العاهل الأردني يكلف النسور تشكيل حكومة خلفا للطراونة

سيشكل الحكومة الخامسة منذ بدء الحراك الشعبي والـ14 لتولي عبد الله الثاني الحكم

رئيس الوزراء الأردني المكلف عبد الله النسور خلال جلسة سابقة في البرلمان الأردني نهاية العام الماضي (أ.ب)
TT

كلف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أمس، الدكتور عبد الله النسور تشكيل حكومة أردنية جديدة، خلفا لحكومة الدكتور فايز الطراونة التي قدمت استقالتها للملك أمس. وتحمل حكومة النسور الرقم 97 في تاريخ الحكومات الأردنية منذ تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، والـ14 منذ تولي الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية عام 1999، والـ5 منذ بدء الحراك الشعبي قبل عام ونصف العام.

وذكر بيان صادر عن الديوان الملكي الأردني، أن الطراونة قدم استقالة حكومته للعاهل الأردني تمشيا مع التعديلات الدستورية الأخيرة التي نجمت عن خريطة الإصلاح السياسي التي تستوجب استقالة الحكومة بعد حل مجلس النواب الأردني، حسب المادة 74 من الدستور.

وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد أصدر مرسوما يوم الخميس الماضي بحل مجلس النواب تمهيدا لعقد انتخابات نيابية مبكرة، حيث تحدد موعدها الهيئة المستقلة للانتخابات.

وبانتخاب المجلس النيابي المقبل السابع عشر، سيبدأ الأردن إرساء مفهوم التحول نحو الحكومات البرلمانية، وستكون حكومة الدكتور النسور هي الحكومة الانتقالية الأخيرة قبل انطلاق مرحلة بدء تجربة التحول إلى الحكومات البرلمانية. وقال الملك عبد الله الثاني في خطاب التكليف لرئيس الوزراء المكلف: «إن تبوؤك للمسؤولية، بتشكيل الحكومة الأردنية الجديدة، يأتي في مرحلة وطنية وإقليمية دقيقة، والبناء على ما تحقق من إنجازات عبر السنوات الماضية، والنهوض بالمهمات والواجبات التي تتطلبها المرحلة». وأشار إلى مسيرة الإصلاح في الأردن، وما أنتجته من قواعد دستورية وقوانين ومؤسسات ديمقراطية ستساهم، بشكل ملموس، في جعل المواطن في قلب عملية صناعة القرار.

وأضاف: «منذ عشر سنوات ونيف، دعونا إلى الإصلاح والتحديث، وحققنا إنجازات لا بأس بها على هذا الصعيد»، مشيرا إلى أنه تم تعديل وتطوير قانون الاجتماعات العامة، وتأسيس نقابة المعلمين، وتشكيل لجنة وطنية للحوار للتدارس في شأن قانوني الانتخاب والأحزاب، حيث قاد التوافق الوطني المتاح إلى قانوني أحزاب وانتخاب، نتطلع إلى استمرار تطويرهما عبر القنوات الدستورية والمؤسسية».

وتابع العاهل الأردني: «لقد جاءت التعديلات الدستورية، التي طالت نحو ثلث الدستور، ورسخت الحريات، ووفرت المزيد من الضمانات للسلطة القضائية والتشريعية إزاء السلطة التنفيذية، وألغت إمكانية تعطيل الحياة البرلمانية، وقيدت حل مجلس النواب، حيث نعيش اليوم الأثر الإيجابي لهذه التعديلات على حياتنا السياسية، كما نتج عنها مؤسسات ديمقراطية جديدة، أبرزها المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب». وقال: «لقد نفذنا جملة الاستحقاقات التي شكلت محاور رؤيتنا لعملية التجديد الديمقراطي والسياسي، حيث أنجزت القوانين الناظمة للحياة السياسية، وحل البرلمان، ودعونا لانتخابات مبكرة.. ونتطلع قدما للبرلمان القادم الذي سيؤسس لإرساء مفهوم التحول نحو الحكومات البرلمانية»، مشيرا إلى أن «المواطن الأردني سيحدد بصوته البرلمان القادم والحكومة المنبثقة عنه عبر صناديق الاقتراع، وسيتمتع بأجواء أكثر ديمقراطية عبر رقابة عدة مؤسسات تحمي الحقوق والحريات والتوازن بين السلطات».

وحدد عبد الله الثاني مسؤولية الحكومة الرئيسية في هذه المرحلة الانتقالية، وهي «التأسيس لنقلة نوعية في تاريخ الأردن السياسي وتحوله الديمقراطي، ومواصلة الحوار مع جميع شرائح المجتمع والأحزاب والقوى السياسية لتشجيعها على المشاركة الفاعلة في الانتخابات ترشيحا وانتخابا، والاستمرار في حث الأحزاب والقوى السياسية على تبني برامج عملية ومنطقية تقنع الناخبين وتستجيب لطموحاتهم، وتمكنهم من التأثير بفاعلية في عملية رسم السياسات، خاصة فئة الشباب لدورها الريادي في مسيرة الإصلاح والتحديث».

وذكر الملك عبد الله الثاني: «لقد بادرنا منذ انطلاق الربيع العربي وتجلياته الأردنية، إلى تحويل التحديات إلى فرص وحوافز للإصلاح وترسيخ الديمقراطية»، مشيرا إلى أن التاريخ والذاكرة الوطنية سيسجلان أن الربيع الأردني كان حضاريا ومسؤولا وواعيا ونموذجا في السلمية.

وأكد مسؤولية الحكومة الجديدة في «احترام حق المواطن في التعبير عن الرأي في إطار القانون، والتأكيد على حقه في التظاهر السلمي الذي لا يعتدي على الممتلكات العامة أو الخاصة ولا ينتهك حقوق الآخرين أو ينتقص منها، بل يحترم اختلاف الرأي وتنوعه دون التهاون في حفظ أمن الوطن والمواطن وفرض النظام وسيادة القانون». وقال: «إننا ننظر، بكل اعتزاز، إلى المنجز الديمقراطي والدستوري الذي سجله الأردن مؤخرا، وتمثل في تشكيل ومباشرة المحكمة الدستورية لمسؤوليتها»، داعيا إلى توفير سائر أشكال الدعم لها لتتمكن من القيام بمهامها على أكمل وجه، وبما يحفظ مبدأ الفصل والتوازن بين السلطات وسيادة القانون، وحماية حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية.

ووجه العاهل الأردني الحكومة الأردنية الجديدة بـ«العمل بجدية لإطلاق منظومة متكاملة لضوابط العمل العام، تتضمن آليات محددة للتعيين والترفيع وخاصة في المناصب العليا، بما يضمن بناء القدرات والكفاءات والحفاظ عليها، وتعزيز مبادئ الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص، ومحاربة ظاهرة الواسطة والمحسوبية»، مذكرا بأن الحكومة الجديدة تتولى أمانة المسؤولية الوطنية في ظروف اقتصادية ومالية صعبة، على المستويات العالمية والإقليمية والمحلية، مطالبا بإيلاء الاهتمام لجملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تنعكس آثارها السلبية على حياة المواطنين.

وقال الملك عبد الله الثاني: «إن التحديات المالية والاقتصادية المختلفة التي نواجهها والتي تراكمت في السنوات الأخيرة بسبب الأزمات المالية العالمية المتتالية وتداعيات الربيع العربي، وخاصة تلك المتمثلة في الارتفاع المطرد في أسعار الغذاء والطاقة التي يستورد الأردن غالبيتها العظمى، تتطلب إعداد موازنة متوسطة المدى لتعرض على البرلمان القادم، على أن تتوخى الحكومة وكافة مؤسسات القطاع العام أعلى درجات الانضباط والحصافة والمسؤولية في تقييم أوجه الإنفاق وتنفيذ بنوده، وبالتوازي مع تنفيذ سياسات الضبط المالي».

وطالب العاهل الأردني بـ«التصدي لانعكاسات الظروف الاقتصادية والتحديات المالية المتوقعة على المواطنين، باعتبارهم الأولوية الأولى والأهم، خاصة الفئات الفقيرة وذات الدخل المحدود، من خلال تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، واستحداث آليات جديدة لتوجيه الدعم لمستحقيه، بالتشاور والحوار مع مختلف القطاعات ومؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية المختلفة، بما يضمن الحياة الكريمة لهم، ويقوي الطبقة الوسطى التي تعتبر صمام الأمان في المجتمع والرافعة الحقيقية لإنجاح عملية الإصلاح الشامل».

وعلى الصعيد الإقليمي، قال العاهل الأردني: «إن منطقتنا تمر بأحداث عاصفة غير مسبوقة، تتطلب منا الوعي والحكمة واليقظة، وبذل المزيد من الجهد لحماية الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية، والوقوف صفا واحدا للدفاع عن الوطن ومكتسباته، وعدم الإساءة لإنجازاته ونسيجه المجتمعي».

ونبه إلى أن التطورات الإقليمية رتبت تحديات أمنية غير مسبوقة تتصدى لها القوات المسلحة الأردنية وجميع المؤسسات الأمنية، مطالبا الحكومة الجديدة بـ«الاستمرار في تقديم الدعم لجميع منتسبي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الساهرة على أمن واستقرار الوطن».

وأشار إلى أنه «منذ اندلاع الأزمة السورية وتطور الأحداث المؤسفة، عقد الأردن العزم على المضي في تحمل مسؤولياته القومية والإنسانية تجاه الأشقاء السوريين الذين أجبرتهم الظروف على اللجوء إلى الأردن»، ووجه الحكومة الأردنية الجديدة في هذا السياق إلى «الاستمرار في توفير كافة أشكال الدعم لهم ضمن الإمكانات المتاحة، وتكثيف الاتصال مع المنظمات الدولية المختصة والمجتمع الدولي من أجل توفير الدعم المادي والإغاثي اللازمين لتحسين مستوى الخدمات والرعاية المقدمة للاجئين السوريين، ولتفادي تفاقم الوضع الإنساني لمخيمات اللاجئين على أعتاب فصل الشتاء».

وطالب العاهل الأردني الحكومة الجديدة بـ«الاستمرار في تعزيز العمل العربي المشترك، ودعم قضايا الأمتين العربية والإسلامية العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية»، مشيرا إلى أن «الأردن أعلن في أكثر من مناسبة ومحفل دولي أن القضية الفلسطينية تتصدر أولويات سياسته الخارجية»، مطالبا الحكومة الجديدة بـ«الاستمرار في تقديم الدعم للأشقاء الفلسطينيين حتى يقيموا دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشريف».