شبح «النفق المعتم» يطارد المصريين

كثير من المؤسسات والهيئات أجلت اجتماعاتها وندواتها بسبب تصاعد الأحداث

TT

بعد أيام من الكر والفر السياسي توّجت بمليونية «للثورة شعب يحميها» في ميدان التحرير أمس، سبقتها مظاهرات وأعمال شغب وعنف وحرق مقار حزبية للإخوان المسلمين في المحافظات المصرية أودت بحياة شابين، وذلك على أثر الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي قبل أيام مشرّعا لنفسه سلطات مطلقة؛ لم يجد الخمسيني «الحاج محمود» إلا الدعاء: «ربنا يستر على مصر»، متابعا بتلقائية: «كل ما نقول خلاص البلد استقرت، ترجع تولع من جديد، إحنا داخلين نفق معتم لن نخرج منه بسهولة».

خرجت كلمات الرجل في ظل استعادة الميدان «أيقونة الثورة» الآلاف من حشود الثوار في «ثلاثاء حماية الثورة» بجانب آلاف أخرى من المعارضين للإعلان الدستوري من القوى والحركات والأحزاب السياسية، لتعكس الكلمات تخوفه كغيره من ملايين المصريين مما قد تؤول إليه الأوضاع السياسية في البلاد خلال الفترة المقبلة.

وبينما اشتعل ميدان التحرير منذ الصباح، كانت شوارع العاصمة خالية من زوارها وسادها الهدوء على غير المعتاد، حيث عملت الأجواء السياسية الملبدة بالغيوم خلال الأيام الماضية على تخوف كثير من المواطنين مما قد تسفر عنه هذه الأجواء من «أمطار سياسية رعدية»، فرفعوا شعار «الزم بيتك»، كما أعد كثير من المواطنين العدة تحسبا من أية تطورات غير آمنة على الساحة، وفي سبيل ذلك لجأ بعض سكان وسط العاصمة المصرية القريبين من ميدان التحرير إلى هجر مساكنهم والبحث عن مسكن آخر لتجنب ما قد تؤول إليه المظاهرات.

وسارعت بعض ربات البيوت إلى تخزين كميات من السلع والمواد الغذائية منذ بداية الأسبوع الحالي. وبررت سامية عكاشة، ربة منزل، شراءها كميات من السلع كانت بحوزتها قائلة: «مش عارفين البلد رايحة على فين، بعد ما انتخبنا رئيس وانتظرنا إحداث التغيير، لم يحدث شيء، بل تغيرنا للأسوأ، وهذه السلع سأقوم بتخزينها لأني لن أجدها لو زادت سخونة الأحداث مثل أيام الثورة».

تزايد الخوف أيضا جعل الكثير من أولياء الأمور يمنعون أبناءهم من الذهاب للمدارس أمس كون الرؤية غير واضحة. وقال محسن علي، ولي أمر لطفلين: «منعت أبنائي من الذهاب لمدارسهم في يوم المليونية، وقد يمتد ذلك لغد أيضا وفق ما تسفر عنه الأحداث الساخنة»، مبينا أنه أيضا قام بطلب عطلة من العمل خصيصا لتجنب النزول إلى الشارع في ظل الدعوات المتواصلة للتظاهر، وهو الأمر الذي قرر فعله كثير من الأفراد، الذين فضلوا عدم الذهاب إلى أعمالهم، أو على أقل تقدير العمل من المنزل إن كان ذلك متاحا.

مظهر آخر من مظاهر تخوف المصريين عكسته الطوابير أمام ماكينات الصرف الآلي في البنوك وأفرع مكاتب البريد خلال اليومين الماضيين، وذلك لسحب أموالهم خشية اندلاع ثورة جديدة أو انفلات أمني جديد.

ومع تلك الحالة المسيطرة على الشارع، عمدت كثير من المؤسسات والهيئات في مصر أيضا إلى تأجيل اجتماعاتها وندواتها بسبب تصاعد الأحداث خلال الأيام الخمسة الماضية، ولم يكن غريبا أن تقدم هذه الجهات إعلانا يحمل مضمونه: «السادة الأعضاء الأفاضل لقد تم تأجيل الاجتماع لموعد آخر». وتعليقا على ذلك، قالت إحدى أعضاء موقع «فيس بوك» مستاءة: «نظرا لما تمر به مصر، تم إلغاء تقريبا جميع الفعاليات اليوم.. الناس تشعر أنها في انتظار كارثة».

ومع مليونية أمس، لم تتوقف نقاشات المصريين وحواراتهم حول المشهد السياسي في البلاد، وعكست مواقع التواصل الاجتماعي جانبا من هذه الحوارات، التي انصبت على إبداء التخوف من عودة الانفلات الأمني بعد جرعة من الاستقرار النسبي في الفترة الماضية.