المالكي يلغي صفقة السلاح الروسي بسبب الفساد.. والناطق باسم حكومته لـ «الشرق الأوسط»: لا صلة لي بها

مصدر روسي يصف الإلغاء بـ«هراء قانوني».. ولجنة الأمن بالبرلمان العراقي تعتبر سياسة التسليح كلها مشبوهة

سعدون الدليمي وزير الدفاع العراقي وكالة يتحدث في مؤتمر صحافي في بغداد أمس عن صفقة السلاح مع روسيا (أ.ف.ب)
TT

تضاربت تصريحات كبار المسؤولين العراقيين أمس عن مصير صفقة السلاح مع روسيا بين تأكيد مستشار لرئيس الوزراء إلغاءها إثر شبهات فساد، ونفي وزير الدفاع وكالة ذلك، فيما نفى الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية صلته بأي شكل من الأشكال بهذه الصفقة، مستغربا الزج باسمه فيها.

وأكد علي الموسوي مستشار رئيس الوزراء أن «الصفقة ألغيت»، موضحا لوكالة الصحافة الفرنسية أن المالكي قرر «بعد عودته من السفر (من موسكو) ونظر إلى بعض شبهات الفساد التي شابت الصفقة، قرر إلغاءها وإعادة النظر بصورة كاملة، ابتداء من التعاقد والأسلحة ونوعيتها، إلى اللجنة المشرفة على العقود».

في المقابل أكد وزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي أن الصفقة لم تلغ، وقال: «إذا كانت هناك شبهات أتحملها شخصيا». وأوضح الدليمي في مؤتمر صحافي: «لم نذهب إلى شركة خاصة أو وكيل أو طرف، الوفد تفاوض مع الروس، وعدنا ومعنا عروض مالية وفنية، وعندما تأتي وزارة الدفاع بعروض تذهب إلى لجنة التسليح وهي من يبت بالأمر». وأضاف أن «هذه اللجنة لم تبت بالأمر حتى الآن، لم تقل وافقنا أو رفضنا، أؤكد لم يكن هناك توقيع عقد، ولم نحول دينارا، ولم نتفق بشكل نهائي، وإنما عروض مثلها مثل غيرها». وتابع: «أقول لهؤلاء الذين أثاروا هذه الضجة لن تثنونا عن أن نكون أقوياء.. أقول لمن يسعى لإيقاف هذه الصفقة إنها لن تتوقف أبدا». وأشار الدليمي إلى أن «الوفد الذي زار موسكو يضم قائد الدفاع الجوي وقائد القوة الجوية ومسؤولين آخرين»، مشيرا إلى أن «رئيس الوزراء منزعج شخصيا ويدرك ما هي النوايا وراء هذه الضجة». وحول شبهات الفساد قال: «إذا كانت هناك شبهات، فأنا مسؤول أمام الله وأمام القانون»، مشيرا إلى ترؤسه الوفد المفاوض مع روسيا.

وتوضيحا لهذا اللغط اتصلت «الشرق الأوسط» بالموسوي الذي أكد أن «الصفقة الحالية ألغيت من حيث المبدأ، ولكن الحاجة إلى السلاح الروسي تظل قائمة، وسيتم التعاقد وفق آلية جديدة ولكن ليس بالضرورة على نفس الأسلحة، وستكون المفاوضات تحت إشراف المالكي شخصيا».

وفي حين أكد الموسوي أن «رئيس الوزراء قرر فتح تحقيق» في شبهات الفساد، رافضا الكشف عن اسم أي مسؤول متورط في هذا الملف في الوقت الحالي، فإن الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ قال في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إنه «يستغرب أشد الاستغراب الزج باسمه في هذه الصفقة، وهو بعيد عنها تماما». وقال الدباغ: «إنني أطالب رئيس الوزراء بإجراء تحقيق شامل عن ملابسات صفقة السلاح مع روسيا ونشر النتائج تبرئة لاسمي»، مؤكدا أن اسمه «تم تداوله في هذه الصفقة ظلما وكيدا».

وكانت روسيا أعلنت خلال زيارة المالكي لموسكو في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أنها وقعت مع العراق عقود تسلح بقيمة تفوق 4.2 مليار دولار. والثلاثاء الماضي أفاد بيان صدر عن الحكومة الروسية بأن وفودا عراقية قامت بزيارات عدة إلى روسيا هذه السنة بهدف التفاوض على سلسلة عقود تسلح وقعت خلال النصف الثاني من عام 2012. وأضاف البيان أن «أعضاء الوفد اطلعوا على الإنتاج العسكري الروسي وبحثوا اقتراحات تقنية وتجارية لتسليم معدات روسية مع ممثلي (روسوبورون - إكسبورت)، ووقعوا سلسلة عقود بقيمة تفوق 4.2 مليار دولار». وكانت صحيفة «فيدوموستي» الروسية ذكرت قبل زيارة رئيس الوزراء العراقي أن الصفقة تشمل خصوصا 30 مروحية هجومية من طراز «مي - 28، و42 بانتسير - إس1»، وهي أنظمة صواريخ «أرض - جو».

إلى ذلك، وفيما لم تعلق الحكومة الروسية رسميا بعد على قرار إلغاء الصفقة التي أبرمت في وقت سابق من هذا العام خلال زيارة الدليمي لروسيا ومباحثاته مع ممثلي مؤسسة «روسوبورون - إكسبورت» المعنية بصادرات السلاح والمعدات العسكرية الروسية، فإن مصدرا في هذه المؤسسة اعتبر أن إعلان العراق عن إلغاء الصفقة يثير الكثير من الأسئلة أكثر مما يجيب عليها. ونقلت وكالة «ريا نوفوستي» الروسية للأنباء عن المصدر الذي لم يكشف عن هويته، أن «مزاعم الفساد المفترضة لم تكن أبدا ولا يمكن أن تكون أساسا لإبطال العقود، وخاصة في مجال التعاون العسكري التقني»، مضيفا أن ذلك التصرف يمكن وصفه بأنه «هراء قانوني». وأضاف: «على أقل تقدير، يجب علينا أن ننتظر توضيحا من الجهات العراقية الرسمية يفسرون فيه نواياهم».

وقد جاءت هذه الأنباء مواكبة لانفجار قضايا فساد في عدد من المؤسسات التابعة لوزارة الدفاع الروسية أطاحت بوزير الدفاع أناتولي سيرديوكوف وعدد من نوابه، ومنهم رئيس أركان القوات المسلحة، فيما عرف بأكبر عملية تطهير طالت أروقة هذه المؤسسة العسكرية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. ورغم أن وزارة الدفاع الروسية ليست مخولة عقد أي صفقات عسكرية، فإن ما يجرى اليوم بين جنباتها من تغييرات وتطهير بإيعاز مباشر من جانب الرئيس فلاديمير بوتين، يفيد بأن الكرملين يتخذ موقفا أكثر جدية تجاه ملاحقة الفساد في مختلف مؤسسات الدولة.

من جهته، أكد عضو البرلمان العراقي عن التحالف الكردستاني وعضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية شوان محمد طه، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «إلغاء الصفقة إنما هو مؤشر واضح لعدم دقة ومهنية الحكومة في إبرام عقود وصفقات التسليح مع مختلف دول العالم التي جرى الاتفاق معها على التسلح». وأضاف طه أن «الحكومة لا تسمح لا للجنة الأمن والدفاع ولا النزاهة بالمشاركة أو الاطلاع على هذه العقود، وهو ما يجعلنا بمثابة شهود لم نر شيئا إلا ما يكشف عبر وسائل الإعلام». وأوضح طه أن «هذا العقد كان منذ البداية مشبوها، وقد تم تشخيص ذلك، وأن الفضل في كشفه لا يعود لأية جهة عراقية، وإنما الروس هم الذين كشفوه ودفع وزير دفاعهم الثمن، بينما عندنا فإن من يدفع الثمن دائما هو المواطن». ودعا طه «الدول الأخرى التي لدى العراق عقود تسليح معها إلى إعادة النظر بتلك العقود ومراجعتها»، مشيرا إلى أن «لجنة الأمن والدفاع لديها ملاحظات على السياسة التسليحية لما فيها من شبهات فساد».

وكان المالكي قبل يومين من إلغائه الصفقة أكد أن السلاح الأميركي سيكون الهيكل الأساسي في تسليح الجيش العراقي. وقال المالكي خلال لقاء تلفزيوني نشر على موقع رئاسة الوزراء، إن «العراق ينتهج سياسة الأبواب المفتوحة في علاقاته الخارجية مع دول العالم»، مبينا أن «العراق يعمل على أن يكون السلاح الأميركي هو الهيكل الأساسي في تسليح الجيش العراقي».