القضاء المصري يصعد ضد الرئيس مرسي لإجباره على التراجع

«النقض» تعلق أعمالها.. والقضاة أكدوا عدم التراجع.. و«الدستورية» ترفض «الابتزاز والوعيد»

ماهر سامي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا والمتحدث الرسمي باسمها في مؤتمره الصحافي أمس (أ.ب.إ)
TT

صعد القضاء المصري أمس من مواجهته مع الرئيس محمد مرسي، رافضا الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الخميس الماضي، ومنحه صلاحيات واسعة على حساب السلطة القضائية. وقررت محكمة النقض، أعلى محكمة قضائية في البلاد، تعليق عملها لحين إسقاط الإعلان الدستوري، فيما قالت المحكمة الدستورية العليا، إنه «لن يرهبها أي ابتزاز أو وعيد أو ضغوط تمارس عليها في أي اتجاه مهما بلغت حدتها ومستعدة لمواجهة ذلك مهما كانت التكلفة».

يأتي هذا في وقت واصل فيه غالبية رجال القضاء وأعضاء من النيابة العامة اعتصامهم لليوم الثالث على التوالي، احتجاجا على الإعلان الدستوري، وقال القضاة في بيان لهم إنهم «لن يتراجعوا عن موقفهم، ولن يفضوا اعتصامهم، حتى يتم إلغاء الإعلان الدستوري»، الذي وصفوه بـ«الكارثي».

وفي جمعية عمومية، وصفت بالتاريخية، قررت محكمة النقض أمس تعليق عملها لحين إسقاط الإعلان الدستوري الذي حصن قرارات الرئيس من الرقابة القضائية وحصن الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ومجلس الشورى. واتخذت المحكمة قراراها، بأغلبية الجمعية العمومية برئاسة المستشار محمد ممتاز متولي، رئيس المحكمة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، حيث وافق عليه 270 من قضاة المحكمة الذين حضروا الجمعية بينما رفضه 19 فقط.

وتعد النقض، أعلى محكمة في مصر، حيث تمثل قمة الهرم القضائي، وهي محكمة واحدة على مستوى البلاد، مقرها القاهرة، أنشئت عام 1931، ومهمتها العمل على توحيد تطبيق القانون في المحاكم المصرية.

وكان مجلس القضاء الأعلى قد التقى الرئيس مرسي مساء الثلاثاء الماضي لحل الأزمة، وصدر بيان عن الرئاسة قال إن مجلس القضاء وافق عليه، ولم يتضمن البيان أي إشارة لتعديل في الإعلان الدستوري، لكن البيان لم يهدئ القضاة، الذين أعلنوا غضبهم واعتصامهم حتى إلغاء الإعلان.

من جهتها، أكدت المحكمة الدستورية العليا أنها ومنذ حكمها بحل مجلس الشعب السابق (البرلمان)، تتعرض لحملة من قوى، لم تذكرها صراحة. وقال ماهر سامي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، والمتحدث الرسمي باسمها إن «من خسروا مقاعدهم يعتقدون أن هناك ثأرا شخصيا.. هناك رغبة انتقام أفقدتهم الضمير فانطلقوا في سعي محموم إلى الفضائيات والصحف ينشرون الغبار الأسود حول المحكمة وقضاتها».

وأكد سامي، في مؤتمر صحافي أمس، أن «ما حدث لم يكن ذنب المحكمة وإنما ذنب النصوص التي حكمت بموجبها»، مشيرا إلى أن «الحزن ألم بقضاة المحكمة عندما انضم رئيس الجمهورية محمد مرسي إلى حملة الهجوم المتواصلة على المحكمة الدستورية وهو من اكتسب شرعيته عندما أدى اليمين الدستورية أمامها».

وقال إن «خطبة الرئيس الأخيرة حملت اتهاما للمحكمة بتسريب أحكامها قبل الجلسة المحددة للنطق بها وهو اتهام جد خطير»، وأضاف أن «المحكمة طلبت من الرئيس موافاتها بتفاصيل الاتهام وما توافر لديه من أدلة على ثبوت هذه الجريمة، إلا أن هذا الطلب لم يكن محل استجابة من أحد ولم تتلق المحكمة ردا من هذا الشأن حتى الآن وما زالت تنتظر».

وأكد سامي أن «المحكمة لن يرهبها ابتزاز أو وعيد ولا أي ضغوط تمارس عليها في أي اتجاه مهما بلغت حدتها، ومستعدة لمواجهة ذلك مهما كانت التكلفة باهظة حتى لو استغرق أرواح قضاتها، كما أن المحكمة الدستورية العليا تدرك حدود اختصاصها ولا تنتحل اختصاصا ليس لها ولا تتسلل من اختصاص عقده الدستور والقانون لها».

وأضاف أنه «رغم الأسف والإحباط لما آلت إليه أمور الوطن والقانون في هذه الآونة وما اختصت به المحكمة الدستورية، فإن المحكمة عازمة على أن تعلو فوق ألمها وتمشي في أداء مهمتها المقدسة حتى النهاية».

وردا على سؤال حول ما إذا كانت المحكمة ستنظر دعاوى حل الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) المقبل أم لا؟ أكد المستشار ماهر سامي، أن جدول المحكمة معلن، ولن يحدث فيه أي تغيير.

من جانبه، وجه المعارض المصري البارز الدكتور محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور، في تغريدة له على موقع «تويتر» أمس تحية للقضاة، قائلا: «تحية لقضاة مصر الأجلاء لدفاعهم عن حقوق الشعب المصري وحرياته وتمسكهم بمبدأ استقلال القضاء»، كما دعا الشعب إلى «الثبات في كل ميادين مصر، من أجل الحرية والكرامة».

وفي أول رد رسمي لها على الأحداث، منذ المظاهرة المليونية يوم الثلاثاء الماضي الرافضة للقرارات الرئاسية، ناشدت الحكومة المصرية كل القوى الوطنية تبني لغة الحوار وسيلة وحيدة لحل المشكلات، والوصول إلى تفاهمات بشأن كل ما يخص الشأن العام، مؤكدة أن لغة التخوين والإقصاء لن تجدي نفعا، ولن تسهم سوى في تعميق هوة الخلاف بين أبناء الوطن الواحد.

وأثنى مجلس الوزراء في اجتماعه أمس برئاسة الدكتور هشام قنديل، على التزام القوى السياسية في التحرير بسلمية المظاهرات، وأعاد المجلس التأكيد على احترام الحكومة حق التظاهر السلمي، وأنها تبذل كل ما في وسعها من خلال وزارة الداخلية لتأمين المتظاهرين، مع التصدي بكل حسم وقوة لمثيري الشغب، وأولئك الذين يستخدمون العنف ضد الآخرين، أو يهاجمون ويتلفون المنشآت والمرافق، ويتعَدون على البعثات الدبلوماسية.

وفي إطار مبادرات حل الأزمة، أطلق الصادق المهدي زعيم حزب الأمة السوداني، مبادرة تهدف إلى إزالة حالة الاستقطاب من المشهد السياسي المصري. وقال وليد شلبي، المتحدث الإعلامي باسم مرشد الإخوان المسلمين لـ«الشرق الأوسط»: «المهدي التقى أمس بالمرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع، حيث عرض عليه وجهة نظره لتقريب المواقف، دون مزيد من التفاصيل».

من جهته، قال المهدي في تصريحات إعلامية أمس إن أصحاب المبادرة ليسوا مصريين وليس لديهم غرض أو مصلحة في المشهد السياسي المصري، وإن زيارته في إطار المبادرة ستشمل المرشح الرئاسي السابق عمرو موسى والأنبا تواضروس بابا الكنيسة والدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي، بالإضافة إلى الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية.

كما طرح الدكتور سيف عبد الفتاح، المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، خطة لإصلاح المؤسسات المنتخبة التي يثار بشأنها الجدل وهي مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور، تقوم على توازن التمثيل فيها بما يحقق توافقا مجتمعيا، ويكون ذلك عبر اختيار الأعضاء المعينين في الشورى بمعايير مختلفة، بالإضافة إلى تشكيل لجنة فنية استشارية للجمعية التأسيسية، ودعا إلى تغيير حكومي شامل يضمن التخلص ممن كان له علاقة بالنظام السابق أو أي قضايا فساد.

ودعا حزب «مصر القوية»، الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، إلى مسيرة سلمية مساء اليوم (الخميس) لمقر قصر الاتحادية الرئاسي، للضغط لدعم المبادرة التي قدمها الحزب للخروج من الأزمة، التي تقوم على إلغاء رئيس الجمهورية للإعلان الدستوري باستثناء مادتي إبعاد النائب العام، وإعادة المحاكمات، مع تعديل المادة الخاصة بتعيين النائب العام، بحيث توضع معايير محددة لتولي منصب النائب العام وأن يرشحه مجلس القضاء الأعلى بتصديق من رئيس الجمهورية.

كما دعا «مصر القوية» القوى السياسية لوقف كل مظاهر التصعيد والحشد على الأرض من كل الأطراف بعد موافقة مؤسسة الرئاسة على المبادرة، والرفض الصريح لتدخل القوات المسلحة في الشأن السياسي.