هولاند يعد بمبادرات سياسية ودبلوماسية وإنسانية جديدة لدعم الانتفاضة السورية

رئيس بعثة المراقبين الدوليين يغادر دمشق

رئيس بعثة المراقبين الدوليين الجنرال بابكر غاي لدى مغادرته فندق داما روز في دمشق أمس (إ.ب.أ)
TT

بينما غادر رئيس بعثة المراقبين الدوليين في سوريا الجنرال بابكر غاي أمس دمشق مع انتهاء مهمة البعثة التي يترأسها بقرار من مجلس الأمن الدولي، وعد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأن تتخذ فرنسا مبادرات جديدة لمساعدة الانتفاضة في سوريا دون أن يقدم أي إيضاح آخر.

وكان غاي تولى رئاسة البعثة التي شكلت بقرار من مجلس الأمن الدولي في أبريل (نيسان) الماضي، خلفا للجنرال روبرت مود أول رئيس لها.

وتولى غاي هذا المنصب عند تمديد مهمة البعثة في يوليو (تموز) لشهر واحد وحتى 20 أغسطس (آب).

وشكلت البعثة بقرار من مجلس الأمن الدولي ينص على إرسال نحو 300 مراقب عسكري غير مسلح إلى سوريا لمراقبة وقف لإطلاق النار الذي تم التفاوض عليه بوساطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية السابق كوفي أنان مع الرئيس السوري بشار الأسد.

وغداة مغادرة رئيس المراقبين سوريا، قال هولاند في احتفال بمناسبة الذكرى الـ68 لتحرير باريس إن «فرنسا اتخذت وستتخذ المبادرات اللازمة لصالح الثورة السورية على الصعيد السياسي والدبلوماسي والإنساني لمساعدة الانتفاضة».

وكرر الرئيس الفرنسي أن نظام بشار الأسد «سيزول لأنه عندما تبدأ الحرية السير لا شيء أو أحد يستطيع إيقافها، وهذا هو الدرس الذي يمكن أن نقدمه إلى العالم».

وأوضح أن «معركة الحرية في فرنسا عام 1944 كانت مرجعا للكثير من شعوب العالم»، مضيفا: «اليوم أيضا باريس هي التي يتجه إليها المعارضون والمقموعون والمتمردون عندما ينتفضون للإطاحة بطاغية».

ومن المقرر أن يعرض هولاند المتهم بالانتظار طويلا في الأزمة السورية، غدا رؤيته للدبلوماسية الفرنسية وأولوياتها. ويلتقي نحو مائتي دبلوماسي فرنسي في باريس للاجتماع السنوي الكبير «لمؤتمر السفراء» الذي سيفتتح بكلمة لهولاند ويختتم الأربعاء بخطاب لوزير خارجيته لوران فابيوس.

والملفات التي يفترض أن يعلن هولاند الذي تسلم الرئاسة قبل ثلاثة أشهر، موقفه منها كثيرة، من الحرب في سوريا إلى الملف النووي الإيراني ومنطقة الساحل وغيرها.

وحول سوريا، انتقدت المعارضة اليمينية جمود رئيس الدولة وقارنت بينه وبين نشاط سلفه نيكولا ساركوزي الذي أدى إلى التدخل في ليبيا في 2011.

وانتقد الأستاذ الجامعي الخبير في العلاقات الدولية برتران بادي التدخل في ليبيا، معتبرا أنه «عملية انفعالية وغير متقنة ورعناء»، لكن الخبراء ينتقدون ميل الدبلوماسية الفرنسية الجديدة إلى «الانتظار».

وقال ديدييه بيون من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية إن «سوريا قضية معقدة جدا بالتأكيد، لكن كنا نأمل أن تستفيد فرنسا من رئاستها لمجلس الأمن الدولي في أغسطس للقيام بمبادرات».

وأضاف: «بدلا من ذلك رأينا تعليقات وتصريحات مبدئية وركزنا على الجانب الإنساني».

إلا أن موقف باريس يناسب واشنطن، كما قال جاستن فايس من مركز بروكينغز إينستيتيوت الفكري.

وأوضح هذا الباحث أن «المغامرة بحرب الآن ستكون أمرا سيئا لـ(باراك) أوباما، وفرنسوا هولاند لا يريد أن يفعل أي شيء يمكن أن يزعج الرئيس الأميركي في سعيه لإعادة انتخابه».

وأضاف «هناك توافق كبير» بين باريس وواشنطن بشأن سوريا، وخصوصا بشأن إيران أيضا، مشيرا إلى أن «فرنسا تبقى حازمة جدا لكن دون أن تتجاوز الموقف الأميركي».

وجاءت هذه التطورات غداة لقاء بين المبعوث الجديد للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي، والسفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرار آرو في نيويورك مساء أول من أمس، جرى خلاله التطرق إلى «التحديات التي تطرحها مهمته والوضع في سوريا»، وفق ما أعلنته البعثة الفرنسية لدى الأمم المتحدة.

وكان الإبراهيمي أكد أن حجم مهمة إنهاء النزاع السوري «مخيف»، خلال لقائه في نيويورك مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وسفراء الأمم المتحدة ومسؤولين آخرين كبار، قبل أن يحل محل كوفي أنان في الأول من سبتمبر (أيلول).

وقال الإبراهيمي لبان كي مون قبل اجتماعهما في مقر الأمم المتحدة: «عندما اتصلت بي قلت لك إنني شعرت بالفخر والإطراء والتواضع والتخوف. وأنا ما زلت على هذه الحال». وأضاف الإبراهيمي: «سأبذل بالتأكيد أقصى جهدي. لدي علاقات كثيرة في سوريا والمنطقة».

وقال بان كي مون إن أمام الموفد الجديد «مهمة حاسمة» مع تدهور النزاع السوري. ودعا بان كي مون مجلس الأمن المنقسم إلى الاتحاد لتقديم الدعم لمهمة الإبراهيمي.

وسبق أن واجه الدبلوماسي الجزائري انتقادات من قبل بعض أطراف المعارضة السورية؛ لأنه لم يطلب من الرئيس السوري بشار الأسد التنحي.

لكن الإبراهيمي أكد أنه سيضع الشعب السوري «قبل أي اعتبار. سنضع مصالحه فوق مصالح الجميع. سنحاول المساعدة بقدر ما نستطيع. لن ندخر جهدا»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.

وكان أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، استقال من مهمته كمبعوث دولي إلى سوريا بسبب نقص الدعم الدولي لجهوده، كما قال.

ومع اشتداد الحرب في سوريا، قال الإبراهيمي إنه سيجرب أساليب جديدة، وسيمضي أسبوعا في نيويورك لإجراء محادثات مع مسؤولين سياسيين وإنسانيين في الأمم المتحدة ودبلوماسيين لتحضير مهمته، كما قال مسؤولون.

ويشدد مسؤولون في الأمم المتحدة على أن خطة أنان الواقعة في ست نقاط وخطة العمل التي اتفقت عليها القوى الكبرى خلال اجتماعها في جينيف في 30 يونيو (حزيران) - لا تزالان تشكلان أساسا لأي اتفاق مع الأسد.

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، مارتن نيسيركي، إن «خطة السلام تبقى قائمة»، مضيفا أن خطة أنان واتفاق جينيف اللذين يدعوان إلى انتقال سياسي في سوريا - يشكلان «أساسا لكي يستخدمه الإبراهيمي».

وأضاف للصحافيين: «بالطبع، سيبحث مع مسؤولين آخرين في الأمم المتحدة كيفية متابعة ذلك. لكن في هذه المرحلة لا يمكننا التعليق على ما سيكون الوضع عليه».

وقال بان كي مون إنه «قلق جدا» إزاء دوامة العنف، مشيرا إلى أن الإبراهيمي «مهمته الرئيسية ستكون إحلال السلام والاستقرار وحماية حقوق الإنسان في سوريا».

ووصف الإبراهيمي بأنه رجل دولة يحظى باحترام عالمي «ويملك خبرة فريدة بالمنطقة».

وقال بان كي مون: «كلما طال أمد النزاع، زاد عدد القتلى وزادت معاناة الناس».

وفي غضون ذلك، دعت صحيفة «الثورة» الموالية للنظام السوري الإبراهيمي إلى عدم سلوك طريق سلفه كوفي أنان حتى لا تفشل مهمته، مؤكدة أن حل الأزمة السورية يمر عبر البوابة السورية.

وذكرت صحيفة «الثورة» أنه في حال سلوك الإبراهيمي طريق سلفه أنان «يكون اختار أن يخوض معركته السياسية والدبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي بنفس الأدوات والمعدات والأسلحة البالية والعقيمة التي خلفها له المبعوث السابق».

واعتبرت الصحيفة أن هذه الأدوات «باتت لا تصلح لخوض غمار هكذا معركة، مما يعني توقع النتائج والنهايات التي آلت إليها مهمة سلفه الذي آثر رفع الراية والاستسلام للضغوط الغربية والأميركية»، واصفة ذلك بـ«الاستهلال الخاطئ».