«الشرق الأوسط» تحصل على رواية حراسٍ تحدثوا مع منفذي هجوم القنصلية الأميركية ببنغازي

القنصلية طلبت صباح يوم الحادث 10 سيارات تأمين و25 حارسا ثم ألغت الطلب.. وقائد المهاجمين «قصير وعصبي»

أحد مكاتب القنصلية الأميركية في بنغازي عليه آثار التدمير في العملية التي استهدفتهما في سبتمبر الماضي (أ.ب)
TT

حصلت «الشرق الأوسط» على أول تسجيل مع حراسٍ تحدثوا مع منفذي هجوم القنصلية الأميركية ببنغازي الذي وقع يوم 11 سبتمبر (أيلول) الماضي. وتبين في معلومات تنشر لأول مرة أن القنصلية طلبت صباح يوم الحادث 10 سيارات تأمين و25 حارسا من الوحدة التي تعتمد عليها في حراسة مقرها، وهي وحدة تابعة لكتيبة 17 فبراير (شباط) التي يهيمن عليها متشددون إسلاميون في بنغازي، ثم ألغت الطلب لأسباب غير معروفة.

كما أفادت المعلومات بأن المهاجمين الرئيسيين ثمانية ملثمين كان معهم قطعتا سلاح من نوع «آر بي جي»، وبعض الأسلحة الرشاشة والمسدسات، وعدد كبير من القنابل اليدوية، ومعهم نحو خمسين شخصا غالبيتهم غير مسلحين. وقالت المعلومات إن أربعة من بين الثمانية كان يظهر أنهم القادة المهمون للمجموعة وأن بعضهم يرتدي جلابيب وملابس باكستانية وأحدهم «قصير وعصبي» ويتحدث بلهجة أبناء بنغازي. وكان يوجد في القنصلية يوم الحادث أربعة حراس فقط هم كل الليبيين الذين تعتمد عليهم القنصلية في حراستها من الداخل، بينما كانت توجد سيارة شرطة في الخارج فرت من المكان قبل الهجوم. والحراس الأربعة التحقوا بكتيبة 17 فبراير منذ بداية الثورة الليبية وهم من مدينة بنغازي. والتحق بعضهم بالعمل الأمني في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، ومن بينهم الحارس «علي»، الذي تحدث مع المهاجمين لمقر القنصلية، حيث كان قد تلقى تدريبا خفيفا على العمل الأمني لمدة 6 أشهر في العهد السابق.

وفي بداية الثورة العام الماضي تلقى «علي» تدريبات جديدة من الشرطة والجيش ودورات تدريبية من قطر في بنغازي. ومنذ مقتل حسن الجابر مصور قناة «الجزيرة» العام الماضي، تم تشكيل مجموعة حماية من أفراد من كتيبة 17 فبراير تحمل اسم «وحدة الحماية الخاصة». ثم تطور عمل «وحدة الحماية» إلى الاختصاص بحماية الشخصيات العامة. وطلبت القنصلية من الوحدة أشخاصا لحراستها في شهر مارس (آذار) من هذا العام.

كان «علي» البالغ من العمر 33 سنة واحدا من مجموعات صغيرة يتراوح عددها بين خمسة وسبعة أفراد يتلقون تدريبات خفيفة ومعظمها نظري في داخل مقر القنصلية على الحراسة بالطريقة الأميركية. ووقع الاختيار على «علي» وزملائه الآخرين للعمل في حراسة القنصلية. ومنذ ذلك الوقت كان عدد منهم يخرج لحراسة شخصيات أميركية وغيرهم من الدبلوماسيين الذين يأتون أو يغادرون من وإلى مطار بنغازي، من بينهم سوزان رايس.

ووفقا للشهادات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من حراس شهدوا الهجوم، كانت الحراسة تتركز في الداخل وعلى البوابة الرئيسية. وبعد ذلك بنحو شهر طلبت القنصلية أن يقوم الحراس أيضا بالمرور على المبنى من الخارج بسيارات راكبة في بعض الأحيان، لكن هذا لم يستمر. وبعدها وقع الهجوم الأول على مقر القنصلية في شهر يونيو (حزيران). وترتب على هذا الهجوم الذي لم يسفر عن ضحايا في ذلك الوقت، زيادة الحراسة والكاميرات والإضاءة حول المقر. وكان عدد الكاميرات قبل هجوم شهر يونيو (حزيران) الماضي 8 كاميرات، تمت زيادتها إلى 15 كاميرا.

وكان الهجوم الذي وقع في السادس من يونيو (حزيران) قد وقع بعد قيام مجهولين بوضع قنبلة عند البوابة الشمالية لمقر القنصلية وانفجرت القنبلة وسببت فتحة في السور؛ لكن أحد الحراس الأربعة قال إنه منذ ذلك الحادث أصبح مقر القنصلية معروفا لكثير من الناس، بعد أن كان لا يعرفه إلا القليلون، وبناء عليه طلب هو وزملاؤه في «وحدة الحماية الخاصة»، من القنصلية إمدادهم ببعض المعدات والأدوات الدفاعية المهمة الأخرى، ومنها قنابل الدخان وزيادة الأسلحة والمسدسات وخزن الرصاص.

كما طلبوا من القنصلية توفير سيارة لهم للمرور بها حول القنصلية لأنهم حتى ذلك الوقت كانوا يستخدمون سياراتهم الخاصة في تأمين القنصلية من الخارج. كما طلبوا من القنصلية أن توفر لهم مناظير للرؤية الليلية والنهارية. كانوا يريدون هذه الأدوات من أجل سرعة الاتصال والتصرف في حال تعرضهم لأي هجوم.

وقال أحد الحراس الأربعة ممن تحدثت معهم «الشرق الأوسط» في بنغازي حديثا مسجلا، إن القنصلية «لم توفر لنا المسدسات ولا الخِزن ولا الأسلحة التي طلبناها. ولم توفر لنا غطاء للرأس (خوذات)»، مشيرا إلى أن طلب الخوذات جاء بعد سقوط رصاص على مبنى القنصلية بعد انطلاقه من حفل زفاف كان في منزل مجاور للمبنى بشارع فينيسيا.

وعن موضوع قنابل الدخان التي طلبها أفراد «وحدة الحماية الخاصة» بالقنصلية والتابعة أساسا لكتيبة 17 فبراير، أوضح الحارس قائلا: «رد علينا مسؤولو القنصلية بأنه توجد قنابل دخان في الصناديق المنتشرة داخل المبنى وهي صناديق تخص أساسا خراطيم المياه المعدة لإطفاء الحرائق.. كنا قد تدربنا على استخدامها نظريا أيضا، لكن المشكلة كانت تكمن في أن الصناديق التي تحوي هذه القنابل موجودة في أماكن بعيدة عن وجودنا كحراسة. وكان طلبنا أن تكون هذه القنابل تحت أيدينا لكن القنصلية رفضت».

وكانت طبيعة عمل الحراس عند بوابة القنصلية الوجود بالداخل «وأحيانا ندور حول القنصلية حين تكون هناك أي مؤشرات على أي شيء محتمل أو عن أي تحركات غير طبيعية».

ولم يتقاضَ الحراس الأربعة أي رواتب منذ التحاقهم بالعمل في القنصلية، فيما عدا راتب شهرين بمقدار 600 ريال ليبي (نحو 460 دولارا) عن كل شهر، هما شهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين. وتسلم كل حارس راتبه عن الشهرين دفعة واحدة. وقال أحدهم: لم نتقاضَ راتب شهر سبتمبر (أيلول) أو أكتوبر (تشرين الأول) حتى الآن.

وقال أحد الحراس: «صباح يوم الحادث طلبت السفارة من الوحدة الأمنية التابعة لنا زيادة عدد السيارات الأمنية بالخارج إلى 10 وإرسال 25 حارسا، لكنها عادت وألغت الطلب لأسباب غير معروفة.

وأبدى عدد من الحراس الأربعة (أحدهم يتلقى العلاج في أحد مستشفيات بنغازي من جراء هجوم 11 سبتمبر على القنصلية)، مخاوفهم من أن يتم استدعاؤهم من قبل المحققين من مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، لكن المقابلة التي أجرتها «الشرق الأوسط» تمت بعد رحيل فريق «إف بي آي» الذي رفض إعطاء أي إفادة عن سير التحقيقات أثناء وجوده في مقر القنصلية تحت حراسة من قوات الجيش الليبي، وعناصر من وحدة القوات الخاصة الأميركية (دلتا فورس).

ووفقا لشهادات عناصر من الحرس الليبي عن تأمين مقر القنصلية قبل مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز، قال أحد المسؤولين في «وحدة الحماية الخاصة» التابعة لكتيبة 17 فبراير: «منذ مدة طويلة تواصلت الاجتماعات مع مسؤول عن الفريق الأمني للقنصلية وهو أميركي يدعى ديفيد كان قد جاء بعد هجوم شهر يونيو (حزيران).. واصلنا الاجتماعات معه لعرض مطالبنا حول المرتبات وغيرها من عقود العمل للحراس وكذا موضوع كاميرات المراقبة».. كان أفراد الحراسة من وحدة الحماية يريدون التحكم في إدارة الكاميرات الموجودة على البوابة الرئيسية لأن الذي يتحكم في الكاميرا هو الأمن الأميركي بالداخل وعددهم نحو ثمانية من المارينز ولهم رئيس أمن يدعى ديفيد. وقال أحد الحراس: «من الأخطاء التي كنا نلاحظها أن الأمن الأميركي الذي يتحكم في الكاميرا يتركها طيلة النهار مسلطة على اتجاه واحد». وأضاف آخر: «المشكلة أن كاميرا المراقبة كانت تثبت على مكان واحد لفترة طويلة».

وتلقى الحراس الأربعة تدريبهم عن طريق الأمن الأميركي في القنصلية نظريا فقط على فك وتركيب السلاح والحركة أثناء الهجوم.. وأضاف الحارس: «يوم الأحد من كل أسبوع كنا أحيانا نأخذ دروسا عملية لكن لم يكن فيها إطلاق نار.. لم تكن تدريبات عملية بمعنى كلمة عملية.. كنا نتدرب نظريا بما في ذلك يوم الأحد».

ومن جانبه يعتمد «علي» في العمل في الأمن بالقنصلية على خبرته السابقة التي حصل عليها من خلال دورات تدريبية عملية حصل عليها من مدربين فرنسيين ضمن دورات كان ينظمها الفرنسيون لأعضاء في كتيبة 17 فبراير. ومما تدرب عليه «علي» من الفرنسيين كيفية الهروب بالسيارة وقت الخطر وعمليات القتال وإطلاق النار بشكل عملي.

وأضاف أحد الحراس: «كنا قبل يوم 11 سبتمبر 2012، أي قبل يوم الهجوم على القنصلية، نستعد بتعليمات من الوحدة بأنه قد يقع هجوم على المجمع الدبلوماسي، وذلك بداية من يوم 28 و29 أغسطس، حتى يوم وقوع الهجوم بالفعل يوم 11 سبتمبر. وأخبرتنا الوحدة يوم 9 سبتمبر أنه من الممكن أن يحدث هجوم على القنصلية بمناسبة ذكرى تخص عهد القذافي أعتقد أنهم أشاروا إلى ذكرى عن الاتحاد الأفريقي».

وقبل الهجوم على القنصلية يوم 11 سبتمبر بساعة ونصف الساعة تلقى «علي» اتصالا من صديق له بشكل شخصي، وقال له إنه ربما تكون هناك مظاهرات أو قلاقل. وتضمن الاتصال الحديث عن أنه كانت هناك حركة غير طبيعية حول فندق تيبستي وشارع جمال عبد الناصر، ولم يكن لدى هذا الصديق أي معلومات تفصيلية.

ولم يبلغ «علي» الأمن بشكل رسمي عن احتمال وجود أي قلاقل. لكنه استفسر بشكل شخصي عما يعنيه صديقه بوجود مشاكل حول فندق تيبستي وشارع جمال عبد الناصر، لمجرد حب الاستطلاع. وتبعد هذه المنطقة عن موقع القنصلية بنحو 9 كيلومترات. وقال له أحد الأصدقاء الآخرين، بعد أن اتصل به بالهاتف إنه ربما كانت محاولة لسرقة ممتلكات عامة في تلك المنطقة الغنية التي تكثر بها المتاجر والمؤسسات الحكومية والمصارف.

أما خارج القنصلية، في هذا التوقيت (أي قبل الهجوم بنحو 90 دقيقة) فلم يكن هناك أي متظاهرين على الإطلاق. وقال أحد الحراس: «في العموم كنت عند البوابة الرئيسية المعروفة باسم تشارلي 1 ونتحدث أنا وزملائي في الحراسة ونشرب الشاي. كانت الأمور عادية». وفوجئ «علي» الذي كان يحرس «تشارلي 1» بأن كل شيء جرى في دقائق معدودة. أولا لاحظ أن سيارة الشرطة الموجودة في الشارع خارج القنصلية قد انطلقت مسرعة وهي تفر من المكان. كانت القنصلية في السابق قد طلبت من وزارة الداخلية تخصيص هذه السيارة كنوع من الحراسة في الخارج. وحين استطلع «علي» الأمر رأى نحو 50 رجلا قادمين عبر الطريق الترابي وفي مقدمتهم اثنان يحملان أسلحة آر بي جي. إجمالا كانت ملابسهم عادية كما بدت له من بعيد.. ثياب وسراويل وقمصان. لكنه أدرك أن بينهم في المقدمة رجال مقنعون.

لاحظ «علي» أن المهاجمين لم يأتوا من الطريق الترابي الذي يصل بين القنصلية والطريق الرئيسي، ويبلغ طوله أكثر من 900 متر. لأنهم لو كانوا قد جاءوا من هذا الطريق لكان «علي» قد علم بالأمر منذ وقت مبكر، واستعد له، ولذلك فهو يعتقد أن كل هؤلاء المهاجمين الخمسين قد جاءوا عبر تخطي أسوار البيوت والمخازن المنتشرة بين مبنى القنصلية والطرق الرئيسية.

وقال أحد الحراس: «بدا أنه لم يكن أي منهم يعرف بالتحديد موقع القنصلية، ولذلك كانوا يتطلعون عبر الأسوار ويبحثون عن البوابة المميزة للقنصلية»، مشيرا إلى أن أحد المهاجمين قام بإطلاق ثلاث طلقات من مسدسه وهم يتقدمون نحو البوابة الرئيسية (تشارلي 1) حيث كانوا قد خالطوا سور القنصلية ولم يكن سورا مرتفعا (ارتفاعه نحو مترين).

وفي الوهلة الأولى لم يكن «علي» يعتقد أنهم يقصدون الهجوم على القنصلية، ومع ذلك أخذ ساترا دون أن يروه، وبدأ إطلاق النار أعلى السور حتى يمنع أي محاولة منهم لتسلقه.

وفي الداخل بدأ الحراس «عمر» و«ناجي» و«عبد العزيز» يطلبون النجدة عبر الراديو (اللاسلكي) ويقولون إنه «هجوم على شارلي 1». وكان «علي» أيضا يبلغ كتيبة 17 فبراير بوقوع الهجوم طالبا النجدة، لكن لم يرد عليهم أحد لا في الاستغاثة باللغة العربية ولا الاستغاثة باللغة الإنجليزية.

حاول «علي» مجددا التحدث في اللاسلكي لطلب المساعدة. كان هو يوالي الاتصال بمقر كتيبة 17 فبراير، وناجي يواصل الاتصال بالحراس الأميركيين داخل المجمع لأنه يعرف الإنجليزية أكثر من زملائه. لم يأت أحد من 17 فبراير. وبعد انتهاء «علي» من محاولات الاتصال بالراديو لم يجبه أحد فبدأ يتساءل ماذا يفعل وبدأ يستعد لمواجهة الموت.

وفي هذه الأثناء سقط «عبد العزيز» على الأرض بعد إصابته بطلق ناري حيث كان المهاجمون قد بدأوا يطلقون النار بكثافة نحو مصدر إطلاق النار الذي كان يصدر من الحارس «علي» المختبئ قرب البوابة الرئيسية.

ثم جرى قصف بوابة «شارلي 1» بالقنابل اليدوية والـ«آر بي جي». وهنا حمل «علي» زميله «عبد العزيز» وانطلق به إلى الداخل في اتجاه حوض السباحة بحثا عن ساتر يختبئ وراءه. ولم يتمكن «علي» من الوصول إلى الدرجات التي توصل إلى سطح الطابق الثاني، بسبب كثافة النيران القادمة من المهاجمين الذين كانوا قد حطموا البوابة الرئيسية ودخلوا إلى المجمع الذي توجد فيه القنصلية والفيلا السكنية التي كان يوجد فيها السفير، وغيرها من مبان إدارية.

ومع أصوات التفجيرات كان الحراس الأربعة يعتقدون أن كتيبة 17 فبراير، بالخارج، والحرس الأميركي بالداخل، سيأتون لنجدتهم. كان يوجد نحو 5 حراس من المارينز ومعهم مترجم مصري، وفيما عدا ضابط واحد، لم يظهر أي منهم في الدقائق التي وقع فيها الهجوم. ويقع مقر كتيبة 17 فبراير الذي زارته «الشرق الأوسط» أيضا على بعد نحو 3 كيلومترات من مقر القنصلية.

أما في الدقائق القليلة التي فوجئ فيها الحراس الليبيون الأربعة بالهجوم، فكانت التصرفات تجري بشكل لا إرادي. توجَّه الحارسان «ناجي» و«سعد» بعيدا وأغلقا غرفة الأمن على نفسيهما، بينما كان «عبد العزيز» الجريح و«علي» بالقرب من حوض السباحة. كان يمكن لـ«علي» رؤية البوابتين شارلي 1 الرئيسية وشارلي 3، التي بدأ يدخل منها عدد آخر من المهاجمين، قبل تنفيذ الهجوم الكبير الذي دمر القنصلية تماما وتسبب في قتل السفير.

وفي البداية (قبل الهجوم الكبير) خرج أحد الحراس الأميركيين ليستطلع ما يحدث، وكان في غرفة خلف حوض السباحة، وحين رأى «علي» يختبئ ورأى «عبد العزيز» الجريح بجواره، فوجئ، وأصيب بالدهشة، ولم يكن يحمل سلاحا في تلك اللحظة، فقال له «علي» أن يجري من هنا وأن يذهب إلى غرفة في الوسط كانت توجد فيها أسلحة، لكي يأخذ منها واحدا ويشارك في مواجهة الهجوم وحماية الباقين في القنصلية.

ولا يعرف «علي» ماذا فعل الحارس الأميركي بعد ذلك أو أين اختفى باقي الحراس الأميركيين (بعضهم تبين أنه أصيب أثناء الواقعة). وفي هذه الأثناء اقتربت مجموعة المهاجمين أكثر ناحية وسط مجمع القنصلية فانطلق «عبد العزيز» ليجري بعيدا وهو يجر نفسه بسبب جروحه، بينما كان المهاجمون يستعدون للعملية الكبرى. بعد أن رأى «علي» المهاجمين يدخلون من بوابة شارلي 3 فكر أن يطلق عليهم النار لكنه فكر في أنه إذا فعل ذلك سيعرفون مكانه ويقتلونه فورا. أخذ يصيح نحوهم قائلا: «أنا من كتيبة 17 فبراير. لا تهاجموني.. لا تطلقوا النار».

واقترب المهاجمون من «علي» بعد أن رأوه وسألوه عما يفعل هنا، فقال لهم، في محاولة للتمويه، إنه لا علاقة له بالعمل من داخل القنصلية وإنه كان فقط يشرب الشاي على البوابة الرئيسية (شارلي 1) من الخارج، لأنه مكلف بالعمل من خارج القنصلية لا داخلها. هكذا قال لهم محاولا أن يطيل أمد الحديث قبل أن يقتلوه على أمل أن يصل أحد لنجدة القنصلية وصد الهجوم سواء من كتيبة 17 فبراير أو من الحرس الأميركي بالداخل.

كان علي يبتعد بهم عن الفيلا التي يوجد فيها السفير. كان يتحدث معهم وهو يتراجع إلى الوراء ناحية البوابة الرئيسية.

في هذه الأثناء كان كل من ناجي وسعد قد فرا إلى الغرفة المخصصة للحراسة وهي غرفة تقع بعيدا من وسط السفارة وأغلقوا الباب على نفسيهما ولم يكن المهاجمون قد لاحظوا وجودهما منذ البداية. كان الحراس الأربعة ينتظرون العون والمدد لكنه لم يأت. وكان ناجي نفسه قد أصيب إصابات طفيفة بعد أن سقط وهو يجري ناحية الغرفة مع تقدم المهاجمين من الخارج.

ووفقا للشهادات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» فإن مجموعة كبيرة من المهاجمين ليبيون وبعضهم كان يضع قناعا على وجهه وغالبيتهم أيضا يتحدثون بلهجة أهل بنغازي، لكن «علي» وهو الوحيد الذي واجه المهاجمين وتحدث معهم، و«عبد العزيز» الذي رأى المهاجمين، يعتقدان، وفقا للمعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» أن أربعة من بين القادة الثمانية الملثمين بالأقنعة كانوا هم الأهم، حيث كان الجميع يحترمونهم ويسمعون كلامهم، حيث بدا لهما أن المهاجمين الخمسين كأنهم «فريق متباين لكنهم يعرفون بعضهم بعضا».

كان اثنان من هؤلاء الثمانية يحملون «آر بي جي» ويبدو أن معهم متفجرات تحت ملابسهم. أما الأربعة الذين بدوا كأنهم قادة فكان اثنان منهم يحملان أسلحة رشاشة (كلاشنيكوف) والاثنان الآخران معهما مسدسات فقط. ولاحظ «علي» أيضا أنه توجد في طيات ملابس الأربعة تحديدا رمانات (أي قنابل يدوية).

وبالنسبة للأربعة الذين بدا أنهم قادة للهجوم فقد كان الأول يرتدي قناعا على وجهه ويرتدي جلابية قصيرة وسروالا. وملابسه تشبه الملابس الباكستانية. وكان في يده مسدس ذهبي اللون ولا يتذكر «علي» باقي أوصافه بسبب لحظة الرعب التي عاشها، كما أنه لم يتحدث معه.

أما الثاني فكان رجلا قصيرا وسمينا وعصبيا ويطلق الألفاظ والشتائم بشكل سريع وهذا هو الرجل الذي كان يريد أن يقتل «علي». ويبلغ طوله نحو 165 سنتيمترا، وكانت لحيته تبدو من تحت القناع الذي يرتديه على وجهه. وكان يحمل على كتفه كلاشنيكوف وفي يده مسدس من نوع «ويلي»، وتعرف «علي» على نوع المسدس لأن الرجل كان يصوبه نحوه ويريد قتله به. أما الثالث فكان يبلغ طوله نحو 175 سنتيمترا ويتردي «جلابية» وعلى وجهه قناع أيضا. وفي تلك اللحظات الفارقة تبادل «علي» الحديث مع اثنين فقط من القادة الأربعة (مع القصير والطويل).

حينئذ بدأ إطلاق زخات الرصاص من رشاش كلاشنيكوف في اتجاه «عبد العزيز» الذي كان يحاول الفرار حين رآه المهاجمون. كان «علي» يقول لهم لا تقتلوه. بينما كان يتعثر وهو يحاول الاحتماء بالحوائط. ونجا بأعجوبة.

ثم بدأ الرجل القصير المقنع العصبي يسأل «علي» عن مكان وجود الأميركيين داخل القنصلية، بينما كان عدد آخر يحاول استطلاع أماكن وجودهم وهم يهرولون شمالا ويمينا بين المباني. وقال له: لا أعرف. وكان «علي» يكذب مجددا حين أوضح لهم مرة أخرى أن عمله الحراسة من خارج القنصلية لا من داخلها. وكان يريد أن يبدو هادئا وأن يؤخرهم عن الوصول إلى مقر السفير، وأخذ يطلب منهم إسعاف «عبد العزيز».

وبعد ذلك نفذ المهاجمون التفجيرات الكبيرة الرئيسية التي هزت مبنى القنصلية والفيلا التي كان يوجد فيها السفير. كان هذا هو الهجوم الكبير الذي تسبب في مقتل السفير وثلاثة من رفاقه.