الناس في دمشق يعيشون معاناة بين صعوبة التموين والتنقل

النظام يطبق على منافذ العاصمة.. والقصف يصعد حالة الرعب فيها

TT

لم يتمكن ماجد. ن من الوصول إلى دمشق يوم أمس آتيا من ضاحية قدسيا - غرب - فلدى وصوله إلى الحاجز قال له الجنود إن الطريق إلى العاصمة مغلق، صباح أمس السبت، والذي هو يوم عطلة يستغله لإنهاء بعض الأمور الضرورية في المدينة.

ماجد. ن مهندس 35 عاما كان على موعد مع خطيبته المقيمة في مدينة أشرفية صحنايا - جنوب -، هي أيضا لم تتمكن من الوصول إلى دمشق لأن مداخل العاصمة الجنوبية كانت مغلقة أيضا ولم يسمح حتى للمارة سيرا على الأقدام من عبور حاجز الأشرفية، مع انتشار كثيف لقوات الأمن والشبيحة وما يعرف باللجان الشعبية، حسبما أخبرت خطيبها.

ويقول ماجد: «كنا ننوي إتمام عقد إيجار المنزل الذي سنسكنه وسط العاصمة بعد الزواج، وتهيئته للسكن لكن يبدو أن موعد الزواج هو أيضا سيؤجل، فمنذ ثلاثة شهور ونحن لا نجد وقتا لا للقاء ولا لترتيب بعض الأمور الأساسية والتي من المؤكد لا تشمل حفل عرس صغيرا؛ حتى هذا تم الاستغناء عنه». عندما تغلق المداخل الجنوبية للعاصمة وبالأخص أوتوستراد درعا الذي يصل أيضا بين دمشق وأشرفية صحنايا وصحنايا وداريا والكسوة ومن ثم محافظة درعا، فإن كل تلك المناطق والتي تؤوي آلاف النازحين من داريا والأحياء الجنوبية الساخنة تحرم من وصول الخبز والخضار والفواكه الذي يأتي من أسواق وأفران العاصمة، وبالعكس فإن أسواق العاصمة تحرم من اللبن والحليب وبعض أنواع الغذائيات التي ترد من تلك المناطق.

ويقول ماجد إن أهل خطيبته وبسبب تعرضهم لعدة مرات لانقطاع الخبز، خزنوا طحينا وبطاطا ومثلهم يفعل غالبية سكان صحنايا التي تعد من المناطق الهادئة، إلا أن أزمة طحين بدأت بوادرها تظهر في البلاد مع تنامي حالة قطع الطرقات وصعوبة نقل المواد الأساسية إلى كل المناطق وارتفاع الأسعار على نحو كبير الأسبوع الماضي مع ارتفاع سعر الدولار واضطراب السوق. حيث تعيش مدينة دمشق وريفها منذ أكثر من أسبوع في مهب ما يتردد عن اقتراب موعد بدء معركة دمشق، وساهم في ترويجها تصاعد حدة الاشتباكات في الأحياء الجنوبية؛ التضامن والحجر الأسود ومخيم اليرموك وسائر مدن وبلدات الغوطة الشرقية، وسط قصف مدفعي وجوي متواصل من قبل قوات النظام على تلك المناطق، كما راجت عبر صفحات «فيس بوك» و«تويتر» تحذيرات لسكان العاصمة بالابتعاد عن المقار الأمنية وتخزين المؤن وذلك لعزم الجيش الحر الدخول إلى دمشق لشن هجمات على مواقع تمركز قوات النظام والأمن والشبيحة، دون أن تتبنى تلك التحذيرات جهة واضحة، وكان آخر الشائعات تحديد اليوم الأحد موعدا لبدء الهجمات بعد تسلل آلاف المقاتلين من ريف دمشق إلى قلب العاصمة.

وكان لافتا صباح يوم أمس بحسب ما قاله الناشط أحمد الدمشقي أن معظم الحواجز على مداخل دمشق الشمالية والغربية أن كل عناصر الجيش والأمن من الطائفة العلوية بحسب ما تشير لهجتهم التي يميزها السوريون جيدا، مشيرا إلى أن تلك الطرق تمر في محيط قصر الشعب والقطع العسكرية في الهامة وقدسيا والصبورة ولفت إلى أنه «عادة يكون العناصر من طوائف مختلفة بينما رئيس الحاجز علوي» لكن يوم أمس السبت بدا أن «الجميع على الحاجز من العلويين والشبيحة الأفظاظ».

كما أغلقت المداخل الشرقية للعاصمة وطريق برزة عش الورور طوال يوم أمس. بالإضافة إلى إغلاق كل مداخل حي برزة. وطريق التل حرستا، وحي الميدان وحي نهر عيشة من جهة أوتوستراد درعا.

ووسط المدينة لا سيما في محيط قصر المهاجرين كان التفتيش دقيقا، كما تم إغلاق كل الطرق «المؤدية إلى حي مزة 86 حيث يتركز أبناء الطائفة العلوية من العمال والموظفين والفقراء»، وكذلك حي ركن الدين في الصالحية الذي ترافق إغلاقه مع حملة اعتقالات في حارة الشيخ خالد والحارة الجديدة وفي المناطق المتداخلة مع الصالحية. وجرى أيضا إغلاق شارع بغداد ذهابا حتى موقف المعرض، وهو أحد أهم الشوارع الرئيسية، كما منعت السيارات من الخروج من طريق سيرونيكس القريب من حرستا وأجبرت على المرور من حاجز السمان في حي القابون. بالإضافة إلى ذلك تم منع حركة الدخول والخروج حتى باصات طلاب الجامعات عادت من حيث أتت. وبعض الحواجز كانوا يحذرون المضطرين للدخول إلى العاصمة لا سيما من جهة مشروع دمر وقدسيا أن العودة غير مضمونة.

إلا أنه بعد الظهر تم فتح بعض الطرق للخروج من دمشق دون السماح بالدخول إليها.

وترافق ذلك الاضطراب والتأهب الأمني الكبير مع تحليق كثيف للطيران الحربي في أجواء العاصمة طوال يوم أمس، مع سماع دوي قصف مدفعي عنيف على الأحياء الجنوبية والغوطة الشرقية.

بدت دمشق يوم أمس مدينة شبه مغلقة تماما، وكأنها رهن الاعتقال التعسفي، ويقول عامر الذي يسكن حي التجارة ويملك محلا تجاريا في منطقة يلدا إن السير في شوارع دمشق بات «مخاطرة» أما عن محله في يلدا حيث يسيطر الجيش الحر فيقول «هناك المصيبة الكبرى» فالشوارع الرئيسية يسيطر عليها جيش النظام أما الشوارع الفرعية فهي للجيش الحر وعلى الذاهب إلى هناك أن يحفظ خريطة الحواجز، ويقول: «إحدى المرات أضعت الطريق بسبب إغلاق بعض الأزقة والحارات فوجدت نفسي من حيث لا أدري في بلدة البويضة حيث تجري اشتباكات بين الجيش النظامي والجيش الحر، فارتأيت العبور إلى الطريق العام الذي كان فارغا تماما وساكنا وما إن اجتزت بالسيارة مسافة خمسين مترا بعد المفرق حتى سقطت قذيفة قريبا مني، وكأنها قذيفة أطلقها قناص»، ويصف عامر دقائق الرعب تلك بالقول «الموت شخصيا وجها لوجه» فما كان منه إلا أن انطلق بسرعة جنونية نحو أقرب مفرق، وهناك استوقفه حاجز للجيش الحر وعندما تعرفوا عليه وعلى هويته وتبين لهم أنه ليس علويا ولا شيعيا ولا مواليا للنظام أرشدوه إلى مخرج آمن، لافتا إلى أن «الجيش الحر هناك يتعقب الشبيحة والموالين للنظام» وبعد أن وصل إلى طريق عام يسيطر عليه الجيش النظامي توقف لمدة ساعة في الازدحام ريثما ينهي جنود النظام تفتيش السيارات. ويؤكد عامر أنه بعد تلك الحادثة لم يعد يذهب إلى هناك بسيارته وصار يستقل وسائل النقل العام ويضحك عندما يتذكر كيف أنزله سائق السرفيس على بعد 500 متر من المكان الذي يقصده لوقوعه على مفرق ولدى سؤاله عن سبب ذلك أخبره السائق «إن المفارق مسيطر عليها من قبل الجيش الحر وهي هدف دائم لقذائف مدفعيات وطائرات النظام»، ويضيف عامر بسخرية «السوريون تأقلموا مع الأوضاع وباتوا خبراء عسكريين ميدانيين بدءا من طريقة التعامل مع الحواجز وانتهاء بتحديد مناطق الخطر» لذلك يقول إنه لم يهتم كثيرا بالشائعات وإنه لن يسمح لذلك بالحد من حركته لكنه سيستخدم وسائله في وضع خريطة يومية للتحرك في دمشق وريفها، وبالنهاية «الأعمار بيد الله» فهو يجري اتصالات يومية مع أصدقائه في المناطق لمعرفة أحوال الطرق كما يعتمد بشكل أساسي على سائقي وساط النقل العام وحركتهم تشير إلى وضع الطرق أما «فيس بوك» وغيره فهو «كلام علاك». حسب تعبيره.