القاهرة تحرك دعوى قضائية في الولايات المتحدة ضد منتجي الفيلم المسيء.. وتحضير لمليونية غدا

وفد أميركي من الأمم المتحدة في مكتب الإرشاد.. واستنفار أمني في محيط السفارة مع استمرار المظاهرات.. واحتجاجات في تونس والدار البيضاء

شبان مصريون يحرقون العلم الأميركي احتجاجا على الفيلم المسيء خارج السفارة الأميركية في القاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

تونس: «الشرق الأوسط»

* شددت السلطات المصرية إجراءاتها الأمنية في محيط السفارة الأميركية بالقاهرة أمس، على خلفية موجة من احتجاجات قوى سياسية وشعبية ضد سماح الإدارة الأميركية بعرض فيلم مسيء للرسول صلى الله عليه وسلم. واستقبلت الأوساط السياسية نبأ مقتل السفير الأميركي في بنغازي باستياء بالغ، لكنه لم يؤثر في استمرار المظاهرات المنددة بالفيلم المسيء، ودخلت مؤسسة الرئاسة على خط الأزمة؛ حيث قال المتحدث الرسمي باسمها الدكتور ياسر علي، إن الرئيس محمد مرسي كلف السفارة المصرية في أميركا باتخاذ جميع الإجراءات القانونية الممكنة، للرد على المسؤولين عن إنتاج الفيلم المسيء.

وتظاهر المئات أمس في محيط السفارة الأميركية بحي جاردن سيتي القريب من ميدان التحرير. وفيما دعت جماعة الإخوان المسلمين إلى تنظيم سلسلة احتجاجات واسعة غدا عقب صلاة الجمعة، استقبل قيادي إخواني بارز وفدا أميركيا في مقر الجماعة أمس لبحث تداعيات الأحداث التي يشهدها محيط السفارة الأميركية.

وفي أول تعليق للرئاسة المصرية على تطور أحداث السفارة الأميركية، قال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في مؤتمر صحافي أمس إن «الرئيس مرسي كلف السفارة المصرية في واشنطن باتخاذ جميع الإجراءات القانونية الممكنة، للرد على هؤلاء الأشخاص، الذين يسعون لتخريب العلاقات والحوار بين الشعوب والدول».

وأعربت الرئاسة عن استنكارها بشدة لمحاولة فئة آثمة التطاول على مقام رسول الله، وأكدت إدانتها للأشخاص الذين شاركوا أو ينتمون لهذا العمل المتطرف، موضحة أن الشعب المصري بمسلميه ومسيحييه رفض هذا التطاول على المقدسات، وأن الدولة المصرية مسؤولة عن حماية الممتلكات الخاصة والعامة والبعثات الدبلوماسية للدول المختلفة.

كما أكدت الرئاسة أيضا احترام الدولة المصرية وحمايتها لحق التعبير والتظاهر السلمي في حدود القانون، قائلة إنها «ستواجه بكل حزم أي محاولة غير مسؤولة للخروج على القانون».

وكان متظاهرون غاضبون قد حاولوا اقتحام مبنى السفارة الأميركية في القاهرة، ونجحوا في تسلق أسوارها وإنزال العلم الأميركي، في سابقة هي الأولى من نوعها بالنسبة لسفارة حظيت لسنوات بتأمين أمني دقيق ومشدد.

من جهتها، طالبت الحكومة المصرية، في اجتماعها أمس، الإدارة الأميركية باتخاذ موقف حازم من منتجي الفيلم المسيء للرسول، في إطار المواثيق الدولية التي تجرم الأفعال التي من شأنها إثارة الفتن على أساس العرق أو اللون أو الدين.

وقالت الحكومة، في بيان صحافي أمس، إن الفيلم «هو منتهى التدني الأخلاقي والتصرف الخارج عن كل القيم والأعراف الإنسانية في احترام ديانات وعقائد الآخرين»، وأكد تفاهة وانحطاط أخلاق صانعيه.

وقالت وزارة الخارجية في بيان لها أمس إن السلطات المصرية مصممة على توفير الإجراءات الأمنية الضرورية لحماية كافة السفارات والبعثات الدبلوماسية الموجودة على الأراضي المصرية والعاملين بها، وهو ما نتوقعه من الدول الأجنبية بالنسبة لبعثاتنا المعتمدة لديها.

وعلى صعيد التطورات الميدانية، أغلقت قوات الأمن المركزي الشوارع المحيطة بمبنى السفارة الأميركية، ومع توافد أعداد من المتظاهرين على السفارة منذ صباح أمس، ورغم كثافة الإجراءات الأمنية، نجح بعض المتظاهرين في الوصول إلى السفارة، حيث وصل وفد من شباب محافظة السويس (شرق القاهرة) أمس أمام السفارة للاحتجاج على الفيلم المسيء، وطالبوا بطرد السفيرة الأميركية من القاهرة، وانضم إليهم وفد من الأزهر، وشارك في مظاهرات أمس عدد من الشباب المسيحيين.

وعلى الصعيد ذاته، قالت مصادر ملاحية بهيئة قناة السويس إن إدارة القناة وأجهزة أمنية أخرى شددت من إجراءاتها على السفن الأميركية التجارية المارة بقناة السويس في الاتجاهين، كإجراء احترازي بعد موجة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد بسبب الفيلم المسيء للرسول.

وقالت المصادر إن الإجراءات التأمينية شملت مرافقة قاطرات تابعة لقناة السويس للسفن الأميركية أثناء عبورها القناة، ومنع اقتراب القوارب الصغيرة منها، إضافة إلى التدقيق في هويات جميع الموجودين بمحطات مراقبة قناة السويس الأربع عشرة، إضافة إلى زيادة الدورية الراكبة على ضفتي القناة.

وعلى صعيد ردود الفعل الرسمية، أصدرت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف بيانا أمس قالت فيه إنها تابعت وتتابع، مسلسل الإساءات المتكررة إلى الإسلام ورموزه ومقدساته، من تدنيس المصاحف وحرقها، إلى العدوان على المساجد وهدمها، وحتى الإساءة إلى الرسول الكريم، الذي جاء إلى العالمين مصدقا بما سبق من الكتب، ومؤمنا بكل النبوات والرسالات. كما تابعت وتتابع، ردود الأفعال الحكيمة منها والغاضبة، التي تواجه هذه الإساءات في وطن العروبة وعالم الإسلام.

وتابع البيان: «وتود الهيئة أن تتوجه إلى شعوب الأمة الإسلامية، وإلى كل عقلاء العالم بهذه الكلمات: أولا: إن مصدر هذه الإساءات ليسوا هم الناس العاديون، سواء في الغرب أو الشرق، وإنما المصدر هي مؤسسات الهيمنة الاستعمارية، التي يجاهدها الإسلام لكسر شوكة هيمنتها واستعمارها واستغلالها في كثير من بلاد العالم الإسلامي، ومع هذه المؤسسات السياسية الصهيونية، وأجهزة الإعلام التي ترتزق من الكذب وصناعة الصور الزائفة عن الرموز والمقدسات الإسلامية».

وأضافت الهيئة أن «ردود الفعل الإسلامية يجب أن تتسم بالحكمة، وأن تزيد من إيضاحها لحقائق الإسلام ومقدساته ورموزه، وأن تبتعد عن أخذ البريء بذنب المسيء، وحثت على ضرورة التحلي بالوعي والرؤية الموضوعية لحقيقة هذا المشكل القديم والجديد».

من جانبه، قال الأنبا مرقص، المتحدث الإعلامي باسم الكنيسة الأرثوذوكسية لـ«الشرق الأوسط» إن الكنيسة ترفض بشدة أي إساءة للمقدسات الدينية، مؤكدا أن ما حدث مخطط خارجي لزرع الفتنه بين الأقباط والمسلمين، وأنه لا يعبر إطلاقا عن تعاليم الدين المسيحي، مشيرا إلى أن المجمع المقدس ناقش في اجتماعه أمس كيفية إنهاء هذه الأزمة وتوصلوا إلى ضرورة إجراء اجتماع مع قيادات الأزهر في «بيت العائلة المصرية» لمناقشة الأزمة والتوصل إلى حل مناسب.

وانتقد أعضاء مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) خلال الجلسة الصباحية أمس ترويج بعض أقباط المهجر لفيلم يتضمن افتراءات على الإسلام والرسول الكريم، وجددوا إدانتهم لقيام أحد القساوسة في الولايات المتحدة بحرق نسخ من القرآن الكريم.

وأدان أعضاء المجلس بالإجماع أسلوب أقباط المهجر الذي يستهدف الوقيعة والتفريق بين أبناء الوطن الواحد، مؤكدين أن التطاول على الإسلام وعلى الرسول الكريم يتنافى مع ما تنادي به كافة الأديان السماوية ويؤدي إلى صدام الحضارات.

وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين رسميا أمس دعواتها للتظاهر غدا الجمعة أمام المساجد الرئيسية في جميع المحافظات لاستنكار الإساءة للمعتقدات الدينية والإساءة للرسول، وطالبت القوى الوطنية بالمشاركة في تلك الفعاليات.

واستقبل مكتب إرشاد جماعه الإخوان المسلمين وفدا أميركيا من مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وحضر الوفد الأميركي إلى مقر الجماعة بضاحية المقطم في سيارة تابعة للسفارة الأميركية أثناء الاجتماع الأسبوعي لمكتب إرشاد الإخوان.

والتقى الوفد الأميركي بالدكتور محمود حسين، الأمين العام لجماعه الإخوان، وقالت مصادر بالجماعة إن اللقاء جاء لبحث العلاقات المصرية - الأميركية، ووضع السفارة الأميركية في مصر بعد الأحداث التي شهدها مقر السفارة أول من أمس (في إشارة لتسلق محتجين أسوارها)، وقام المسؤولون بمكتب الإرشاد بطمأنة الوفد على عدم تأثر العلاقات المصرية - الأميركية، بحسب المصدر الإخواني.

وعلى صعيد الإجراءات القانونية، قرر النائب العام المصري، المستشار عبد المجيد محمود، فتح تحقيقات عاجلة في ضوء تلقيه لعدة بلاغات تتهم مجموعة من المصريين الأقباط المقيمين خارج مصر، بالاشتراك في إنتاج الفيلم، ووضع أسماء 9 منهم إلى جانب القس الأميركي تيري جونز على قوائم ترقب الوصول، وتضمنت لائحة المتهمين الذين شملهم قرار النائب العام كلا من القس تيري جونز، والقس مرقص عزيز وشهرته «الأب يوتا»، وعصمت زقلمة، وموريس صادق، ونبيل بسادة، وإيهاب يعقوب، وجاك عطا الله، وناهد متولي، وإيليا باسيلي، وعادل رياض، على قوائم ترقب الوصول.

وكلف النائب العام، نيابة أمن الدولة بالتحقيق في البلاغات المتعلقة بموضوع الاتهام والتي تحمل اتهامات للعشرة المذكورين بازدراء الدين الإسلامي والإساءة له.

وقال المستشار عادل السعيد النائب العام المساعد والمتحدث الرسمي للنيابة العامة، في بيان له أمس، إنه تلقى خمسة بلاغات من بعض المحامين والأشخاص بشأن ما نشر على صفحات موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» وموقع «يوتيوب» لفيلم سينمائي «تضمن مشاهد مسيئة للذات الإلهية وللدين الإسلامي وللرسول عليه الصلاة والسلام ولسلطات الدولة المصرية».

وأشار المستشار السعيد إلى أن بعض الأقباط المقيمين في الولايات المتحدة، اشتركوا مع مجموعة من الممثلين الأجانب في إنتاج هذا الفيلم ونشره على «فيس بوك».

وفي تونس، احتشد أمس نحو مائة سلفي أمام السفارة الأميركية في العاصمة احتجاجا على فيلم مسيء إلى الإسلام تسبب في احتجاجات عنيفة في مصر وليبيا خصوصا، كما ذكر مصور لوكالة الصحافة الفرنسية.

ورفع المتظاهرون من رجال ونساء الرايات السلفية السوداء وتجمعوا على رصيف مواجه لمبنى السفارة في منطقة ضفاف البحيرة التي تبعد 10 كلم شمال تونس العاصمة.

وانتشرت تعزيزات للشرطة وأمنت آلية عسكرية الحراسة وقام دراجون بدوريات حول السفارة التي عادة ما تفرض حولها تدابير أمنية مشددة، وقال مصدر في السفارة لوكالة الصحافة الفرنسية إن الموظفين والدبلوماسيين عملوا بشكل طبيعي بعد ظهر أمس.

وتظاهر المحتجون الذين أتوا مجموعات وبصمت، بعد صلاة العصر.

وقال مراسل لـ«رويترز» إن الشرطة التونسية أطلقت الغاز المسيل للدموع والأعيرة المطاطية في الهواء أمس لتفريق المتظاهرين.

وفي مدينة الدار البيضاء المغربية، نظمت مجموعة من الشباب مظاهرة أمام القنصلية الأميركية في الدار البيضاء، منددة بالشريط السينمائي الذي يشتمل على إساءات ضد الرسول الكريم، وردد المتظاهرون شعارات ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما وأخرى مؤيدة لتنظيم القاعدة، كما قاموا بحرق العلم الأميركي، ويقدر عدد المشاركين في المظاهرة بنحو مائة شخص. وحاول بعض منهم استفزاز الشرطة للاصطدام بهم.

يشار إلى أن هذه المظاهرة جرت الدعوة لها عبر «فيس بوك»، لكن لم تشارك فيها أي منظمات أو أحزاب، وقال حسن بن ناجح، عضو جماعة العدل والإحسان الأصولية شبه المحظورة، لـ«الشرق الأوسط»: «ليست لنا أي علاقة بهذه الوقفة».