قضية اعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار غير مدرجة في زيارة هولاند للجزائر الشهر المقبل

توتر العلاقة بينهما مرشح للاستمرار بسبب الحساسيات

TT

تفيد مؤشرات كثيرة بأن التوتر الذي تعيشه العلاقات الجزائرية - الفرنسية، في شقها السياسي، مرشح للاستمرار رغم تفاؤل كبير من الجانبين بإزالته بمناسبة الزيارة التي ستقود الرئيس الفرنسي إلى الجزائر الشهر المقبل. وشعر الجزائريون باستفزاز غير مسبوق، بسبب الاحتفال بنقل رفات ضابط فرنسي كبير يوصف بأنه «أكبر السفاحين» خلال فترة الاستعمار.

وقال الدكتور محمد القورصو، المؤرخ المتخصص في كل القضايا المتصلبة بالاستعمار الفرنسي بالجزائر (1830 - 1962)، لـ«الشرق الأوسط»: «إن الفرنسيين يتعمدون استفزاز الجزائر عشية زيارة السيد هولاند، كما لو أنهم يريدون القول بأن الاعتراف بجرائم الاستعمار والاعتذار عنها لن يكون كما يتمناه الجزائريون».

وكان القورصو يشير إلى احتفال جرى الثلاثاء الماضي، بجنوب شرقي فرنسا، حيث ترأس وزير الدفاع جان إيف لودريان مراسم نقل رفات الجنرال مارسيل بيجار، إلى «نصب الهند الصينية» بمدينة فريجيس. ويعتبر بيجار رمزا في البطولة والقوة العسكرية، كونه قاد معارك كبيرة في أربعينات وخمسينات القرن الماضي بالهند الصينية (فيتنام حاليا)، وهي من أشهر المستعمرات الفرنسية. ولأنه كان ضابطا «ناجحا» أوفدته الحكومة الفرنسية لوقف ثورة الجزائر التي اندلعت في خريف 1954. أما بالنسبة للجزائريين فيعتبر رمزا للقتل والاغتصاب وتهجير الآلاف من مناطقهم، لذلك فإن أي تصرف للاحتفاء بذكراه أو بذكرى غيره من المسؤولين العسكريين المتوفين أو الذين لا يزالون أحياء، يثير حساسية لدى الجزائريين، خصوصا عندما تكون العلاقات الثنائية على موعد هام كما هو الحال اليوم، إذ تسعى الحكومتان لإنجاح زيارة الرئيس هولاند المرتقبة يوم 19 من الشهر المقبل.

وسبق الزيارة تصريحات مسؤولين جزائريين، تضمنت طلبا بأن يبادر هولاند (أثناء وجوده فوق أرضهم) بالاعتراف رسميا بأن بلده اقترف جرائم في فترة احتلاله الجزائر. وقال سعيد عبادو أمين عام «منظمة المجاهدين» للصحافة المحلية، إن «التطبيع مع فرنسا غير ممكن ما لم تعترف بجرائمها وتعتذر عنها وتقدم التعويض». لكن وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس قال الأسبوع الماضي، إن مسألة «الاعتراف والاعتذار» غير واردة في أجندة الزيارة. وأكد ذلك وزير خارجية الجزائر مراد مدلسي، بقوله: «إن ما يطالب به الجزائريون غير مدرج في المباحثات التي ستجمع هولاند مع المسؤولين المحليين». وقال أيضا: «مع ذلك هذا لا يعني أننا لا نتمسك بطرح هذه القضية للنقاش».

ويفهم من كلام مدلسي أن الفرنسيين يريدون تحاشي هذه القضية، ويرغبون في أن تكون ملفات التعاون الاقتصادي وأزمة مالي والوضع في سوريا وفلسطين المحتلة، هي الطاغية على المحادثات المنتظرة. ويرى مراقبون أن المسؤولين في الدولة، وفي مقدمتهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، يتمسكون بطرح قضية الاعتذار في كل زيارات كبار المسؤولين الفرنسيين، لـ«الاستهلاك المحلي فقط». بعبارة أوضح، هم يدركون أن شعبهم حساس للقضية ويفرح عندما يرى مسؤوليه «يدافعون عن شرف الأمة ضد المستعمر». وفي الحقيقة يعي هؤلاء المسؤولون جيدا أن فرنسا لا يمكن أن تعتذر عن ماضيها الاستعماري، لأن الجزائر لا تملك نفوذا اقتصاديا ولا سياسيا يمكنها من فرض رؤيتها في هذا المجال.

يشار إلى أن مجموعة من البرلمانيين الجزائريين اقترحوا مطلع 2010 سن قانون يجرم الاستعمار. وكان ذلك بمثابة رد على قانون أصدره البرلمان الفرنسي عام 2005 يطالب بإضافة «مزايا الوجود الفرنسي بشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20» بمناهج التعليم المحلي. وثارت ثائرة الجزائر بسبب القانون الذي وصفته بـ«الممجد للاستعمار». ولكن قانون التجريم الجزائري لم ير النور أبدا، لأن الرئيس بوتفليقة تدخل بنفسه لسحبه من البرلمان.