إيران توقع عقودا لتصدير النفط مع شركات خاصة لتفادي العقوبات

تتجه لإجراء إصلاحات لرفع قيمة الريال وسط شكوك القطاع الخاص

TT

في ظل تدهور الاقتصاد الإيراني جراء العقوبات الدولية التي شملت النفط، اتجهت طهران إلى توقيع اتفاقات لبيع 4 ملايين برميل من النفط عن طريق شركات خاصة في محاولة لتفادي تلك العقوبات التي خنقت الاقتصاد وأدت إلى تدهور سريع في الريال الإيراني وانتشار البطالة. كما تأمل في إجراء إصلاحات جذرية لسوق العملة تؤدي إلى استقرار الريال الذي أضير بشدة جراء العقوبات وسياسات حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد.

وتحظر عقوبات يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لوقف برنامج إيران النووي كل واردات النفط الإيراني وتشمل الشركات الحكومية والخاصة، لكن المسؤولين الإيرانيين يقولون إن بمقدور الشركات الخاصة تفادي تلك الإجراءات.

وقال حسن خسرو جردي مدير اتحاد مصدري المنتجات النفطية الإيراني إن اتحاد شركات من القطاع الخاص وقع اتفاقين مع مشترين أجانب لبيع نحو أربعة ملايين برميل من الخام الإيراني. ونقلت وكالة أنباء «مهر» عن خسرو جردي قوله «بهذا الاتفاق والآلية الجديدة المحددة سيجري تسليم شحنتي النفط الخام هاتين في... الخليج لمشترين أجانب»، دون أن يذكر تفاصيل.

وحسب وكالة «رويترز» فإن خسرو جردي كان قد صرح الأسبوع الماضي أن شركات خاصة نجحت في تصدير بعض إنتاج البلاد من النفط. وحتى ذلك الحين كانت شركة النفط الوطنية الإيرانية تحتكر تصدير الخام.

لكن خسرو جردي شكا أيضا في تصريحات أمس من أن البنك المركزي الإيراني - وهو قناة التسوية الرئيسية لإيرادات النفط الإيرانية - لم يقر على نحو مناسب آلية مالية لبيع النفط من جانب القطاع الخاص ولم يعلن عن شيء من هذا القبيل.

وقال دون إسهاب «القطاع الخاص.. لا يستطيع القيام بأي خطوة جادة لتصدير النفط دون الموافقة على هذه الآلية المالية من جانب البنك المركزي الإيراني».

وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على البنك المركزي الإيراني ويمكن أن تتعرض البنوك التي تتعامل معه لاستبعادها من الأسواق المالية الأميركية.

ونفت إيران أيضا أن تكون تركيا قد رفعت بدرجة كبيرة وارداتها من الخام الإيراني الشهر الماضي على الرغم من الحظر الغربي قائلة إن صادراتها مستقرة.

وكانت بيانات من مصدر ملاحي وخدمة «آيه إي إس لايف» لرصد السفن قد أظهرت في وقت سابق هذا الشهر تفريغ نحو 200 ألف برميل يوميا من الخام الإيراني في مرفأي الاستيراد التركيين علي أغا وتتنسيفلتش في أغسطس (آب).

ويعادل هذا الرقم أربعة أمثال واردات أنقرة من النفط الإيراني في يوليو (تموز) عندما اشترت 48 ألف برميل يوميا وهو أقل مستوى في عامين ونصف العام.

وفي غضون ذلك، تأمل إيران في إجراء إصلاحات جذرية لسوق العملة تؤدي إلى استقرار الريال، حيث هوى السعر غير الرسمي إلى مستويات متدنية عند نحو 25 ألف ريال مقابل الدولار الأميركي الأسبوع الماضي مسجلا أقل من نصف قيمته قبل عام مع تهافت الإيرانيين على تحويل مدخراتهم إلى عملات صعبة خشية أن تحول العقوبات المفروضة على البلاد بسبب برنامجها النووي دون حفاظ البنك المركزي على قيمة الريال.

ولمواجهة الهبوط اقترحت السلطات إقامة بورصة تجمع كبار تجار العملة وتحل محل تجار صغار متفرقين ينتشرون في المدن الإيرانية. ويرقى النظام الجديد إذا طبق إلى «تعويم محكوم» للريال وبموجبه لا يحدد البنك المركزي سعر الصرف بل يبيع ويشتري العملة في السوق لمنع أي تقلب حاد للأسعار.

ونقلت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء عن محمود دودانجه عضو مجلس إدارة صندوق التنمية الوطنية قوله هذا الشهر، «المهم تحديد سعر العملة في سوق تتسم بالشفافية وبيئة تنافسية من منظور العرض والطلب».

لكن الاقتراح قوبل بانتقادات شديدة من القطاع الخاص الإيراني؛ حيث يقول رجال أعمال، إنه لن يسهم في حل المشاكل الاقتصادية الكامنة بما في ذلك معدل تضخم في خانة العشرات والاستبعاد شبه التام من النظام المصرفي العالمي نتيجة العقوبات الغربية. وأبدى أسد الله أصغر أولادي وهو مصدر ثري للفستق والفواكه المجففة والكافيار شكوكه إزاء النظام الجديد في اجتماع غرفة طهران للتجارة في الأسبوع قبل الماضي وفي لقاءات تلفزيونية لاحقة.

وصرح أصغر أولادي لوكالة أنباء فارس بأن بورصة العملات «ستفتح قناة جديدة للفساد»، وبحسب معظم المعلومات المتاحة إلى الآن يبدو أن الحكومة ستجري معظم المعاملات في هذه البورصة.

ويجري تداول الريال بسعرين الأول رسمي تضعه الحكومة ويطرح البنك المركزي من خلاله مبالغ محدودة من الدولار والآخر أقل كثيرا تحدده السوق غير الرسمية حيث تحصل أغلبية الإيرانيين على العملة الصعبة.

وفي يناير (كانون الثاني) حاولت الحكومة إغلاق السوق غير الرسمية بإعلان خفض السعر الرسمي ثمانية في المائة إلى 12 ألفا و260 ريالا وقالت إن من شأن ذلك القضاء على السوق السوداء.

لكن الخطوة أتت بنتائج عكسية بإثارة هلع الإيرانيين ونزل السعر غير الرسمي أكثر. وفي مارس (آذار) تراجعت السلطات وأعلنت أنها ستسمح بالتداول غير الرسمي.

ويهدد تراجع الريال بارتفاع معدل التضخم وتفاقم هروب رؤوس الأموال من إيران وقد أجج بالفعل الانقسامات السياسية واتهم معارضو الرئيس محمود أحمدي نجاد في البرلمان حكومته بالتسويف وتعميق الأزمة.

وفي الأسبوع الماضي نقلت وكالة أنباء فارس عن غلام رضا مصباحي مقدم رئيس لجنة التخطيط والميزانية قوله «لو أن الحكومة دشنت البورصة العام الماضي من خلال البنك المركزي لما حدثت صدمة العملة في السوق». وتحمل السلطات المضاربين مسؤولية ضعف الريال وتقول إن النظام الجديد سيحرر الريال من قبضتهم. ونقلت وسائل إعلام عن مسؤولين حكوميين قولهم هذا الشهر أن البورصة ستفتح أبوابها لبائعين ومشترين مرخص لهم وستطرح عقودا آجلة في وقت لاحق مما يعني تداول الريال بسعر معين في تواريخ مستقبلية ومن شأن ذلك أن يضمن الاستقرار.

ونقلت صحيفة «دنيا الاقتصاد» عن رضا عظيمي مدير السياسات النقدية والمالية بوزارة الاقتصاد قوله، إن «الأشخاص العاديين الذين يحتاجون الدولار سواء من يسافرون للخارج أو الطلبة سيحصلون على العملة الصعبة من بنوك معينة بأسعار تحددها البورصة». وقال «في الوقت الحالي لا تحدد عوامل السوق الأسعار. أضحت قلة داخل وخارج البلاد صاحبة القرار».

وتقول وسائل الإعلام التابعة للدولة إن البورصة ربما تدشن في نهاية الشهر حسب التقويم الفارسي أي في 21 سبتمبر (أيلول). ويبدو أن الآلية الجديدة حلت محل خطة سابقة أعلنها محافظ البنك المركزي محمود بهمني في الشهر الماضي وتقضي بخفض السعر الرسمي مرة أخرى. وينبغي الانتظار لمعرفة ما إذا كانت الحكومة ستمضي قدما وتنفذ خطوة إقامة بورصة في مواجهة تحديات فنية وتشكك من جانب البعض في القطاع الخاص.

وقال دودانجه إنه يأمل أن يثبت سعر الريال في البورصة الجديدة عند نقطة ما بين السعرين الرسمي وغير الرسمي. وأضاف: أن الحكومة ستطرح مبدئيا خمسة مليارات دولار في البورصة تسحبها من العملة الصعبة لدى صندوق التنمية الوطنية الذي يستثمر في البنية التحتية ويمول من إيرادات النفط وذلك من أجل تحقيق الاستقرار.

وكي تكون فعالة ينبغي أن تقنع البورصة المواطنين بأنها تطرح سعرا عادلا للريال بناء على العرض والطلب في السوق وإلا فإنهم سيترددون في الأخذ بالأسعار التي تحددها البورصة ويواصلون بيع وشراء الدولار من خلال السوق السوداء.

وفي غضون ذلك، قال محافظ البنك المركزي الإيراني أمس إن إيران لن ترفع أسعار الفائدة المصرفية معتبرا أن خفض التضخم الذي في خانة العشرات مقدم على تحقيق الاستقرار في سعر العملة المحلية.

ونقلت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء عن بهمني قوله «سعر الفائدة المصرفية لن يتغير حاليا وذلك إلى أن نرى ما سيحدث بالنسبة للتضخم وإلى أي درجة يمكن أن نخفضه. من الطبيعي أن أسعار الفائدة المصرفية يجب أن تتحدد قياسا إلى معدل التضخم».