محمد إبراهيم: الأحزاب الإسلامية التي وصلت للحكم على ظهر الثورات يجب أن تحافظ على الديمقراطية التي أتت بها

رئيس مؤسسة «مو إبراهيم» لـ«الشرق الأوسط»: الشعور بالإحباط واليأس هو الذي أخرج الشباب العربي للشوارع

د. محمد إبراهيم
TT

قال د. محمد إبراهيم، رئيس مؤسسة «مو إبراهيم» الذي التقته «الشرق الأوسط» في لندن على هامش الإعلان عن الجائزة إنه على الأحزاب الإسلامية التي وصلت للحكم على ظهر الثورات الشعبية أن تحافظ على الديمقراطية التي أتت بها إلى الحكم، وأضاف: أنه «لا يفترض أن تدير ظهرها وتبدأ محاولة إيجاد طرق للاستمرار في الحكم، لأن ذلك سيعني وكأننا استبدلنا نظاما ديكتاتوريا بآخر ديكتاتوري» وأضاف: «يجب عليهم الالتزام التام بالديمقراطية وعدم تكميمهم للأفواه وهذه مهمة المجتمع المدني الذي مهمته مراقبة هذا». وأبدى محمد إبراهيم تفاؤله عن وضع البلدان التي شهدت الثورات وقال: «أعتقد لو ذقنا الديمقراطية وتعلمنا دروسها سنتقدم، ونسير إلى الأمام». وحول الجماعات المتشددة التي ظهرت في بلدان الثورات وخلايا القاعدة فيها قال، إن «مواجهة الإرهاب أمر ضروري بالطبع، لكن المشكل من قبل ذلك هو الحكم الديكتاتوري، نحن نريد أن نجد طرقا الآن للتعامل مع هؤلاء الإرهابيين والمتشددين من دون قمع لبقية الناس». وفي ما يلي نص الحوار:

* هل تعتبرون أن القائد هو الذي يصنع شعبا أم الشعب هو الذي يصنع القائد؟ خاصة بعد أحداث الربيع العربي وما حدث في تونس ومصر وليبيا؟

- دور الفرد وبالذات في الموقع القيادي مهم، كما يجب أن لا نغفل عن دور الفرد في صنع الثورة أو في التقدم أو القائد الملهم للشعب، لكن يجب أن نكون حذرين أيضا من أن يتحول هذا إلى عبادة أو تقديس للفرد، لذا يجب الابتعاد عن هذا الأمر. وما نريد أن نحققه هو التوازن بين الاثنين، وما يهمنا هو ما تظهره المؤشرات فهي المقاييس الحقيقية لتقدم أي دولة وتطورها أما دور الفرد فهو من يحدده، والقائد المميز هو الذي يتعين عليه أخذ قرارات صعبة أحيانا. يعني عندما تمتلك السلطة وتجلس على كرسي الحكم فتقديم تعدد الأحزاب بشكل ديمقراطي يعتبر أمرا مهما.

* حسب تقريركم الذي أصدرتموه سنة 2006 بدا تراجع في النمو لعدد من الدول في شمال أفريقيا خاصة منها تونس وليبيا والجزائر ومصر، هذه الدول هل كان من أسباب التراجع أن يسقط القائد، وهل يمكن للقائد أن يصنع دولة، وهل يمكن أن يسقط نفسه بسوء أدائه؟

- بالتأكيد هذا كلام صحيح، شمال أفريقيا وضعها غريب نوعا ما مقارنة بأفريقيا، التعليم مثلا والصحة في شمال أفريقيا يعتبران جيدين جدا، فلديهم من أرقى المدارس والجامعات هناك، لكن في المساهمة في مسائل حقوق الإنسان والفساد وغيرها من المسائل الحساسة لهم مردود ونتائج متردية جدا، فهم يتمتعون بعدد هائل من الموارد البشرية المتعلمة وبمستويات عالية، فنسبة الأمية في تونس تقريبا صفر، ولهم عدد كبير من الحاصلين على الشهادات العلمية العالية، ولكن لا فرص عمل متوفرة. وذلك بسبب الفساد في مثل هذه البلدان وهذا بالتأكيد ما رأيناه بعد أعوام قليلة، فالناس ينزلون للشوارع للمطالبة بحقوقهم، مثل حق العمل وغيره. وهذا هو شكل عدم التوازن الذي أعنيه. وعندما تكون الأمور غير متوازنة فهذا يحدث بالتأكيد ضغوطا في المجتمعات وأنسجتها وهذا ما يخلق كثيرا من المشاكل.

وقبل عام عندما بدأت الثورة في تونس اتصل الناس بنا وقالوا إن تونس رقم 8 في «المؤشر» وتعتبر من الدول الأفريقية ذات النمو المرتفع، وطلبوا توضيحا عن حقيقة المشكلة، وما الذي دفع الناس للخروج للشوارع؟ وعندما عدنا لـ«المؤشر» ولترتيب تونس أجبنا بنعم هم متقدمون تنمويا لأنك عندما تنظر إلى المستوى التعليمي للشعب والخدمات الصحية تجدها حسنة وممتازة، ومسألة حقوق المرأة مرتفعة ومتقدمة أيضا.

* إذن ما الذي أخرج الناس إلى الشوارع في الثورة التونسية، سلوك القائد؟

- بالتأكيد سياسات القائد لعبت دورا، خاصة منها الفساد، وعدم تطوير إيجاد فرص العمل للناس، كل هذا خلق الشعور بالإحباط واليأس للشباب وهذا ما أخرجهم للشوارع. وعندما حدث هذا قلنا دعنا ننظر إلى بقية الدول في شمال أفريقيا والتي كان موقعها الأسوأ في مسألة تحقيق التوازن، وكانت على رأسها مصر وليبيا، وبعدها رأينا الناس يخرجون لميدان التحرير، كما شهدنا قيام الثورة الليبية. ونظرنا للمؤشرات وتوقعنا الثورة.

* هل تتوقعون ثورة في الجزائر حسب مؤشراتكم؟

- نحن لا يمكننا التوقع، لكن نرى أيضا عدم التوازن في الجزائر، ولكن ما قد يحدث فيعود للجزائريين أنفسهم وحكومتهم؟

* في الدول العربية نؤمن بدور القائد، لكن جاءت الثورات بمثابة المفاجأة فلم يكن شخص بديل، أي هو من قاد الثورات ليسقط النظام ويصعد هو، ويبرر البعض حالة الفوضى حاليا بغياب القائد البديل الذي يتمتع بكريزما القيادة، هل تتوقعون استمرار حالة الفوضى في هذه الدول؟ - ما جرى في شمال أفريقيا هو موجة من الغضب الشعبي لها أسبابها الواضحة، لكن ماذا بعد؟ أول شيء واضح هو غياب الديمقراطية، ولا أحد يقول إن الديمقراطية سهلة أو جيدة لكنها ديمقراطية، في مصر مثلا حيث ترتفع نسبة الأمية لـ40 في المائة مثلا ماذا تنتظر؟

* ألا ترون أن مصر تعيش حالة من الديمقراطية حتى بعد الانتخابات التي كانت شرعية حسب شهادات الجميع؟

- أنا أرى أن علاج الديمقراطية هو مزيد من الديمقراطية؛ لأن الناس تتعلم من الديمقراطية وممارستها، الآن هم صوتوا وسيرون نتائج التصويت وما الذي سيحدث، وستكون لهم فرصة أخرى للتصويت وسيصوتون بشكل مختلف في المستقبل، هذه هي الديمقراطية في النهاية، الناس يتعلمونها.

* تعتبرون إذن الديمقراطية تمرين متواصل؟

- بالتأكيد فلا يمكن بين يوم وليلة أن ننتقل من أنظمة شمولية، وأنظمة ديكتاتورية أن نتحول إلى ديمقراطية رائعة ومكتملة، الأحزاب المدنية المختلفة ما زالت في مراحل التكوين، وهي ليست تابعة لمنظمات ولا عندها تمويل، والحزب الوحيد المنظم والممول في مصر هو حزب الإخوان المسلمين، وهذا ما تسبب في عدم التوازن في العملية الديمقراطية. وهذا ما نراه عندما يكون هناك حزب واحد متمرس بالعمل السياسي ويتميز بالتمويل المكثف ثم نرى الأحزاب الأخرى مبعثرة ومشرذمة، فالشباب الذين رأيناهم في التحرير أسسوا تقريبا 30 أو 40 حزبا، وكنت في القاهرة وسألتهم ما الفرق بينكم بالضبط، تقولون 30 حزبا فما الفرق بينكم؟ وكان من المفترض أن تكونوا مع بعضكم وتؤسسوا تيارا ليبراليا مختلفا، وهذه كانت المشكلة وهي شرذمة الليبراليين والذين انهزموا وكما ذكرت الديمقراطية ممارسة وأعتقد أن العبرة على المدى البعيد.

* هل تعتقدون أن الأحوال ستتحسن على المدى البعيد؟

- نعم إن شاء الله وأعتقد لو ذقنا الديمقراطية وتعلمنا دروسها سنتقدم، ونسير إلى الأمام، الواقع الآن أن هناك حرية للصحافة، للرأي، للمرأة كل هذه الأشياء كان الناس يفتقدونها في شمال أفريقيا، ويجب أن يحافظوا عليها ومن المهم جدا أن الأحزاب الإسلامية التي وصلت للحكم على ظهر الثورات الشعبية أن تحافظ على الديمقراطية التي أتت بها إلى الحكم، ولا يفترض أن تدير ظهرها وتبدأ محاولة إيجاد طرق للاستمرار في الحكم، يعني سيكون ذلك، وكأننا استبدلنا نظاما ديكتاتوريا بآخر ديكتاتوري، يجب عليهم الالتزام التام بالديمقراطية وعدم تكميمهم للأفواه وهذه مهمة المجتمع المدني الذي مهمته مراقبة هذا، وأنا متفائل.

* هناك أمر يخيف الكثير من الليبراليين خاصة في شمال أفريقيا وهو دخول السلفيين على الخط، خاصة التيار المتشدد، ويدور حديث حتى حول وجود خلايا للقاعدة في هذه الدول، ما رأيكم في هذا الأمر؟ - السلفيون لم يأتوا من القمر، وفيهم جماعات متشددة، ومنها القاعدة، وهي مشاكل نواجهها ويجب أن يتم التعامل معها.

* هل تستوجب العودة للديكتاتورية لإمكانية التعامل معها؟

- مواجهة الإرهاب أمر ضروري بالطبع لكن المشكل من قبل ذلك هو أن الحكام الديكتاتوريون، أو العسكر الديكتاتوريون، كانوا يقمعون الجميع تحت غطاء أنهم يواجهون الإرهاب، وهذا غير مقبول، نحن نريد أن نجد طرقا الآن للتعامل مع هؤلاء الإرهابيين والمتشددين من دون قمع لبقية الناس.

* لو كانت جائزتكم بدأت منذ زمن أطول هل كنتم تختارون أحد القادة العرب في الماضي ومن كان سيكون مثلا بومدين، جمال عبد الناصر، الحبيب بورقيبة..؟

- أنا لست عضوا في لجنة الجائزة، عبد الناصر كان رجلا نظيفا مات ويده نظيفة، وعبد الناصر كانت له فرصة تاريخية أن يقدم الديمقراطية في مصر لكن لم يقم بذلك؛ لأنه كانت له الشعبية والجماهيرية التي تخول له كسب أي انتخابات، لكنه لم يفسح المجال للديمقراطية، وأتساءل مما كان خائفا؟ وأرى أن هذه المشكلة أخرت مصر كثيرا. فلو قدمها وقتها لكان الوضع مختلفا، وطبعا هذا رأيي الشخصي وليس رأي «مو إبراهيم» كمؤسسة. ولا أنكر أنه لعب دورا وطنيا مثل تأميمه للقناة وغير ذلك من الأمور، والحقيقة أنه مات ويده نظيفة.