ميقاتي من باريس: سياسة «النأي بالنفس» في الملف السوري القرار الصائب.. وهولاند يدعمها

مصادر فرنسية لـ «الشرق الأوسط»: ننصح الأكثرية والحكومة بالانفتاح على المعارضة والحوار معها

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لدى استقباله رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في قصر الإليزيه أمس (أ.ب)
TT

توج رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي زيارة العمل الرسمية إلى فرنسا بلقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمس في قصر الإليزيه في ختام الأيام الثلاثة التي قضاها في باريس.

وكانت اللقاءات التي عقدها مع الرؤساء الثلاثة، الجمهورية والحكومة والجمعية الوطنية، ومع وزير الخارجية لوران فابيوس مناسبة لعرض الوضع في لبنان الذي وصفه بأنه «في عين العاصفة» من زاوية المشهد السياسي الداخلي ومن زاوية انعكاسات الأزمة السورية على الواقع اللبناني علما بأن المسؤولين الفرنسيين لا يخفون «القلق» على لبنان واستغلوا مناسبة وجود ميقاتي في فرنسا لمعاودة تأكيد دعمهم لسيادة لبنان واستقراره وحث اللبنانيين على الاستمرار في سياسة «النأي بالنفس» وتحاشي «استيراد» تبعات الحرب في سوريا إلى لبنان.

وفي لقاء نظمته الأكاديمية الدبلوماسية الدولية في باريس مساء أول من أمس وآخر مع الصحافة اللبنانية ظهر أمس في مقر إقامته، شرح رئيس الحكومة اللبنانية طولا وعرضا المشهد السياسي الداخلي في لبنان والجدل القائم بالنسبة لمطالبة المعارضة باستقالته وتشكيل حكومة جديدة وكذلك نظرته لتطورات الوضع في سوريا.

وفي الموضوع السوري، دافع ميقاتي بقوة عن سياسة النأي بالنفس التي وصفها بأنها «القرار الأصعب ولكن الصائب» وأنها «لمصلحة لبنان» ملاحظا أن من كان ينتقدها من العواصم الدولية أخذ الآن يدافع عنها بقوة ويرى فيها «صمام أمان» بالنسبة للبنان باعتبار الانقسام العميق القائم بين اللبنانيين حول طريقة التعاطي مع الملف السوري. ورأى ميقاتي أنه يتعين على لبنان الالتزام بهذا التوجه و«الابتعاد عن المحاور» مضيفا أن اللبنانيين «لن يستطيعوا أن يغيروا أي حرف في سوريا حتى لو أجمعوا على سياسة واحدة». وطالب بإدخال هذا السلوك السياسي في التشريع اللبناني.

وقال ميقاتي للصحافيين في باحة الإليزيه عقب لقائه الرئيس هولاند إنه «لمس» من الأخير «التأييد الكامل» لسياسة النأي بالنفس وهو «يقول (أي هولاند) بالكلمة إنه الموقف العاقل الذي تلتزم به الحكومة اللبنانية ويجب الاستمرار فيه».

وقالت مصادر القصر الرئاسي الفرنسي إن باريس «تريد المحافظة على استقرار لبنان ووحدته وسلامة أراضيه» في ظروف تتسم بالتوترات الإقليمية من سوريا إلى غزة. ووصفت هذه المصادر الوضع اللبناني بأنه «هش»، منبهة من الذين «قد يكونون راغبين باستيراد الأزمة السورية» إلى لبنان ومن النتائج «الكارثية» التي سترتب على أمر كهذا. وذهبت مصادر الإليزيه إلى القول: إنه «يتعين الدفاع عن لبنان» الأمر الذي يعكس مدى القلق الفرنسي من تداعيات الأزمة السورية عليه. وبحسب هذه المصادر، فإن ميقاتي وهولاند «تناولا الحاجة إلى المحافظة على الانسجام الحكومي واستمرار عمل المؤسسات» ما يعكس الموقف الرسمي الفرنسي من موضوع مطالبة المعارضة باستقالة الحكومة. وتشدد باريس على الحاجة إلى تحاشي الفراغ المؤسساتي وهي لا ترى مانعا من حصول تغيير حومي شرط التفاهم عليه.

وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس شجعت رئيس الوزراء اللبناني على «الانفتاح على المعارضة» وعلى «الحوار معها». وبحسب قصر الإليزيه، فإن المسؤولين تناولا موضوع الحوار الوطني الذي تدعمه فرنسا وما يمكن أن يفضي إليه من نتائج.

واختلى رئيسا الجمهورية والحكومة لمدة عشر دقائق في نهاية اجتماع الإليزيه الذي دام أقل من ساعة حضره وزراء الاقتصاد نقولا نحاس والإعلام وليد الداعوق والشباب والرياضة فيصل كرامي والسفير اللبناني في فرنسا بطرس عساكر والمستشاران جو عيسى الخوري ومصطفى أديب.

وكان الموضوع السوري حاضرا في كل لقاءات ميقاتي وتصريحاته. وشرح الموقف اللبناني إزاءه وهو، إلى جانب النأي بالنفس، يقوم على الدعوة إلى وضع حد للعنف في سوريا ودعم الشعب السوري والدعوة إلى حل سياسي. لكن ميقاتي رفض الانجرار لما ستكون عليه تبعات الأزمة السورية على لبنان وسيناريوهاتها، باعتبار أن هناك أسئلة حول طول الأزمة السورية وكيف ستنتهي، بالإضافة إلى تداعياتها على لبنان الذي يتعامل مع متغيرات لا يتحكم بها.

ولم ير ميقاتي في تشدد باريس إزاء سوريا والتزامها بسياسة تدفع باتجاه رحيل الرئيس السوري بشار الأسد ووقوفها بقوة إلى جانب المعارضة التي اعترفت بها «ممثلا شرعيا وحيدا» للشعب السوري سببا للخلاف باعتبار أن فرنسا تسلك الدرب السياسي الذي تريده وهو لا يرغب في التدخل فيها. كذلك لم يجد أن وجود وزراء من حزب الله في حكومته يشكل عائقا أو حرجا بالنسبة إليه في زيارته الفرنسية. ولم يفت ميقاتي أن يشكر باريس على دعمها المتواصل للبنان واستعدادها الدائم للوقف بجانبه نافيا أن تكون كلفت بمهمة وساطة مع فريق «14 آذار». وفي موضوع الجدل حول مصير الحكومة التي يرأسها، أكد ميقاتي أنه «غير متمسك» بمنصبه وأنه يرى أن هناك حاجة «لتنفيس الوضع ويمكن أن يتم ذلك عبر استقالة الحكومة»، غير أنه سارع إلى القول إنه لا يريد أن تكون الاستقالة «بابا لأزمة إضافية بل مدخلا للحل». أما «الوصفة» التي يتقدم بها فهي أن يجتمع اللبنانيون حول طاولة الحوار وأن يطرح عليها الموضوعان الرئيسيان وهما: الحكومة الجديدة وقانون الانتخابات. وعندها ستكون كل الاحتمالات واردة.

وأخذ ميقاتي على المعارضة مطالبتها باستقالة الحكومة وببقاء مكوناتها الحالية خارجها وتساءل: «كيف يمكن أن يتم ذلك ولماذا ستقبل الأكثرية هذا الطرح طالما أن الحكومة تتمتع بدعم أكثرية النواب في المجلس النيابي؟» ولذا، في رأيه، فإن هذا الطرح مرفوض والمقبول التفاهم مسبقا على حكومة «استثنائية» رافضا الخوض في الأسماء والمسميات مثل حكومة تكنوقراط أو ما شابه.

وفي موضوع العلاقات الثنائية، وقع الطرفان ثلاث اتفاقيات في الإعلام والشباب والرياضة وحول المكتبة الوطنية. ونقل ميقاتي عن رئيس الحكومة جان مارك أيرولت استعداد فرنسا بتلبية حاجات لبنان الدفاعية «الجوية والأرضية» في إطار الخطة الخمسية التي وضعتها قيادة الجيش والتي رصد لها مبلغ 1.6 مليار دولار لمدة خمس سنوات. وامتدادا لذلك، أثير وضع قوات اليونيفيل التي تشارك بها فرنسا في جنوب لبنان والدور المتصاعد المنتظر من الجيش اللبناني هناك.

ومساء، شارك الرئيس ميقاتي ووفده في حفل الاستقبال بمناسبة عيد الاستقلال الذي دعا إليه في بافيون دوفين السفير اللبناني في فرنسا بطرس عساكر بحضور السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي وممثلين عن السلطات الفرنسية والكثير من الجالية اللبنانية وأصدقاء لبنان في فرنسا.