وزير العدل المصري: التصالح مع رموز النظام السابق لرد الأموال مقابل العفو وارد للمصلحة العامة

المستشار أحمد مكي في حوار مع «الشرق الأوسط»: لا أنتمي للإخوان لكنني أؤيدهم في استلهام مبادئ الشريعة في صياغة القوانين

وزير العدل المصري المستشار أحمد مكي («الشرق الأوسط»)
TT

أكد وزير العدل المصري المستشار أحمد مكي أنه لا ينتمي للإخوان المسلمين، لكنه يؤيدهم في استلهام مبادئ الشريعة في صياغة القوانين، كما أكد أنه لن يصدر تشريع في مصر يخالف مبادئ الإسلام. وقال المستشار مكي في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» بمكتبه بمقر الوزارة بالقاهر، إن «أي ثورة إن لم تتحول مبادئها لقوانين ستضيع». وأضاف: «نحن عاكفون على صياغة مبادئ ثورة 25 يناير في قوانين رسمية، وسنعيد النظر في كل القوانين سيئة السمعة التي تفرض قيودا على الحريات، ولا يمكن صدور قانون يفرض الحجاب أو النقاب في مصر». ونفى وزير العدل ما يتردد بشأن اختراق الإخوان المسلمين للقضاء في مصر قائلا، «لا يوجد قاض في مصر ينتمي للإخوان.. وأي فصيل سياسي يحاول استقطاب القضاة (أحمق)». وأكد مكي أن قرار التصالح مع رموز النظام السابق لرد الأموال مقابل العفو قرار سياسي، لكنه وارد. ودلل على ذلك بقوله، إن «إسرائيل تتفاوض مع حزب الله لمصالح مشتركة»، وإنه لذلك غير مستبعد التفاوض مع رموز النظام السابق لمصلحة البلاد.

ويعرف مكي في أوساط المصريين بأنه أحد قادة «تيار الاستقلال» الذين خرجوا لأول مرة في تاريخ القضاء للشوارع مرتدين أوشحتهم القضائية في احتجاجات واسعة عام 2005 ضد نظام الرئيس السابق حسني مبارك الذي كان يتدخل في أعمال القضاء. وحديثا أثار مكي عاصفة من الجدل السياسي حول اقتراحه تشريعا بقانون للطوارئ أطلق عليه الإعلام في مصر «قانون طوارئ مكي»، ورد مكي على ذلك مؤكدا أن الرئيس مرسي لم يكلفه بصياغة هذا القانون، وإنما هو اجتهاد منه طرحه للنقاش على الناس.. وتطرق الحوار إلى حزمة من القضايا المؤثرة في المشهد المصري الراهن.. وفيما يلي نص الحوار:

* تردد كثيرا أنك رفضت قبول المنصب، لكن في النهاية تم القبول ما أسباب الرفض وأسباب القبول في النهاية؟

- فعلا ترددت كثيرا في قبول المنصب حينما تم تكليفي به واعتذرت في البداية وذلك لأني أصبحت رجلا مسنا، فضلا عن أنني كقاض غير مهيأ للعمل السياسي لأن العمل في السياسة يفرض على الشخص أن يضع في اعتباره قبول قراراته وتوجهاته مع الجماهير، والقاضي يقول رأيه حتى ولو لم يصادف قبول الجماهير، وهو ما جعلني أستشعر بأن الوضع سيكون غير ملائم بالنسبة لي.

* لكن ما النقطة الفيصل التي جعلتك تقبل المنصب في النهاية؟

- كانت كلمة واحدة هي الفيصل في قبولي المنصب حينما قيل ممن كلفني بالوزارة تعال لتنفذ ما كنت تنادي به، ولن يطلب منك أي شيء سوى تنفيذ ما كنت تطالب به منذ سنوات باستقلال القضاء.

* ما حقيقة ما يتردد كل فترة خاصة بعد قيام ثورة 25 يناير من أنكم وعدد كبير من رموز تيار الاستقلال في القضاء المصري تنتمون لجماعة الإخوان المسلمين.. أو على أقل تقدير أنكم متعاطفون مع توجهات الجماعة؟

- الانتماء لفصيل سياسي أو جماعة سياسية أمر يتنافى مع حياد القاضي وأؤكد لك أنه لا أنا ولا غيري من قضاة الاستقلال ينتمون لجماعة الإخوان على الإطلاق، لكنني أيضا أؤكد أنه لا يوجد أيضا مبرر للخصومة بيننا وبين الجماعة، وإذا كنت تقصد بالتعاطف أنني أتفق معهم في أشياء معينة فلا شيء في ذلك.. حيث إنني تحديدا أؤيد فكرهم وتوجههم في استلهام مبادئ الشريعة الإسلامية في صياغة القوانين الوضعية في مصر لأن الشريعة الإسلامية هي المكون الحضاري للمجتمع المصري. ثم إنه من مبادئ التشريع عامة أن يكون مستلهما مبادئ البلد الذي يطبق فيه.. وعلى سبيل المثال إذا كان التشريع في الهند فلا بد أن يحترم المشرع تقديس الهنود للبقر وإلا أصبح التشريع صادما للناس، ومن غير المعقول أن يتم تشريع قانون بالهند يهين البقر لأنه مقدس عنهم. كذلك الوضع عندنا في مصر لا يمكن أن يصدر تشريع يتنافى مع قيم الأغلبية، فمن غير المعقول أن يصدر قانون لإباحة الشذوذ أو زواج المثليين، والخلاصة أنه لا يمكن أن يصدر تشريع في مصر يخالف الإسلام ترتيبا على ما سبق.

* أيضا ترتيبا على ما سبق هل يمكن فرض قانون للحجاب أو النقاب باعتبار ذلك متفقا مع توجهات كثير من الإسلاميين في المجتمع المصري؟

- بالطبع لا يمكن أن يحدث ذلك على الإطلاق لأن الفضائل لا تفرض على أحد والحجاب والنقاب من الفضائل في الدين ولا يمكن فرضهم على الناس.. لكن من يريد الدعوة للحجاب فليتفضل، لكن ذلك يكون بعيدا عن القانون.

* هل تقوم وزارة العدل بإعادة مراجعة القوانين في مصر تمهيدا لتشريعات قانونية جديدة تلائم الوضع الجديد بعد ثورة 25 يناير؟

- بالتأكيد نحن عاكفون على ذلك فمصر بها ترسانة ضخمة من القوانين سيئة القصد والسمعة مثل قوانين حظر إنشاء النقابات العمالية وحظر إنشاء الجمعيات الأهلية، وغيرها من القوانين التي تفرض قيودا على حركة المجتمع وحريته، وسيتم إعادة النظر في كل هذه القوانين في ضوء ثورة 25 يناير. فأي ثورة لو لم تترجم أهدافها وشعاراتها إلى قوانين ضاعت وتحولت لمجرد شعارات فقط.. فلا بد من صياغة قوانين رسمية تحفظ شعارات الحرية والحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية التي رفعتها ثورة 25 يناير، الحرية تعني السماح بتكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية، وكل هذه القوانين الكثيرة المكبلة للحريات والسيئة القصد قدرة وزارة العدل تنوء بحصرها لذا فقد قمنا بإنشاء هيئة عليا للتشريع تتكون من 19 فردا من كبار شيوخ القضاء وأساتذة القانون يكون مهمتها اقتراح القوانين وتنقيتها ثم عرضها على المجتمع والبرلمان لمناقشتها.

* هل يمكن أن يتم السماح للقضاة وفقا للعهد الجديد الذي يتولى فيه الإخوان المسلمون الحكم في مصر بالانتماء للجماعة أو الانخراط في العمل السياسي؟

- هذا مستحيل.. فالانضمام لأي تنظيم سياسي ضد طبيعة القاضي الحيادية وضد هيبة القضاء.. وهذا أمر غير مسموح به على الإطلاق لقد فشلت جميع التنظيمات السياسية عبر التاريخ في استقطاب القضاة للانضمام إليها، فمثلا عندما تولى رئاسة مجلس الدولة المستشار عبد الرازق السنهوري عام 1950 حاول حزب الوفد الذي كان يتولى الحكم وقتها أن يعزله لأنه لم يكن وفديا فاجتمع القضاة جميعا ورفضوا عزله، كذلك حاول الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر استقطاب القضاة وضمهم للاتحاد الاشتراكي لكنه فشل فقام بعمل مذبحة القضاة لهم وعزل كثيرين منهم. القضاء بطبيعته يرفض أن ينضوي تحت لواء أي تنظيم سياسي والفصيل السياسي الذي يحاول استقطاب القضاة وضمهم إليه إنما هو «أحمق» وسيفشل حتما.

* وعد الرئيس مرسي بإعادة محاكمات رموز النظام السابق سواء الرئيس السابق مبارك أو وزير داخليته حبيب العادلي.. وكذلك الضباط المتورطين في قتل المتظاهرين فما السبيل لتحقيق ذلك خاصة مع وصف ذلك من الناحية القانونية بالأمر المستحيل؟

- لا يوجد إعادة لمحاكمة عن تهمة حوكم بها رموز النظام السابق طالما صدرت أحكام عليهم، ومع ذلك فلا يمنع ذلك من إضافة وقائع جديدة لم تكن ظاهرة أمام المحكمة لتكون تحت بصرها أثناء نظر القضية. ولكن يجوز محاكمة رموز النظام السابق عن تهم لم يتم محاكمتهم بشأنها حتى الآن.. أي أن أمامنا شقين، الأول أن يتم تقديم مستندات أو أدلة جديدة في الوقائع التي تمت محاكمة رموز النظام السابق عنها وهذا جدير بالنظر من المحاكم التي تنظر محاكمتهم حاليا.. والأمر الثاني أن يتم تقديمهم لمحاكمات جديدة عن تهم لم يسبق أن وجهت إليهم بعد.. وعلى أي حال هناك لجان لبحث قضايا قتل المتظاهرين وجمع الأدلة، وكذلك هناك أحكام صدرت عليهم مطعون عليها أمام محكمة النقض.

* أثرت زوبعة كبيرة في الشارع السياسي المصري عندما اقترحت قانونا جديدا للطوارئ.. ما هي القصة الحقيقية لهذا القانون وردك على الجدل الذي ثار حوله لدرجة أنه أصبح يتداول في أوساط الإعلام تحت مسمى «قانون طوارئ مكي»؟

_ رأيي لم يتغير في قانون الطوارئ، فأنا ضده منذ الستينات، لكن ما حدث من تشويه للقانون الذي اقترحته كان بسبب بعض وسائل الإعلام التي لم تدقق في الأمر.. فأنا نشرت الكثير والكثير من المقالات والأبحاث في الجرائد المصرية منتقدا قانون الطوارئ وما فعلته هو أنني ترجمت أبحاثي ومقالاتي لمواد ونصوص قانونية وقمت بعرضها على الناس ليس بوصفي وزيرا لكن بوصفي مواطنا. ويجب هنا أن أؤكد أن الرئيس محمد مرسي لم يكلفني بوضع هذا القانون على الإطلاق فقد كان من أفكاري ولم أفعل شيئا سوى أنني نشرته لطرحه للنقاش.

* هل ترى أن ثمة لبسا أو سوء فهم حول مقاصد مشروع القانون الجديد؟ - هذا احتمال وارد، والحقيقة التي أود أن أؤكدها في هذا السياق هي أنه لا يوجد دولة في العالم إلا ويوجد بها قانون للطوارئ، وهو يكون متعلقا بما يجب أن يتم اتخاذه في الدولة في حال وقوع حادث جلل طارئ، مثلما حدث في تفجيرات سيناء الأخيرة أو في حال وقوع كارثة بيئية أو طبيعية أو أمراض وبائية أو حرب. إن ما يتضمنه القانون ليس قانونا للطوارئ لكنه قانون لحالات الطوارئ وهي أمور مرتبطة بوقوع حادث كبير ينبغي التدخل لاحتوائه بشكل سريع ومباشر وهذا الأمر موجود في كل دول العالم ويكون ذلك مرتبطا بمدة زمنية معينة ومحددة.

* يثار في الإعلام من وقت لآخر أفكار وأطروحات حول التصالح مع رموز النظام السابق سواء من رجال الأعمال أو غيرهم مقابل استعادة الأموال التي بحوزتهم والتي يقال إنهم تحصلوا عليها من دون وجه حق.. ما رأيك باعتبارك وزيرا للعدل في هذا الأمر؟

_ موضوع التصالح مع رموز النظام السابق قرار سياسي قد يكون واردا.. لأنه عندما تتعلق الأمور بمصلحة البلاد فلا بد أن تتصرف الدولة بما يتوافق مع مصلحتها.. ورأيي أن مسألة التصالح في هذا الأمر على الرغم من أنها سياسية من الدرجة الأولى إلا أن اتخاذ قرار كهذا يجب أن يكون قرار الأمة بكل رموزها وأطيافها وهو أمر غير مستبعد. إن إسرائيل وحزب الله يجلسون ويتفاوضون معا على إطلاق أسرى كل طرف على الرغم من العداء المستحكم بينهما، لكن المصلحة تقتضي أن يتم التفاوض. كما أن الإسرائيليين والفلسطينيين يجلسون معا للتفاوض على دخول المواد الغذائية لغزة وهكذا.. لذا فاتخاذ قرار بالتصالح مع رموز النظام السابق ليس مستبعدا إذا رأت الأمة بكل رموزها أن ذلك سيحقق مصلحة لمصر في استعادة أموالها المنهوبة بالخارج.