لا أمان للنازحين السوريين حتى في «المناطق الآمنة»

قوات النظام تضرب البلدات والقرى التي يسيطر عليها الثوار بالطائرات والصواريخ

TT

نام الأطفال على أرضية مدرسة تقع على منحدر جبلي وظلوا ساكنين في أماكنهم بينما تمر قذائف المدفعية فوق رؤوسهم لتسقط على قرية سرجة، التي هربوا منها، على الرغم من أن كل دوي بعيد يشير إلى انفجار كان ليتسبب بقتلهم لو ظلوا في بيتهم ولم يبرحوه. قال جابر زين الدين، البالغ من العمر 72 عاما، وهو ينظر من باب المدرسة بينما تعبر القذائف الحارقة سماء الليل: «هرب أربعون من قصف المدفعية والطائرات».

في شمال سوريا، أقام المقاتلون الذين يسعون إلى إسقاط الرئيس بشار الأسد، مناطق تقع تحت سيطرتهم وسيطرة المجالس الثورية المحلية بشكل مؤقت ويقدمون فيها خدمات أساسية من بينها مستشفيات ميدانية وشرطة ومحاكم وإزالة الأنقاض وكذلك يصدرون صحيفة صغيرة في كل مدينة على الأقل. إنهم يتحركون في تلك المناطق بحرية ويستعدون للمعركة المقبلة.

ولكن حتى هذه المناطق الآمنة ليست بمنأى عن دمار النظام السوري. ونظرا لعدم قدرة قوات الأسد على مطاردة الثوار على الأرض وسط حقول وجبال إدلب وحلب، فإنها تقصف القرى التي ينشط بها الثوار بالطائرات والمدفعية مما يعرض حياة المدنيين إلى الخطر. كذلك قطعوا المياه عن أكثر المناطق الريفية، والكهرباء لا تعمل باستمرار، ويعاقبون بعض المدن الصغيرة بقطع التيار الكهربائي لمدة أطول بحسب توجهات سكان المنطقة. ودخل الطرفان في دائرة من الانتقامات حولت الحياة اليومية في ريف إدلب إلى حياة مرهقة تقطعها النيران والصرخات ولحظات من العنف الفظيع الذي لا يميز أحدا.

ومع اقتراب فصل الشتاء، تتعرض كثير من المحاصيل إلى الخطر وفي ظل نقص الوقود يتوقع السوريون أن يمر عليهم شتاء آخر مظلم منذ اندلاع الثورة. ويقول مؤيد، وهو صيدلي وأحد أعضاء المجلس الثوري الحاكم في مدينة كفر تخاريم التي يبلغ عدد سكانها 25 ألف نسمة، «نخشى فصل الشتاء». وطلب مؤيد عدم ذكر اسمه كاملا حتى لا يتعرض أقاربه للأذى انتقاما منه. وأضاف: «خلال الأشهر الماضية لم نحصل على الوقود إلا مرتين فقط ولا يوجد لدينا ما يكفي من الدقيق لصناعة الخبز. سيكون هذا الشتاء قاسيا».

لا يمكن إنكار نجاحات الثورة المرحلية على المستوى العسكري، ففي بداية العام الحالي، كانوا يضطرون إلى الاختباء وتتحرك قوات النظام بحرية على الأرض. وبفضل الحملة التي شنها الثوار والتي شملت كمائن وقنابل على جانب الطريق، تطهرت مساحة كبيرة من الأراضي واضطرت قوات النظام وميليشياته إلى تفادي المرور بمعظم الطرق. كذلك يسيطر الثوار على أجزاء كبيرة من الطريق السريع «إم 5» الذي يربط بين كثير من المدن السورية. ويرفرف علم الثوار على المعابر الحدودية مع تركيا التي يسيطرون عليها في باب الهوى وعلى الجانب السوري من كيليس مما يزيد من المناطق التي يصفها الثوار بالحرة.

مع ذلك فإن الجيش السوري والجماعات المسلحة الموالية له أبعد ما يكونون عن الهزيمة، فقد كثفوا انتشارهم في المدن واحتفظوا ببعض المناطق التي احتلوها في الريف خلال المداهمات الأمنية المكثفة العام الماضي. كذلك تشن القوات هجمات جوية وتقصف بالقنابل أو تطلق صواريخ على المناطق التي يوجد بها الثوار من دون تمييز كما تم توثيقه خلال الشهر الحالي في بحث ميداني أجرته منظمة العفو الدولية.

وكثيرا ما تقصف المدفعية المنازل، فقد دمر هجوم صاروخي المركز الطبي في إبلين، مسقط رأس المقدم حسين حمروش، أول قائد ينشق عن الجيش النظامي. وفي ظل عدم وجود أي بادرة تشير إلى نهاية العنف، أصبح زين الدين وأسرته، الذين ينامون في الحجرات الدراسية في مدرسة في رويحة، مجرد نقطة في خضم أمواج من البشر. وتكدست بعض الأسر في منازل آخرين حيث تحتشد النساء والأطفال، أحيانا مع مقاتلين جرحى يسمعون دوي الانفجارات التالي ويتساءلون أين يذهبون. على سبيل المثال يقول مؤيد إن الأسر في كفر تخاريم استضافت 6 آلاف مدني من النازحين بسبب القتال الدائر في حلب منذ منتصف الصيف الماضي.

وتقول كوكب درويش، التي نزحت منذ أشهر، إنها وأسرتها اجتثوا من جذورهم واضطروا للارتماء في أحضان الأصدقاء الذين أبدوا كرم الضيافة. إنها من مدينة راما الجبلية، التي لا تزال توجد فيها قوات النظام. وتقول إن الطرفين يتوقعان معركة على هذه المدينة ولا تعرف ما إذا كان منزلها لا يزال قائما أم تهدم. وقالت، «نحن نخشى العودة، فنحن لا نعلم ما حدث هناك. إنهم يهدمون المنازل على رؤوس أصحابها».

وانتقلت أسر أخرى إلى مزارع الزيتون؛ حيث يقيمون في منازل خشبية ومبان زراعية صغيرة أو حتى وسط الآثار. وهرب كثيرون إلى أقرب حدود لهم وهي الحدود مع تركيا. في إحدى الليالي مؤخرا، بالقرب من مدينة ريهانلي التركية الواقعة على الحدود مع سوريا، اختلطت الأسر بالمهربين في الحقول انتظارا لانفتاح ثغرة بين دوريات حرس الحدود التركي ليتسللوا عبر الأسلاك الشائكة ويدخلوا إلى البلاد كلاجئين. وتم تسجيل أكثر من 90 ألف سوري ممن هربوا من سوريا بسبب القتال في 13 معسكرا مؤقتا للاجئين على طول الحدود التركية - السورية التي تمتد على طول 550 ميلا بحسب إحصاءات أعلنتها الحكومة التركية الجمعة الماضي. لكن عدد السوريين الذين عبروا الحدود بشكل غير قانوني أكبر من ذلك. وقال مسؤول تركي محلي رفض ذكر اسمه بسبب وضعه الدبلوماسي، إن عدد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا دون تسجيلهم يقدر بـ60 ألفا على الأقل. وبعيدا عن المعسكرات، أقامت تركيا ملجأ مؤقتا عند معبر كيليس الحدودي؛ حيث يقيم 8 آلاف سوري آخر يتلقون مساعدات يومية على حد قول المسؤول. وأوضح قائلا، «نرى تزايدا في الأعداد في الأيام التي تشهد قصفا عنيفا من قبل قوات النظام على المناطق المحيطة بحلب وإدلب، لكنهم يحاولون أن يحددوا عدد الوافدين بنحو 500 يوميا. ولا يزال هناك آلاف من الناس الذين تركوا منازلهم ويعيشون في الحقول».

ويقول كثيرون هنا إنهم يشعرون بأن العالم تخلى عنهم. ويعاني الثوار من نقص في الأسلحة، ويعاني المدنيون من فقدان الملجأ الآمن ويفتقرون إلى ضرورات الحياة. ويقول جمال معروف، أحد قادة الثوار البارزين في مرتفعات جبل الزاوية، التي تم إجلاء جزء كبير من أفراد الجيش النظامي منها، إن الثوار يحاولون استعادة الخدمات التي توقفت بانسحاب النظام، لكنهم يفتقرون إلى الوسائل التي تمكنهم من القيام بذلك. ويضيف: «كل المؤسسات هنا متوقفة عن العمل».

* خدمة «نيويورك تايمز»