظاهرات الثقافية» في البلاد «ينذر باحتقان مذهبي غريب» عن المجتمع التونسي «المعروف بوسطيته».

وقالت الوزارة: «على أثر إقدام بعض العناصر من التيار السلفي على الاعتداء (الخميس الماضي) على مهرجان الأقصى بمدينة بنزرت (شمال) وكذلك تواتر الاعتداءات على التظاهرات الثقافية في مناطق مختلفة من بلادنا، تدين وزارة الثقافة هذا المنزلق الخطير والغريب وتعتبر أن ما حدث ليس اعتداء على حرية التعبير والإبداع فحسب وإنما ينذر باحتقان مذهبي غريب عن مجتمعنا التونسي المعروف بوسطيته وتسامحه واعتداله».

وأهابت الوزارة «بجميع الأطراف التصدي لمثل هذه الظواهر المتطرفة» ودعت إلى «محاسبة الأطراف المتورطة وعدم التسامح معها».

وفي سياق متصل، قال الكاتب التونسي كمال بن يونس، مؤلف كتاب «الإسلاميون والعلمانيون في تونس: من السجون والاضطهاد إلى تحدي حكم البلاد»، إن «التيار السلفي أصبح حقيقة لا يمكن التغافل عنها وإن هناك اختلافات بين السلفية أنفسهم، إذ إن هناك من يؤمن بالعنف وما على حركة النهضة إلا التوجه مباشرة إلى قياداتها التي أصبحت معروفة على حد تعبيره، وهناك من هو مسالم ويدعو إلى التعايش السلمي وهؤلاء لا يمثلون خطرا على أحد».

وأشار في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الخشية من خلق ساحة إضافية للمواجهة هي التي تدفع حركة النهضة إلى تحاشي التيار السلفي وإلى تأجيل تلك المواجهة وملاحقة الأفراد المتورطين في العنف دون غيرهم حتى لا تتحول البلاد إلى ساحة مواجهة بين أحزاب ذات مرجعية إسلامية واحدة»، مشيرا إلى أن «قيادات حركة النهضة وخاصة منها المشاركة في قيادة البلاد تعمل على محاججتهم عبر الحوار وطرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها، وهذا في حد ذاته قد يكون أسلوبا يجلب نتائج أفضل من الحلول الأمنية لواحد من التحديات المهمة التي تواجه التحول الديمقراطي في البلاد».

ويعتبر بن يونس أن مواجهة السلفيين في مثل الظروف الأمنية الهشة التي تعرفها البلاد قد تكون بمثابة «الانتحار السياسي» إذا علمنا أن الائتلاف الثلاثي الحاكم (وخاصة حزب المؤتمر وحزب التكتل شريكي حركة النهضة في الحكم) يعاني بدوره من مجموعة من التناقضات والتجاذبات الداخلية التي لا تمنع من وقوعه فريسة التيارات العلمانية المتربصة به في انتظار وقوعه في المزيد من المزالق السياسية، وخاصة ما تعلق منها بمسائل تهم الحريات الفردية والجماعية.

ويرى محمد القوماني، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، أن إمكانية حصر التيار السلفي في تنظيم سياسي واحد قد يكون أمرا صعبا للغاية، وعزا تدخلهم في الشارع التونسي إلى ضعف السلطات المحلية والغياب النسبي لسلطة القانون والعودة التدريجية لبعض فلول النظام السابق ومجاهرتهم بحقهم في العمل السياسي العلني وإمكانية الاعتماد على بعض عناصر التيار السلفي في تنفيذ بعض «الأجندات السياسية»، على حد تعبيره.

وحول حقيقة علاقة حركة النهضة الحاكمة بالتيار السلفي، قال القوماني في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» إن حركة النهضة ومن خلال ما تم الإعلان عنه من قياداتها السياسية «متضايقة من تنامي التيار السلفي» ولكنها تخشى تحول تلك القوة السياسية المحدودة التأثير إلى قوة تسيطر على الشارع وتحكم بأحكام غريبة عن المجتمع التونسي. واعتبر القوماني العلاقة بين الطرفين (النهضة والسلفيون) شائكة ولا يمكن تفسيرها بسهولة. وتسعى حركة النهضة إلى ربح بعض الوقت في انتظار الانتقال إلى الحكم السياسي الفعلي (بعيدا عن عبارة المؤقت) لتحدد العلاقة الحقيقية مع الأطراف المتشددة التي لا تسعى إلى التنظيم السياسي. وقال القوماني إن حركة النهضة سعت خلال الفترة الماضية إلى تمكين بعض الأحزاب القريبة من التيار السلفي من الترخيص القانوني للعمل السياسي وتشمل القائمة حزب جبهة الإصلاح بزعامة محمد خوجة، وحزب التحرير الذي ينادي بالخلافة وكذلك حزب الرحمة وهي سياسة قد تؤدي إلى إعادة تشكيل خارطة السلفيين في تونس.

وتوالت في الفترة الأخيرة اعتداءات لجماعات سلفية متشددة على التظاهرات الثقافية في تونس؛ ففي 16 من الشهر الحالي، هاجم 200 سلفي مسلحون بالسيوف والهراوات والحجارة مهرجان «نصرة الأقصى» بمدينة بنرزت (شمال) احتجاجا على حضور المعتقل اللبناني السابق في إسرائيل سمير القنطار الذي اتهموه بتأييد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مما أسفر عن إصابة أربعة أشخاص بينهم ضابط أمن.

ومنع سلفيون في 15 أغسطس (آب) فرقة موسيقية إيرانية من تقديم عرض في اختتام المهرجان الدولي للموسيقى الصوفية والروحية بولاية القيروان (وسط غرب) بدعوى أن الفرقة «شيعية»، وفي 14 منه منع سلفيون في منزل بورقيبة بولاية بنزرت (شمال) عرضا مسرحيا للممثل الكوميدي التونسي لطفي العبدلي بذريعة «استهزائه بالدين».

وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (مستقلة) حذرت من أن المجموعات السلفية «العنيفة والخارجة عن القانون والفالتة من العقاب تصول لتنشر الرعب وتعنف ماديا ومعنويا النساء والمثقفين والصحافيين والمبدعين والنقابيين والسياسيين ومناضلي حقوق الإنسان ولتعتدي على الحرية الأكاديمية وعلى المؤسسات التربوية ودور العبادة ومقرات النقابات والأحزاب السياسية مع ما رافق ذلك من توظيف للدين وتكفير للمواطنين وتخوينهم».