عشية الأضحى: غياب مظاهر العيد في دمشق

الشوارع يحتلها العسكر.. وينتشر فيها الشبيحة والمتسولون

رجل يجلس وسط حطام منزله الذي قالت المعارضة إن النظام دمره في منطقة سقبا بدمشق (رويترز)
TT

«ربما علينا التذكر أن اليوم هو وقفة عيد الأضحى.. العيد غدا».. هكذا قال سائق التاكسي لزبونه الذي صعد من منطقة الصالحية ليقله إلى منزله في العفيف، بعد أن تأفف الزبون مستغربا الازدحام الكبير في أسواق الصالحية والحمرا والشعلان والطلياني وسط العاصمة.

أما في الأسواق الأخرى القديمة، التي عادة ما تكتظ بالمتسوقين فترة الأعياد، كسوق الحميدية والحريقة، فقد جرى إطلاق نار أثار حالة من الذعر وسط الناس، وتم إغلاق المحلات بعد وصول أعداد كبيرة من قوات الأمن.. لهذا أكد السائق أن «منطقة الصالحية والحمرا هي الوحيدة في العاصمة التي تشهد ازدحاما؛ وكأن السكان جميعهم تكدسوا هنا». الزبون الكهل رد على السائق بمرارة: «أي عيد يا رجل.. هذا ليس عيدا.. وهذه ليست الشام».

لا شيء يشير إلى العيد في سوريا عموما، سوى أغنية كاظم الساهر «عيد وحب والليلة الناس معيدين»، التي بثها يوم أمس التلفزيون الرسمي، والتهاني التي تلقاها الرئيس بشار الأسد بحلول العيد من القاضي الشرعي الأول بدمشق ووزير الأوقاف ومفتي الجمهورية.

وبجولة على تلك الأسواق يلاحظ أن غالبية الناس نزلت للتسوق حاجات يومية أساسية، لا حاجات العيد.. وقالت سيدة كانت تشتري لحما وخضراوات وخبزا من سوق الشعلان، إنها تريد شراء بعض الأشياء الضرورية «لأن البلد ستدخل في عطلة قد تستمر أسبوعا، بغض النظر عن العيد»، الذي تعتبره مناسبة حزينة لها ولعائلتها وللبلد، كون أولادها وأحفادها صاروا بالخارج، وابن شقيق زوجها معتقلا، وأحد أفراد العائلة قتل الشهر الماضي في ضواحي دمشق.

بائع السكاكر والموالح أشار إلى أن حركة البيع تراجعت بأكثر من 75 في المائة مقارنة بالأعياد السابقة، ويقول: «لولا وجود الأطفال، ما بعنا بقرش سوري واحد.. فالناس تشتري السكاكر بخجل.. وأول كلمة يقولونها: نحن لسنا محتفلين؛ ولكن من أجل الأطفال».

في أسواق الصالحية والحمرا والطلياني، أكبر أسواق الألبسة والأحذية في العاصمة، يقف أصحاب المحالات وعمالهم على الأبواب ينظرون بحسرة إلى زبائن يقبلون على بسطات افترشت مساحات واسعة من الأرصفة وحوت بضائع من كل الأصناف. فثمة سوق طارئة نشأت داخل السوق وطغت عليها، وعطل حركة البيع المعطلة بالأساس بسبب شح البضائع جراء الانفلات الأمني وقطع طرق المواصلات، وأيضا بسبب إغلاق معظم ورش الخياطة والصناعة في ريف العاصمة الساخن.

أما أكوام البضائع المكومة على الأرصفة، ويبيعها أشخاص يقال إنهم ينتمون لقوات الأمن والشبيحة، فغالبيتها من مسروقات المداهمات الجارية في ريف دمشق، حيث تتركز معظم المنشآت الصناعية الصغيرة، التي تغذي أسواق المدينة بالبضائع المحلية الصنع.

ويقول شاب عمره 27 عاما، فضل أن ندعوه «خالد» كاسم مستعار، وهو عامل في محل ألبسة نسائية: «إنهم يقطعون أرزاق التجار في السوق ويبيعون مسروقات، معظم تلك الألبسة الجاهزة من ورش حرستا ودوما وعربين وعين ترما وزملكا. أما الملابس المستعملة، فمن مسروقات المنازل».

ويشير إلى أن «مصنعين صغيرين في ريف دمشق، كنا نشتري بضائعنا منهما، احترقا. واليوم أرى منتجاتهما على البسطات».

ويتابع خالد بانزعاج بالغ: «عندما بدأت العمل في محل عمي في سوق الصالحية منذ 7 سنوات كانت هذه المنطقة هي الأنظف والأرقى في كل أسواق الشام، الآن تحولت إلى أقذر منطقة بسبب أصحاب البسطات، أكاد لا أصدق أن ساحة عرنوس وشارع الطليان والباكستان باتت مثل كراجات انطلاق الهوب هوب، التي تعد في بلادنا المناطق العامة الأكثر قذارة بسبب البسطات والشبيحة».

وعن الازدحام الذي تشهده هذه الأسواق دون غيرها، قال خالد إنها المناطق الهادئة بسبب كثرة المقرات الأمنية فيها، حيث تكثر الحواجز ولا تزال قبضة النظام هنا شديدة.. والتجار يفتحون محلاتهم، والناس تفد إلى المنطقة من كل الأنحاء لأن كل مناحي الحياة تعطلت في المناطق الأخرى.

ويضيف خالد: «بالنظر إلى حجم المناطق المعطلة، فإن الازدحام يجب أن يكون أضعاف ما يبدو عليه الأمر»، ويتابع: «ما من عائلة سورية لم تنكب، إما بفقد أحد أبنائها - إن لم نقل أكثر من شخص - أو عانت التشرد أو فقدان مصدر الرزق.. فمن يحتفل بالعيد؟».

جار خالد واسمه همام، هو بائع ملابس للعرائس. يقول: «اعتدنا البيع بكثرة خلال عيدي الفطر والأضحى، إذ إن معظم مناسبات الخطوبة والزواج تتم في هذين العيدين. لكن هذا العيد الثالث الذي تستمر مبيعاتنا بالتراجع فيه لدرجة أننا بتنا نفكر بتغيير المصلحة (النشاط). الناس صارت تتزوج دون احتفالات، ولم تعد تشتري ملابس أفراح»، كما أن صناعة ملابس الأفراح قلت كثيرا عن السابق بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية في البلاد.

ويتابع همام أن «أسواق الشام لم يعد للتجار فيها مكان.. لقد تقاسمها أصحاب البسطات والمتسولون ورجال الأمن والشبيحة».

وبالفعل، على غير ما درجت العادة في الشام، تفاقمت ظاهرة التسول على نحو لافت في شوارع العاصمة. وتزداد أيام الأعياد. ففي كل شارع هناك العشرات من المتسولين الذين يأخذون أماكنهم على الأرصفة إلى جانب أصحاب البسطات، ويستجدون المارة بعرض أحوالهم المأساوية على مدار الساعة، مثل: «أطعم أيتاما.. فقدت بيتي.. فقدت عائلتي وأنا مشرد.. على حب النبي ساعدني».

وغالبية المتسولين نساء يحملن أطفالا رضع، وقد تتجاوز طلباتهن قطعة نقود إلى طلب ملابس قديمة أو خبز أو حليب للأولاد. همام يقول: «السير في شوارع دمشق بات مضنيا، فأنت تتعرض لابتزاز إنساني لمشاعرك بسبب كثرة المتسولين، في وقت تعاني أنت فيه من ضيق ذات اليد، ولا تجد ما تقدمه لهؤلاء. بل يصعب عليك التمييز بين المحتاج فعلا والمتسول التابع لعصابة مرتبطة بالأجهزة الأمنية. ويضاف إلى ذلك انتشار الجيش والأمن والحواجز عند كل ناصية.. الحياة في دمشق باتت خانقة جدا، ويزداد الإحساس بالضيق في مناسبات الأعياد، لأنه يذكرنا بأن مدينتا (يوما بعد آخر) تفقد جمالها»، ويغص همام بانفعاله: «حتى صلاة العيد بتنا نخشى المشاركة فيها، يوم أمس احتجزنا في المسجد، وكل من كان مواليد غير مواليد المنطقة تم اعتقاله».

ومع حلول عيد الأضحى، أصدر ناشطون في شبكة أخبار الشباب آخر إحصائيات الثورة، التي تشير إلى أن عدد القتلى من المعارضين تجاوز 40476، عدد الأطفال فيهم بلغ 3113 بينما الإناث 3303، والأشخاص العسكريون 3850. أما الذين قضوا تحت التعذيب في معتقلات النظام فهم 1168، وذلك إضافة إلى المفقودين 76000، والمعتقلين 216000.. بينما بلغ إجمالي عدد اللاجئين منذ بداية الثورة أكثر من 354239، يتوزعون في تركيا: 100363، وفي لبنان: 101283، وفي الأردن: 105166، وفي العراق: 41955، وفي دول شمال أفريقيا: 5562.

* تتحفظ «الشرق الأوسط» على اسم مراسليها في دمشق حفاظا على أمنهم الشخصي