نائب رئيس الوزراء السوري يتراجع عن تصريحاته في موسكو حول استقالة الأسد

قدري جميل الواجهة السياسية الجديدة للنظام بعد المعلم والمقدسي

قدري جميل
TT

كعادة المسؤولين السوريين في السنة الأخيرة يدلون بتصريح ما ليتراجعوا عنه في اليوم التالي، تراجع قدري جميل نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التجارة الداخلية عما سبق أن قاله في موسكو الثلاثاء الماضي حول استعداد النظام السوري لمناقشة تنحي الرئيس بشار الأسد في الحوار، وفور عودته إلى دمشق قال في مقابلة مطولة أجراها التلفزيون الرسمي «تفاجأت بشكل كبير بتشويه ما قلته في موسكو والذي لم يكن موقفا جديدا بل تحدثت عنه أكثر من مرة وهو أن التنحي كشرط لبدء الحوار هو شرط تعجيزي، ولكن بعد بدء الحوار لا يمكن لأحد أن يمنع أحدا من اقتراح ما يريد» وجاء ذلك بعد ما أحدثته تصريحات جميل في موسكو من ردود فعل سلبية حيث أعلن «المجلس الوطني السوري» أنه لا يرى جديدا في قدري جميل، حول الاستعداد لمناقشة موضوع استقالة الأسد، معتبرا أن كلامه «غير جدير بالاهتمام ولا يحمل مضمونا جديا». فيما أكد عضو المجلس الوطني السوري، برهان غليون، أنه لا مجال للحوار مع الرئيس السوري، بشار الأسد، والشعب يعتبره مجرما، معتبرا أنه «إذا كانت الحكومة تريد إنقاذ البلاد فيجب معاملته كمجرم» وأن «الحوار مجرد وسيلة لكسب الوقت».

كلام قدري جميل الذي يدفعه النظام إلى الواجهة أكد أن فكرة تنحي الرئيس الأسد ما تزال غير مقبولة للنظام المستمر في تصعيد عملياته العسكرية الشرسة ضد الثوار، في الوقت الذي يركز فيه في دعايته الإعلامية على قبوله مبدأ «الحوار الوطني دون شروط مسبقة» في الوقت الذي يضع فيه شروطا تتضمن «الحفاظ والدفاع عن السيادة الوطنية وحق الشعب السوري بتقرير مصيره لوحده» بل أضاف إليها جميل تأكيد قدرة سوريا على «تجاوز العقوبات التي فرضت عليها لأن مقومات اقتصادها متنوعة جدا». في رسالة مفادها أن النظام السوري ما زال قويا وبإمكانه فرض شروط للحوار. على الرغم من أنه يعتبر «أولوية» وأنه «ومن دون الحوار لا يمكن إيقاف النزيف والخروج من الأوضاع الإنسانية الصعبة والذهاب إلى المصالحة الوطنية» مشيرا إلى أن «الواجب الإنساني والوطني يفرض على الجميع البحث عن حل سريع للازمة وامتلاك الجرأة للذهاب إلى طاولة الحوار».

ومع تراجع ظهور وزير الخارجية وليد المعلم وأيضا الناطق باسم الخارجية جهاد مقدسي بعد سلسلة تصريحات أثارت الكثير من الاستياء والاستغراب كتلك التي تناولت مجزرة الحولة ومن ثم التلويح باستخدام النظام للسلاح الكيماوي في معركة القضاء على المناهضين له، تقدم المشهد الرسمي قدري جميل نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التجارة، وبات رسول النظام إلى موسكو حيث زارها عدة مرات آخرها مرتان خلال أقل من شهر بعد دخوله للحكومة وشغله موقع وزير تجارة ونائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ويساعده في ذلك انتماؤه للحزب الشيوعي سابقا، ودراسته في موسكو فضلا عن صلاته التجارية مع روسيا. حيث سبق وزار موسكو بعد اندلاع الثورة في سوريا بصفته معارضة داخلية يصنفها النظام بـ«الوطنية الشريفة».

وقدري جميل من مواليد دمشق عام 1952. يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة موسكو عام 1984، عمل أستاذا محاضرا في معهد تخطيط التنمية الاقتصادية الاجتماعية في دمشق، وعضو في الحزب الشيوعي السوري (خالد بكداش) منذ عام 1966 وعمل في مواقع مختلفة فيه، بما فيها رئيس تحرير صحيفة الحزب الشيوعي السوري المركزية «نضال الشعب» منذ مايو (أيار) عام 1991 وحتى سبتمبر (أيلول) عام 2000. حيث انشق عن حزب بكداش الذي كانت ترأسه وصال فرحة بكداش بعد وفاة زوجها خالد بكداش مؤسس الحزب الشيوعي السوري. مع الإشارة إلى أن قدري جميل كان صهر بكداش قبل الانفصال عن زوجته التي تنتمي أيضا للحزب.

وأسس عام 2003 ما سمي بمنطقية دمشق، ليصبح بعد ذلك الأمين العام لحزب الإرادة الشعبية ورئيس تحرير جريدة الحزب والتي سميت «قاسيون». كما شغل جميل منصب عضو اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين منذ تأسيسها في 2002 وله مؤلفات منها «الحضارة البشرية على مفترق طرق».

وفي 2011 أسس حزب الجبهة الشعبية ونال ترخيص من النظام باعتباره حزبا معارضا وترشح لانتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي 2012 - 2013، وهو المجلس الأول المشكل بعد التعديل الدستوري الذي أجراه بشار الأسد ضمن «حزمة الإصلاحات» التي أطلقها بعد اندلاع الثورة ضد نظامه. ودخل قدري جميل مجلس الشعب ممثلا لحزب الجبهة الشعبية للتحرير وأدى القسم لمباشرة مهامه بعد أن طالب حزبه بحل المجلس وإعادة الانتخابات إلا أن رئاسة الحزب أوعزت لنوابه بأداء القسم لأن المجلس شرعي ما لم يصدر غير ذلك عن المحكمة الدستورية العليا.

وتسلم جميل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك ضمن حكومة رياض حجاب - الذي انشق بعد شهرين من رئاسته الحكومة - التي أعلن عن تشكيلها بتاريخ 23 يونيو (حزيران) الماضي.

وعبر قدري جميل في لقائه مع التلفزيون الرسمي عن مفاجأته «بشكل كبير» من ردود الفعل التي أثارتها تصريحاته في موسكو الأسبوع الماضي والتي بدأت بحسب قوله «من البيت الأبيض ووصلت إلى قناتي الجزيرة والعربية» واتهمهم «بتشويه» ما قاله في موسكو والذي «لم يكن موقفا جديدا بل تحدثت عنه أكثر من مرة وهو أن التنحي كشرط لبدء الحوار هو شرط تعجيزي ويمنع بدء الحوار والقصد منه عدم بدء الحوار ولكن بعد أن يبدأ الحوار لا يمكن لأحد أن يمنع أحدا من اقتراح ما يريد إذا اتفقنا على مبادئ الحوار العليا وهي رفض التدخل الخارجي والعنف بكل أشكاله».

وتابع جميل كلامه بصفته أن «الجبهة الشعبية أصدرت بلاغا أيدت فيه مبادرة هيئة التنسيق التي كانت فحواها كما فهمناها عدم وضع شروط مسبقة للحوار» مشيرا إلى أن «هذا تطور هام إضافة إلى أن الهيئة ضد التدخل الخارجي منذ بداية الأزمة وهي أكدت على ذلك وهي ضد العنف بكل أشكاله وطالبت بهدنة لمدة ثلاثة أشهر وعلى أساس ذلك طلبنا الإسراع بالتواصل المباشر من أجل صياغة مواقف مشتركة ومبادرات بهذا الاتجاه لأن هذا الأمر يسهل عقد طاولة الحوار الوطني الواسعة».

وكانت «هيئة التنسيق الوطنية» المعارضة، أطلقت الأسبوع الماضي، مبادرة وطنية لوقف العنف وتحقيق تغيير ديمقراطي جذري في البلاد، حيث تضمنت الدعوة إلى التوافق على هدنة مؤقتة بين جميع الأطراف التي تمارس العمل المسلّح، تبدأ قبل عيد الفطر، وتتمثّل بعدم إجراء أي عمل عسكري، لكنها قوبلت بالانتقاد والرفض من قبل «المجلس الوطني السوري» المعارض.