مجلس الأمن يعقد جلسة وزارية حول سوريا بـ«سقف منخفض» للتوقعات

فابيوس: إقامة المناطق الآمنة داخل سوريا أمر «بالغ التعقيد».. وغياب وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والصين

TT

يلتئم مجلس الأمن الدولي اليوم على المستوى الوزاري بدعوة ورئاسة فرنسيتين للنظر في الوضع الإنساني للاجئين داخل وخارج سوريا وللبحث في إمكانية إقامة مناطق آمنة داخل الأراضي السورية على الحدود مع تركيا والأردن. وسيغيب عن الاجتماع وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين. وسترسل واشنطن أحد وزرائها إضافة إلى المندوبة الدائمة سوزان رايس بينما ستمثل روسيا والصين بمندوبيها الدائمين. وبالمقابل، سيحضر وزير الخارجية البريطاني ونظراؤه المغربي والكولومبي والتوغولي، إلى جانب وزراء خارجية دول الجوار «أو من يمثلهم» الذين دعاهم الوزير لوران فابيوس إلى نيويورك «تركيا، والأردن، والعراق، ولبنان». ومن المقرر أن يعقد الأخضر الإبراهيمي المبعوث العربي والأممي إلي سوريا اجتماعات مغلقة مع وزراء الخارجية.

بيد أن سقف التوقعات من الاجتماع المذكور ليس مرتفعا. وقالت مصادر فرنسية رفيعة المستوى أمس في عرضها للاجتماع والنتائج المنتظرة منه، إن المجلس لن يدعى للتصويت على مشروع قرار، كما أنه لن يصدر بيانا حول الوضع السوري. وكبديل عن ذلك، سيعقد فابيوس ووزير الخارجية البريطاني وليم هيغ مؤتمرا صحافيا لاستخلاص نتائج الاجتماع ولعرض خطة تحرك فرنسية - بريطانية مشتركة.

وبحسب هذه المصادر، فإن ثمة اتجاهين في مجلس الأمن، الأول تمثله واشنطن ولندن ويقول، إنه «لا فائدة من التوجه إلى مجلس الأمن بسبب الرفض الآلي الذي ستعمد إليه موسكو وبكين، اللتان استخدمتا حق النقض «الفيتو ثلاث مرات متتاليات ولذا يتعين ترك الأمور تأخذ مجراها ميدانيا» بانتظار سقوط الرئيس السوري. وبالمقابل، فإن روسيا والصين لا ترغبان بقرار من مجلس الأمن حتى وإن تركز على الوضع الإنساني لأنهما ستريان فيه، مهما تكن صياغته، عناصر سياسية سترفضانها. كما توقعت مصادر بالأمم المتحدة ألا تشهد الجلسة تقدما جديا في المناقشات حول الأوضاع بسبب عدم مشاركة وزراء خارجية 3 دول من بين الخمسة الأعضاء الرئيسيين، وتوضح المصادر أن وزير الخارجية الفرنسي لم يستطع حشد جهود دولية واسعة لمعالجة الأوضاع الإنسانية للاجئين.

غير أن باريس ترى أن طريق مجلس الأمن المسدود سياسيا يجب «ألا يحبط العزائم»، ويتعين بالتالي «وضع الأسرة الدولية أمام مسؤولياتها»، خصوصا في الجوانب الإنسانية ومن غير إهمال الجوانب السياسية أو الميدانية. ولذا، فإن الاجتماع يستهدف «تعبئة مجهودات الأسرة الدولية» لأنه «من غير المقبول أن يغيب مجلس الأمن عن موضوع يمثل تهديدا للاستقرار والأمن في المنطقة».

وفي أي حال، ترى المصادر الفرنسية أن مجلس الأمن سيكون «اليوم أو غدا مدعوا للنظر في الوضع السوري عندما يسقط النظام القائم فيه». وسيغتنم الوزير الفرنسي الفرصة للتركيز على الحاجة للتحضير للمستقبل في سوريا، الأمر الذي يظهر إلحاح باريس في دعوة المعارضة السورية للإسراع في تشكيل حكومة انتقالية وتقديم بديل عن النظام يحظى بالشرعية الدولية.

وفي الكلمة الختامية لمؤتمر السفراء الفرنسيين التي ألقاها عصر أمس، أعلن فابيوس أن بلاده «عازمة على فعل أقصى ما تستطيعه لوضع حد لنظام الأسد المجرم حيث لا حل في سوريا من غير رحيله». وأضاف فابيوس: «علينا في الوقت عينه أن نحضر لمرحلة ما بعد بشار. لذا نحن ندعم المعارضة ونشدد على الحاجة لأن تشكل أوسع تحالف وأن تحترم جميع المكونات والطوائف وسياستنا تهدف لدعم المناطق المحررة ودعم (قيام) حكومة مؤقتة تتمتع بالشرعية وتتمتع بصفة التمثيلية».

أما بخصوص إنشاء المناطق الآمنة، فقد كشف الوزير فابيوس في حديث صباحي لإذاعة «فرانس أنتير» عن تصور بلاده لهذه المناطق إذ اعتبر أن إنشاءها «لا يمكن أن يتحقق من غير إقامة منطقة حظر جوي»، الأمر الذي يستدعي «توفير وسائل دفاع جوي ووسائل جوية»، كما ذهب فابيوس إلى الحديث عن الحاجة إلى قوات أرضية. ووفق المفهوم الفرنسي، فإن منطقة الحظر الجوي تعني حظرا «جزئيا»، بحسب ما أعلنه الأسبوع الماضي وزير الدفاع جان إيف لو دريان الذي أرجع الفكرة إلى الوزيرة كلينتون.

وفي أي حال، يعتبر الوزير فابيوس أن تحقيق هذا الهدف سيكون أمرا «بالغ التعقيد»، خصوصا أن النظام السوري يرفضها في المطلق وفق ما أعلنه الرئيس بشار الأسد في حديثه أمس إلى تلفزيون «الدنيا». وترى فرنسا أن العمل بالمناطق الآمنة يفترض موافقة تركيا و«دول أخرى»، كما أن باريس «لا تستطيع وحدها» تحقيق مثل هذا الهدف، الأمر الذي يفترض انخراط دول أو منظمات مثل الحلف الأطلسي الذي يؤكد مسؤولوه، حتى الآن، أنه ليس له دور يلعبه في الأزمة السورية.

لكن مصادر متطابقة في العاصمة الفرنسية تشير إلى جهود للبحث عن «حلول بديلة» لقرار مجلس الأمن. ومن السيناريوهات المطروحة أن يأتي طلب التدخل العسكري لحماية المدنيين من الحكومة السورية الانتقالية التي تكون قد حصلت على اعتراف دولي بشرعيتها ما يخولها عندئذ أن تتحدث باسم الشعب السوري.

كان وزير الخارجية التركي داوود أوغلو قد طالب مجلس الأمن بالتدخل لإقامة ملاذات آمنة داخل سوريا لحماية الآلاف من الأشخاص الفارين من العنف، وأوضح أن بلاده تعاني صعوبات في توفير المأوي مع زيادة تدفق اللاجئين السوريين عبر حدودها بعد أن تجاوز عددهم أكثر من 80 ألف لاجئ. وقال أوغلو في تصريحات قبل سفره إلي نيويورك للمشاركة في جلسة مجلس الأمن، «نطلب من الأمم المتحدة أن تتخذ خطوات فعالة للمشاكل التي تواجهنا، فعندما تصل أعداد اللاجئين إلى مئات الآلاف فإن هذه المشكلة تتجاوز كونها مشكلة داخلية وتصبح مشكلة دولية، ولا أحد لديه الحق في التوقع أن تتحمل تركيا هذه المسؤولية الدولية وحدها».

من جهة أخرى، أشار دبلوماسي غربي بالأمم المتحدة إلى أن فرنسا تدفع لإقناع الدول الأعضاء في المجلس لإنشاء ممرات ومناطق آمنة في الأراضي السورية لحل المشاكل الإنسانية التي يعانيها اللاجئون، وهو ما يواجه بمعارضة شديدة واعتراضات من بعض الدول لأن إنشاء مناطق آمنة يمكن أن يشكل قاعدة للتدخل العسكري في سوريا.

وقد فشلت المناقشات التحضيرية للدورة الاستثنائية لمجلس الأمن؛ حيث طالب مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين (الذي يشارك في الجلسة) أن تركز الجلسة على الحديث بشكل أساسي عن الوضع الإنساني وسبل تقديم المساعدات للاجئين والمتضررين وتوجيه نداء للأطراف المتصارعة في سوريا لوقف إراقة الدماء.

وكانت مصادر مطلعة روسية قالت، إن «سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية لن يشارك في الاجتماع الوزاري»، وأشارت صحيفة «كوميرسانت» الروسية إلى أن لافروف كان حتى أول من أمس يعد للسفر إلى نيويورك استجابة لمبادرة نظيره الفرنسي لوران فابيوس والمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي لمناقشة الأوضاع الراهنة حول سوريا، وأن فرنسا كانت تأمل خلال ترأسها للمجلس في التوصل إلى تحقيق تقدم جدي في المسألة السورية.

وعزت المصادر رفض لافروف السفر إلى نيويورك إلى امتناع هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية عن قبول المشاركة في الاجتماع المرتقب، في الوقت نفسه الذي لم يقرر فيه بعد ويليام هيغ وزير الخارجية البريطانية موقفه، وإن كان من المتوقع أيضا أن يرفض المشاركة في هذا الاجتماع. فضلا عن أنه بات واضحا من المباحثات الأولية - بحسب ما تراه المصادر - أن الاجتماع لن يسفر عن إصدار أي وثيقة متفق عليها.

ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة قولها إن روسيا قررت المشاركة بممثلها الدائم في مجلس الأمن فيتالي تشوركين، وأن روسيا والصين أكدتا على أن يدور الحديث بشكل رئيسي عن الوضع الإنساني وتفعيل تقديم المساعدات للاجئين والمتضررين، وحول إطلاق نداءات للطرفين لوقف إراقة الدماء وغيرها.. أما فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة فإنها تحاول التوصل إلى إعلان يتحدث عن ضرورة رحيل بشار الأسد.. ولم يتحقق تقارب في المواقف.