المصريون يحاصرون قصر «مرسي» في «مليونية الإنذار الأخير»

بلاغ يتهم البرادعي وموسى وصباحي والبدوي بالتخطيط لقلب نظام الحكم

TT

المحافظات: داليا عاصم ويسري محمد ويوسف رجب وأحمد آدم

* حاصرت مظاهرات ضخمة في مصر القصر الرئاسي، مما اضطر الرئيس محمد مرسي للتوجه إلى منزله وسط حراسة مشددة تتقدمها مدرعة مصفحة، ليجد مظاهرات أخرى بالقرب من بيته في منطقة التجمع الخامس القريبة من القاهرة. وقال شهود عيان إن قوات الأمن اضطرت إلى غلق الشوارع المحيطة بمقر إقامته. ونظمت المعارضة مظاهرات حاشدة أربكت حسابات السياسيين والمراقبين لضخامتها، حيث امتدت المسيرات والمظاهرات لعدة كيلومترات في مناطق مختلفة من البلاد، واستمرت حشود الرافضين لسياسات مرسي في القاهرة والمحافظات للاحتجاج على مسعى الرئيس، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، لإجراء استفتاء على دستور جديد بعد تقليص سلطة القضاء.

ويقول المراقبون إن الرئيس مرسي تسبب في إثارة عاصفة من الاحتجاجات عندما قرر منح نفسه سلطات استثنائية في 22 نوفمبر (تشرين الثاني). ويقول الإسلاميون الذين يؤيدون مرسي إن القضاء يهيمن عليه معينون من قبل الرئيس السابق حسني مبارك، مما يتسبب في عرقلة عملية الانتقال السياسي. وقالت المعارضة التي نظمت مظاهرات ووقفات حاشدة ومتزامنة حول قصر الرئيس وفي ميدان التحرير وميادين أخرى بالقاهرة والمحافظات، إن ألوف المتظاهرين تدافعوا في محاولة للاقتراب من قصر الاتحادية الحاكم الذي كان يوجد فيه الرئيس. وصرحت مصادر في الرئاسة بأن الرئيس مرسي غادر القصر إلى منزله في التجمع الخامس جنوب شرقي العاصمة.

وشارك مئات الألوف من المصريين في مليونية «الإنذار الأخير» الموجه إلى الرئيس، رافعين هتافات يطالبون فيها بـ«إسقاط النظام»، وقال مصدر في قصر الرئاسة لـ«الشرق الأوسط» عن الطريقة التي غادر بها الرئيس القصر الجمهوري في نحو الساعة السادسة والنصف من مساء أمس بعد محاصرته بالمتظاهرين، إن «الرئيس لا يخشى إلا الله، وهو لم يهرب كما يريد البعض أن يصور الأمر لغرض في نفسه.. ما حدث أن سيادة الرئيس اعتاد العودة إلى منزله في مثل هذا التوقيت كل يوم، إلا في بعض الحالات التي تكون فيها لقاءات أو مقابلات رسمية».

وتابع المصدر أنه لا يعرف إن كان هناك متظاهرون حول منزل الرئيس في منطقة التجمع الخامس، وقال إن الرئيس «بخير والأمور طبيعية، وقوات الأمن والحرس الجمهوري قادرة على حماية المنشآت العامة، بما فيها القصر الرئاسي»، لكنه أضاف بشأن الحوار حول حل الأزمة الراهنة أنه «لا يوجد جديد»، مشيرا إلى أن المعارضة «متشددة وتريد أن تنفذ ما في رأسها بغض النظر عن شرعية الرئيس المنتخب، وهذا لا يمكن السماح به». وشدد المصدر على «مضي الرئيس قدما في الاستعداد للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في موعده».

وقال شهود عيان إنه لم تظهر أي قوات للجيش في محيط القصر الرئاسي، في وقت أعلنت فيه القوات المسلحة أنه لم يتم الدفع بأي قوات عسكرية تابعة لها لتأمين محيط قصر الرئاسة أمس. وقال المتحدث العسكري الرسمي إن مهمة تأمين محيط قصر الاتحادية (الرئاسي) ليست من اختصاص القوات المسلحة، وتتولاها الكثير من الجهات الأخرى.

وضربت الاحتجاجات المعارضة للرئيس مرسي البلاد منذ إصداره قرارا زاد فيه من صلاحياته، وتسبب في إطلاق وصف «الديكتاتور الفرعون» عليه. وتسبب انسداد الحوار بين الرئاسة وقوى المعارضة في تفاقم الأوضاع، خاصة بعد أن أعلن مرسي عزمه المضي قدما في الاستفتاء على دستور، يقول المعارضون إنه يمكن الإسلاميين من «الإخوان» والسلفيين من حكم البلاد، ويهدر الحريات والعدالة.

وتأتي هذه التطورات بعد نحو 5 أشهر من فوز الرئيس مرسي بفارق ضئيل في الانتخابات التي نافسه فيها الفريق أحمد شفيق الموجود حاليا خارج البلاد. وتمكن الإسلاميون من إبعاد الجيش عن دفة الحكم بعد فوز مرسي. وأظهر التيار الإسلامي تشددا في الخطاب ضد القوى المدنية والقضاة دون تدخل من القيادات الإسلامية الموجودة في مراكز القرار في الدولة.

ويقود حركة المعارضة، التي تفجرت أمس ضد مرسي، شخصيات وأحزاب وحركات شاركت في الثورة التي أطاحت بحكم مبارك في فبراير (شباط) من العام الماضي، من بينهم مرشحون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ومن بين الشخصيات المعارضة الدكتور محمد البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي والسيد البدوي وغيرهم، وذلك تحت مظلة موحدة باسم «جبهة الإنقاذ الوطني».

ونظمت الجبهة، أمس، مظاهرات ومسيرات في أماكن متفرقة، كان أهمها أمام قصر الحكم. واشتعلت أجواء الغضب في القاهرة حتى وقت متأخر من الليلة الماضية في فعاليات «مليونية الإنذار الأخير». وتجمع ألوف المتظاهرين في محيط قصر الرئاسة بضاحية مصر الجديدة، واشتعلت الأجواء بعد استخدام قوات الأمن قنابل الغاز في محاولة لتفريق المتظاهرين، وهو ما أشعل هتافاتهم ضد الرئيس مرسي وضد الدستور الجديد والإعلان الدستوري. ويتهم ليبراليون ويساريون ومسيحيون وغيرهم مرسي باغتصاب سلطات لفرض دستور صاغته جمعية تأسيسية، أغلب أعضائها إسلاميون.

ويقول المراقبون إن جماعة الإخوان المسلمين التي جاءت للسلطة للمرة الأولى منذ تأسيسها كحركة دعوية قبل 80 سنة، تريد أن تحمي مكاسبها. وقالت قيادات إخوانية، تعليقا على مظاهرات أمس، إن عدد المنخرطين فيها «متواضع وسينصرفون إلى بيوتهم».

وجاءت تطورات أمس بالتزامن مع غضب القضاة ومحاصرة أنصار مرسي لكبرى محاكم البلاد وهي المحكمة الدستورية العليا واحتجاب الصحف الخاصة والحزبية، ودعوات للعصيان المدني. وخرجت مسيرات القوى الرافضة لقرارات مرسي الأخيرة من أماكن وميادين عدة في القاهرة بعد ظهر أمس، وتنوعت وجهتها ما بين ميدان التحرير في وسط العاصمة، وقصر الرئاسة بالاتحادية، حيث اتجهت مسيرات من المناطق القريبة من قصر الرئاسة نحوه فيما يعرف بـ«مسيرات الزحف إلى الاتحادية».

وتجمعت القوى السياسية من أحزاب «الدستور»، و«المصريين الأحرار»، و«التيار الشعبي»، و«حركة 6 أبريل»، وقوى سياسية أخرى من ميادين رابعة العدوية وميدان المطرية ومسجد النور بالعباسية وجامعة عين شمس، إلى جانب مسيرة أخرى نظمها أعضاء «حركة شباب 6 أبريل» من أمام محطة مترو سراي القبة في اتجاه قصر الاتحادية، ورفعوا لافتات ترفض الإعلان الدستوري وتطالب بإلغائه وإلغاء الاستفتاء على الدستور الجديد.

وهتف المتظاهرون بهتافات ضد جماعة الإخوان والرئيس حول مقر الرئاسة وفي شارع الأهرام وشارع الميرغني المقابل للقصر، منها «يسقط يسقط حكم المرشد»، «لا لدستور الإخوان»، و«الشعب يريد إسقاط النظام»، و«ارحل.. ارحل»، في حين تضامن بعض أهالي منطقة مصر الجديدة التي يقع فيها القصر الرئاسي مع المتظاهرين، حيث رفعوا أعلام مصر من نوافذ منازلهم، ورفعت لافتات مكتوب عليها «لا لدستور الإخوان».

وبمرور الوقت، اشتعلت الأجواء في محيط القصر الرئاسي بعد وصول أغلب المسيرات أمام القصر، حيث قامت قوات الأمن بمطاردتهم بالقنابل المسيلة للدموع من أجل تفريقهم. وكانت قوات الشرطة والأمن المركزي قد وضعت الأسلاك الشائكة والحواجز الحديدية أمام مداخل القصر، في حين لم يظهر أي وجود لقوات الجيش أمام قصر الرئاسة.

وأفاد شهود عيان بأن المحتجين أزالوا الأسلاك الشائكة من شارع الميرغني، وأن الشرطة سمحت لهم بعد مفاوضات بالمرور إلى مقر قصر الحكم، إلا أنها عادت وحاولت تفريق المتظاهرين، لكن الجماهير الغاضبة القادمة من شارع صلاح سالم اندفعت هي الأخرى حتى وصلت إلى بوابة القصر، وسط هتافات «الشعب يريد إسقاط النظام».

وفي ميدان التحرير بوسط العاصمة، وصلت مسيرات تضم آلاف المتظاهرين للانضمام إلى المعتصمين في خيام بالميدان منذ يوم الجمعة الماضي. ووصلت الحشود إلى التحرير وهم يرتدون الملابس السوداء، رافعين أعلام مصر ولافتات مكتوبا عليها «لا للدستور»، مشددين على سلمية المسيرات والمظاهرات، مطالبين الرئيس مرسي بضرورة إلغاء الإعلان الدستوري، لأنه «يخلق ديكتاتورا جديدا» يستحوذ على جميع السلطات، وحل الجمعية التأسيسية للدستور، وتشكيل جمعية أخرى تمثل فيها كافة القوى السياسية وكافة طوائف الشعب المصري بشكل متوازن.

كما انتشرت المظاهرات المناوئة لحكم مرسي في مناطق عدة بالقاهرة، منها مبنى الإذاعة والتلفزيون المعروف باسم «ماسبيرو». وخرجت مسيرات من ضواحي ومناطق الدقي وشبرا والمطرية وعين شمس ورابعة العدوية ومصطفى محمود وغيرها. وخرجت مظاهرات ومسيرات أخرى في عدة مدن رئيسية في البلاد، على رأسها مدينة الإسكندرية الساحلية ومدينة أسيوط وقنا وسوهاج وغيرها في الجنوب.

وفي الإسكندرية، طاف آلاف المتظاهرين الشوارع والميادين، ووصلوا الليلة الماضية إلى ميدان المحطة بمنطقة سيدي جابر بعد انطلاق 3 مسيرات من مناطق متفرقة، مما تسبب في توقف حركة المرور بالمنطقة من الجانبين، بسبب تجمع ألوف المتظاهرين بالمنطقة مطالبين جماعة الإخوان المسلمين بالابتعاد عن الحكم في البلاد.

وقال الدكتور البرادعي، منسق «جبهة الإنقاذ الوطني»، إن على مرسي إلغاء إعلانه الدستوري والتخلي عن خطط إجراء الاستفتاء، والموافقة على تشكيل جمعية تأسيسية جديدة أوسع تمثيلا لوضع دستور ديمقراطي، متهما مرسي و«الإخوان» بأنهم يعتقدون أن «بإمكانهم بجرة قلم إعادة (مصر) إلى الغيبوبة»، وفقا لمقال رأي نشرته له صحيفة «فايننشيال تايمز» أمس. وكان البرادعي مديرا عاما للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأضاف في مقاله أن «الإخوان» إذا استمروا في محاولتهم «فسيجازفون باندلاع العنف والفوضى التي ستدمر نسيج المجتمع المصري». لكن رئيس الوزراء هشام قنديل قال في مقابلة مع قناة «سي إن إن» إن مشروع الدستور ليس بأي حال نصا مثاليا يوافق عليه الجميع، لكن الأغلبية توافقت على المضي قدما في الاستفتاء بعد 11 يوما.

وكان مرسي استبق مظاهرات أمس بعقد اجتماع مع قنديل حضره محمود مكي نائب الرئيس، والفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي، وأحمد جمال الدين وزير الداخلية، ومحمد كامل عمرو وزير الخارجية، والمستشار أحمد مكي وزير العدل، والدكتور محمد محسوب وزير الدولة لشؤون المجالس النيابية، وصلاح عبد المقصود وزير الإعلام، والمستشار طه شاهين أمين عام اللجنة العليا للانتخابات. وقالت مصادر الرئاسة إن الغرض من الاجتماع كان الاستعداد لعملية الاستفتاء على مشروع الدستور.

على صعيد متصل، قالت مصادر قانونية أمس إن النائب العام المصري المستشار طلعت عبد الله، الذي عينه مرسي الأسبوع الماضي، أحال عدة بلاغات ضد قادة المعارضة وبعض الشخصيات العامة إلى المحامي العام الأول لنيابات أمن الدولة العليا، لفتح تحقيق واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، بعد اتهامهم بالتخابر والعمل على قلب نظام الحكم. وأضافت المصادر أن الاتهامات تقدم بها عدد من المحامين الموالين للتيار الإسلامي، وأن المتهمين هم: المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة، ومحمد البرادعي، وعمر موسى، والسيد البدوي رئيس حزب الوفد، وحمدين صباحي، ورجل الأعمال نجيب ساويرس.

وعلى صعيد متصل، أطلقت قيادات تابعة لتيارات دينية متشددة تحذيرات ضد قادة القوى المدنية، وهددت بالتدخل لفض حصار المعارضين للقصر الرئاسي، وحملت قادة المعارضة البارزين مسؤولية إحداث فوضى أو أعمال عنف في البلاد. ونقلت مصادر إعلامية محلية عن الحزب السياسي للجماعة الإسلامية تحذيرها من «محاولات جر البلاد إلى موجة من العنف والاضطراب»، وقول قيادات في حزب الجماعة إنهم «لن يسمحوا لأحد بمحاصرة الرئيس»، وهي تهديدات أطلقتها أيضا شخصيات من حركات سلفية وإخوانية. لكن الداعية محمد حسان أعلن عن دعوة للحوار خلال زيارته لمدينة مرسى مطروح الحدودية في غرب البلاد، وقال من مسجد الفتح الذي يعد معقل الدعوة السلفية بالمدينة: «أدعو كافة القوى السياسية في مصر لحوار بناء للخروج من الأزمة والتفكير في مصلحة الوطن، وأن يشارك في الحوار الجميع مهما كان، من رئيس الجمهورية إلى الحكومة والأحزاب من أجل مصلحة مصر»، معبرا عن احترامه للقضاء.