أنقرة تسعى لنزع فتيل «النزاع الطائفي» من أراضيها بنقل اللاجئين السوريين إلى «العمق»

مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط»: القرار للمحافظة على أمنهم

طفلة سورية مريضة في انتظار فحصها بمستشفى ميداني في أحد ضواحي حلب (أ.ب)
TT

تسعى تركيا بقوة لمنع امتداد الأزمة السورية إلى مناطقها الحدودية، مع وجود عاملي التفجير على أرضها، السكان العلويين الأتراك من أصول سورية، والنازحين السوريين الهاربين إليها جراء القمع المتنامي في بلادهم.

ومع تزايد الاحتكاكات بين الجانبين، والشكاوى الكثيرة التي يقدمها نازحون سوريون عن ممارسات ترتكب بحقهم، وما قابلها من حملة كبيرة يقوم بها حزب الشعب الجمهوري ضد النازحين تحت عنوان عدم «انخراط بلادهم في الحرب الغربية على سوريا»، اتخذت السلطات التركية قرارا بالفصل بين الطرفين عن طريق إجلاء النازحين إلى العمق «العثماني» البعيد عن الحساسيات الطائفية والعرقية.

وقال مصدر رسمي تركي لـ«الشرق الأوسط» إن القيادة التركية اتخذت قرارها بناء للملابسات التي تحصل في تلك المناطق، واضعا هذه الخطوة في إطار «حفظ أمن النازحين».

ويقول ناشطون سوريون لـ«الشرق الأوسط» إن السلطات التركية بدأت بحملة متصاعدة تهدف إلى نقل النازحين السوريين الذين لا يحملون أوراقا ثبوتية إلى داخل المخيمات المنتشرة في المناطق الحدودية، مشددين على أن الخطوة التركية لم تتجاوز حتى الساعة حدود «الطلب»، ولم ترتقِ إلى درجة الأوامر.. من دون أن يستبعدوا تحولها إلى أوامر في وقت لاحق، خصوصا بالنسبة إلى النازحين من دون أوراق ثبوتية. أما الذين دخلوا الأراضي التركية بجوازات السفر عن طريق المعابر الحدودية فقد تم الطلب إليهم بالتفكير جديا بمغادرة مساكنهم إلى العمق التركي.

ونقل تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أتراك أن السوريين الذين يحملون جوازات سفر ودخلوا البلاد بطريقة شرعية أحرار في البقاء في تركيا، ولكنهم عليهم الانتقال شمالا بعيدا عن الحدود والتقدم بطلب تأشيرة في واحدة من أربع مدن على بعد مئات الأميال. وذكر التقرير أن هذه الاستراتيجية المقبولة واستخدمت في أزمات أخرى للاجئين تهدف إلى تفرقة السوريين وإبعادهم عن أي أعداء محتملين.

وكشف مصدر تركي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» أن سلطات بلاده اتخذت قرارا في وقت سابق بنقل حتى المخيمات الموجودة إلى العمق. وأوضح المصدر أن القرار أخذ طريقه إلى التنفيذ مع تدشين مخيم «كيليس» الذي يتسع لنحو 10 آلاف نسمة، لكنه تعرقل مع تدفق اللاجئين الكبير نحو الأراضي التركية بعد بدء معركة حلب، ما أرجأ مجددا عملية الإجلاء التي توقع المصدر أن تأخذ وقتا أطول نتيجة وجود 13 ألف لاجئ سوري ينتظرون عند الحدود؛ بدأ الأتراك السماح لهم بالدخول على دفعات منذ 5 أيام، وسيضافون إلى نحو 80 ألف لاجئ سبقوهم، و40 ألف سوري آخرين دخلوا البلاد بطريقة شرعية ويستأجرون مساكن خارج المخيمات.

وقد حذا بعض النازحين المقتدرين، ومتوسطي الحال، بالإضافة إلى ناشطين وعائلاتهم حذو هؤلاء باستئجار منازل في مناطق مختلفة من أنطاكية وجوارها هربا من شظف العيش في هذه المخيمات وتقييد حركتهم فيها. الأمر الذي يتهرب منه الناشطون السوريون الذين يعملون في مجالات مختلفة لمساعدة النازحين، وعناصر الجيش الحر، مستفيدين من «التسامح» التركي وغض نظر السلطات.

وتحول المنزل الذي استأجره الناشط السوري جميل صائب إلى ما يشبه «المضافة المفتوحة» حيث يحل عليه الناشطون المقبلون من سوريا، وأولئك الذاهبون إليها. وبالإضافة إلى عمله في مساعدة النازحين ومحاولة تأمين الدعم للشبان الذين يقاتلون النظام في سوريا، يقوم جميل صائب بدور إضافي يتمثل بالسعي إلى تذليل الصعوبات التي تواجه النازحين. غير أن مسعاه هو أيضا قد يصطد بجدار الإجراءات الجديدة لعدم امتلاكه أوراقا ثبوتية، والتي قد ينقذه منها بعض «التفهم» التركي نتيجة وصول جواز سفره أمس فقط إليه في تركيا، بحيث يتم دمغه بالخاتم التركي كداخل شرعي إلى البلاد.

جميل الذي نقل والدته من المخيم إلى المنزل الجديد، يقول إن الكثير من الشبان الذين استضافهم «لم يعودوا»، مشيرا إلى أن والدته تتعلق بهم وهو يفقدهم واحدا تلو الآخر.

يقول جميل إن السلطات التركية بدأت تتوجه إلى السوريين المقيمين في أنطاكية وجوارها، مطالبة إياهم بالانتقال إلى مناطق أخرى. مشيرا إلى أن السبب الذي يدلي به هؤلاء لتبرير طلبهم هو «إننا غير قادرين على حمايتكم».

وهذه الحماية هي ما يشكو الكثير من السوريين من ضعفها، جراء الممارسات التي يقوم بها مؤيدو النظام السوري من حملة الجنسية التركية. ويقول جميل إن الكثير من هؤلاء ظهر أمام الإعلام في سوريا حاملين بطاقاتهم التركية لإعلان تأييدهم لـ(الرئيس السوري بشار) الأسد، مشيرا إلى معلومات تحدثت عن تسليح هؤلاء من قبل النظام وإعلانهم تشكيل لواء تحرير الإسكندرون.

ويورد ناشطون سوريون قصة شاب سوري دخل إلى أحد المتاجر التركية المتخصصة ببيع الأغراض العسكرية والكشفية، حيث اشترى جعبة للخرطوش، ليفاجأ بعد خروجه بمجموعة من الشبان الأتراك يحيطون به ويضربونه بقسوة بالغة، ليخرج مصابا بجروح ورضوض كبيرة.

ويقول جميل إن حزب «الشعب الجمهوري» المعارض بدأ تنظيم حملات مناهضة للنازحين السوريين تحت شعار رفض الحرب «ونحن نعلم أن الهدف هو رفضنا نحن لأسباب طائفية فقط». وأشار إلى مظاهرة ينظمها أنصار هذا الحزب في 15 سبتمبر (أيلول) الجاري لهذه الغاية، بالإضافة إلى تنظيمه حملات لجمع تواقيع رافضة لوجود السوريين ضمنا وللحرب علنا.

ولا يخفي سكان المنطقة من أصول علوية، غضبهم من سياسات بلادهم «المنحازة» في الملف السوري. ويقول قاسم – وهو رجل خمسيني يعمل في أحد مطاعم أنطاكية لـ«الشرق الأوسط» إن السياسات الغربية التي ينفذها (رئيس الوزراء التركي رجب طيب) أردوغان سوف تنعكس سلبا على تركيا، جازما بأن تركيا ستكون الهدف الثاني بعد سوريا. ويضيف: «لماذا نقوم بما نقوم به ضد إخواننا في سوريا لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.. هذا الرجل يقود بلادنا نحو الخراب». وفي إسطنبول يشير شابان تركيان، بعربية يغلب عليها طابع سكان الساحل السوري: «نحن لم نكن نتحدث العربية، لكننا اليوم نتحدثها في بيوتنا وشوارعنا..»، ويشكو الشابان اللذان يعملان في أحد فنادق المدينة من وجود «النازحين السوريين» الذين يتجولون بسلاحهم، مرددين روايات (لم تثبت رسميا) عن مقتل شرطي تركي على يد معارض سوري. ويقول أحدهما أن «هؤلاء (النازحين) لم يجلبوا إلينا سوى المصائب والفوضى»، ليضيف الآخر أننا مستعدون «حتى لحمل السلاح لمواجهة ما يجري إذا اضطررنا إلى ذلك».

وتزامنت هذه الإجراءات، مع بدء موسم الدراسة في تركيا، واضطرار نحو 5 آلاف عائلة إلى الانتقال من المدارس في مدن «عينتاب» و«أضنة» و«كلتس»، إلى مخيم «قارقاميش»، بعد أن أتمت بناءه، وذلك حسبما أفادت هيئة الإغاثة والطوارئ التركية، وبسبب إقبال العام الدراسي الجديد. وقالت الهيئة، في بيان لها، إنه تم نقل 1003 من التركمان السوريين من المدرسة التي لجأوا إليها، إلى مدينة «عثمانية»، بسبب قرب افتتاح المدارس، وإن السلطات التركية وظّفت قوات من الدرك والشرطة التركية، إضافة إلى موظفي الحماية الخاصة، للمحافظة على سلامة المخيم واللاجئين.

ونشرت وكالة الأنباء الرسمية التركية «الأناضول»، تقريرا عن نقل اللاجئين قبيل قدوم المدارس، حيث أفادت الهيئات الإغاثية بأنه تم نقل 428 لاجئا سوريا اليوم، من سكن للطلاب في محافظة «ملاطيا» «وسط تركيا»، إلى محافظة قهرمان ماراش على متن 8 حافلات.