باريس تدرس سيناريوهات لدعم المعارضة السورية المدنية والمسلحة

مصادر فرنسية لـ «الشرق الأوسط»: تقاسم أدوار بيننا وبين العرب

TT

لم تنجح، حتى الآن، الجهود التي تبذلها فرنسا ودول أخرى مع أطراف المعارضة السورية، في الداخل والخارج، في تقريبها من اللحظة التي تكون معها قادرة على تشكيل جبهة موحدة أو حتى حكومة انتقالية تدعو إليها باريس منذ نحو الشهر وتعلن استعدادها للاعتراف بشرعيتها وبأنها ممثلة للشعب السوري وللعمل مع البلدان العربية والصديقة على الاحتذاء بالخطوة الفرنسية.

وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن «تحقيق خطوة كهذه من شأنه أن يغير الوضع القانوني» للمعارضة السورية المنقسمة على نفسها بين الداخل والخارج وبين المعارضة العلمانية والأخرى ذات التوجهات الإسلامية. والأهم من ذلك، وفق هذه المصادر، أنها «ستعطي الدول الداعمة لها ورقة مهمة يمكن استخدامها في مجلس الأمن في حال تقدمت الحكومة الانتقالية مثلا بطلب حماية المدنيين من مجلس الأمن الدولي أو لجأت إلى طلبات ثنائية»، في حال بقيت أبواب مجلس الأمن مقفلة بسبب المعارضة الروسية - الصينية.

غير أن باريس وعت أخيرا أنها يتعين عليها التواصل ليس فقط مع المجلس الوطني السوري الذي كانت أول من احتضنه وروج له، بل خصوصا اليوم مع معارضة الداخل سواء أكانت حركات المعارضة السياسية بمختلف مشاربها أو مجموعات المعارضة المسلحة. وحثت فرنسا مؤخرا شركاءها في الاتحاد الأوروبي على تبني مشروع دعم ما تسميه «المناطق المحررة» في شمال وشرق سوريا، والتعاون مع المجالس المحلية التي تشكلت فيها، لإدارة شؤون الناس وتوفير الحاجيات والخدمات الأساسية وحثهم على البقاء في أراضيهم. وبحسب ما أعلنته المصادر الفرنسية، فإن الأمل يراود باريس أن تمتد هذه المناطق وتتواصل في ما بينها لتشكل القاعدة الأرضية التي يمكنها استضافة الحكومة الانتقالية وقضم المناطق شيئا فشيئا في انتظار تضعضع وتساقط النظام الحالي.

لكن باريس خطت مؤخرا خطوة إضافية، ليس لجهة تقديم معدات الاتصال المتقدمة التي تسمح لفصائل المعارضة بالتواصل بين أجنحتها فحسب، بل بتقديم معدات الرؤية الليلية. ورغم أن فرنسا تقول إنها معدات «غير قاتلة»، فإن هذا النوع من المعدات له استخدامات عسكرية واضحة. وما كانت فرنسا تقوله في المجالس المغلقة أخذت تقوله على رؤوس الأشهاد. والدليل على ذلك أن السفير الفرنسي لدى سوريا إريك شوفاليه، الذي يتابع الملف السوري ويسعى لمد الجسور بين أجنحة المعارضة ومكوناتها المسلحة، قال أول من أمس لإذاعة «فرانس أنتير» إن باريس «تعمل مع مجمل المعارضة السورية بما فيها المجموعات المسلحة»، وذلك بناء على طلب مباشر من الرئيس فرانسوا هولاند. وحول موضوع تقديم السلاح، أشار شوفاليه إلى أنه «يدرس بجدية وبعناية كبيرتين، لكن اتخاذ قرار بشأنه أمر بالغ التعقيد».

ومشكلة باريس التي تعي حاجة المعارضة إلى أسلحة دفاع جوي ضد طائرات النظام وطوافاته وضد دباباته أن الاتحاد الأوروبي فرض حظرا على تصدير السلاح إلى سوريا، ولا تريد باريس أن تكون من قفز فوقه. والثاني أن فرنسا تريد أن تعرف إلى من تذهب الصواريخ المضادة للطائرات، ولذا يأتي الحديث عن «العناية والدقة» في دراسة الموضوع.

وتفيد المعلومات المتوافرة بأن الاهتمام منصب في الوقت الراهن على العمل بدقة لتحديد مجموعات من الجيش السوري الحر يمكن أن تجهز بوسائل دفاع جوي «بكميات قليلة» في المرحلة الأولى. والغرض من ذلك تمكينها من إسقاط عدد من طوافات أو طائرات النظام الحربية لإفهامه أنه «خسر السيطرة على الأجواء السورية» من جهة، وإيجاد نوع من التكافؤ بين قوات النظام وقوات المعارضة من جهة ثانية، وإيجاد المناطق الآمنة بالوسائل الذاتية بعد أن ثبتت صعوبة تحقيقها باللجوء إلى مجلس الأمن أو التدخل الخارجي. وبحسب المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» فإن ثمة نوعا من «تقاسم» المهمات بين عدة دول غربية، منها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، ودول عربية خليجية وغير خليجية، بحيث تركز الأولى على العمل السياسي والاستخباري، بينما تقوم الدول الثانية بتوصيل الأعتدة والسلاح لأنها غير معنية بقرار حظر السلاح إلى سوريا.

وأشارت صحيفة «لوموند» في عددها بتاريخ 16 سبتمبر (أيلول) إلى أن الدول الثلاث ومعها تركيا والأردن وبالتفاهم مع الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية وقطر تعمل على إنشاء هيئة تقوم بدور التنسيق والتخطيط وتبادل المعلومات. لكن هذه الهيئة لا ترقى حتى الآن إلى مصاف رئاسة أركان.

وبموجب هذه الرؤية، فإن باريس تتخوف من امتدادات الأزمة إلى دول الجوار «خصوصا إلى لبنان»، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية لوران فابيوس خلال زيارته إلى مصر، من فرضية أن يلجأ النظام إلى استخدام موضعي للأسلحة الكيماوية. وتدرس أوساط الدفاع الفرنسية هذا السيناريو بعناية بالتعاون مع واشنطن ولندن. وبحسب الصحيفة المذكورة، فإن الدول المعنية نظرت إلى تهديدات الأسد باستخدامها بـ«جدية»، ولذا فإن الأطراف الثلاثة تعمل على «سيناريوهات» تدخل تقوم بها القوات الخاصة التابعة من أجل «تأمين» هذه المواقع.