الفقيه الدستوري جابر نصار لـ «الشرق الأوسط»: مشروع الدستور الجديد خالف الثوابت والأعراف الدستورية المعروفة

قال إن قرار المجلس الأعلى للقضاء بالإشراف على الاستفتاء غير ملزم للقضاة

الدكتور جابر نصار
TT

قال الفقيه الدستوري أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة الدكتور جابر نصار إن قرار المجلس الأعلى للقضاء بندب القضاة للإشراف على الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد في مصر، المقرر له منتصف الشهر الحالي، قرار روتيني وغير ملزم للقضاة.

وقال نصار في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» عبر الهاتف بالقاهرة إن مشروع الدستور، الذي أنهته جمعية تأسيسية يسيطر عليها إسلاميون، وسط انسحاب عدد من القوى المدنية منها، به كثير من الملاحظات السلبية، وإن كثيرا من مواده تقيد الحقوق والحريات الأساسية للمصريين سواء السياسية أو العامة.

وقال نصار، الذي انسحب من جمعية وضع الدستور، إن هذا المشروع، الذي تم الانتهاء منه قبل شهرين من موعده وعرضه الرئيس محمد مرسي للاستفتاء أول الشهر الحالي، يعطي للرئيس صلاحيات غير مسبوقة في كل الدساتير المصرية السابقة.. وفيما يلي أهم ما جاء في الحوار.

* هل يُعتبر قرار المجلس الأعلى للقضاء قرارا ملزما للقضاة بضرورة الإشراف على الاستفتاء على مشروع الدستور؟

- قرار المجلس الأعلى للقضاء هو قرار غير ملزم، ومسألة موافقة المجلس الأعلى على ندب القضاء هي أمر روتيني، إذا ما طلب القضاة ندبهم، والقضاة أعلنوا عدم مشاركتهم في الاستفتاء، وبالتالي هذه الموافقة من المجلس الأعلى للقضاة لا تعني إطلاقا إلزام القضاة بالإشراف على الاستفتاء، وقرار المجلس الأعلى للقضاء في مصر قبل يومين بإشراف القضاء على الاستفتاء والقرار بندبهم لذات الغرض يعود لموافقة كل قاضٍ يتم ندبه، والمعروف أن نادي قضاة مصر كان قد أعلن رفضه المشاركة في الإشراف على الاستفتاء، اعتراضا على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس وعلى مشروع الدستور الجديد الذي يحد من استقلال القضاء المصري.

* كيف ترى الأزمة الدستورية والسياسية التي تعيشها البلاد الآن؟

- الوضع الآن في مصر معقد إلى حد كبير، لأنه يُراد فرض هذا المشروع «المشوه» فرضا على الشعب، وهو مشروع غير سليم، لأنه خالف كل الثوابت والأعراف الدستورية في مصر والعالم المتحضر، وقيد الحقوق والحريات، ووسّع في اختصاصات الرئيس بصورة مبالغ فيها. وليس صحيحا ما يقال إن هذا المشروع قلل من اختصاصات وصلاحيات الرئيس التي كانت في دستور 1971؛ ففي دستور 1971، وهو أول دستور دائم لمصر بعد ثورة 1952، كان مخصصا 12 مادة لاختصاصات الرئيس وصلاحياته، أما في هذا الدستور فاختصاصات الرئيس مخصص لها 22 مادة؛ من المادة 132 إلى المادة 154.

ولذلك هذا المشروع مشروع يريده البعض أن يُفرض، كما يريد تيار الإخوان فرض هذا المشروع على الدولة المصرية، والطريقة المشؤومة التي تم بها التصويت على هذا المشروع أوضحت أن هناك نصوصا أضيفت للمشروع ولم تكن الجمعية التأسيسية على علم بها، ولم تتم مناقشاتها في الجلسات الداخلية واللجان الداخلية للجمعية التأسيسية للدستور، وهناك مواد أضيفت لها فقرات، مثل المادة 48 و98 ونصوص أخرى كثيرة.

* ما أبرز النقاط السلبية في هذا المشروع الدستوري، برأيك؟

- أثار عدد من مواد مشروع الدستور المصري جدلا واسعا داخل الأوساط الشعبية والقانونية في البلاد، وأغلب مواد الدستور هي مواد فضفاضة كانت تهدف إلى توسيع أطر السلطة، وهذا المشروع ليس به أي اختصاصات للحكومة، ولكنه أعطى كل الاختصاصات للرئيس، خاصة المادة 158، التي جعلت من الحكومة مجرد سكرتارية للدولة؛ من إعداد تقارير ومقترحات، دون أن يكون لها أي سلطة مباشرة على الإطلاق.

* لكن لم يتم تغيير المادة الثانية من الدستور وكان عليها خلاف كبير.

- على الرغم من عدم تغيير نص المادة الثانية، التي تنص على أن «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية»، من مشروع الدستور المقترح، فإنه تمت إضافة مادة أخرى (المادة 219) لتفسير المادة الثانية، والمادة 219 جاءت لتفسر المادة الثانية ولم يحدث في تاريخ الدساتير على مستوى العالم أن وضعت في دستور مادة تفسيرية لمادة أخرى، وهذا شيء عبثي، بالإضافة إلى أن هذه المادة سوف تؤدي إلى أزمات شديدة للغاية، لأن النظام القانوني المصري كان يأخذ بنظم قانونية متعددة، وكان يفتح آفاقا على مذاهب إسلامية كثيرة، لأن الإسلام لا يتبنى مذهبا معينا؛ فكان القانون المصري على سبيل المثال يقنن في مسألة الوصية الواجبة من المذهب الجعفري، وبإقرار هذا الدستور سيتم إلغاء الوصية الواجبة، وكان الدستور المصري أيضا يقنن الخلع استنادا لآراء فقهية غير مذهبية، ولكن هذا النص سيؤدي إلى إلغاء هذا القانون.

وتنص المادة 219 على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة».

* لماذا برأيك خرج المشروع بهذا الشكل؟

- هناك إشكاليات كبيرة للغاية، ولكن يمكننا القول وبوضوح إن تأثيرات وبصمات التيار السلفي الذي برز مؤخرا في مصر واضحة وجلية للغاية على هذا المشروع، وأيضا عدلت بعض النصوص الدستورية، مثل المادة 76 التي تنظم أو تحدد مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وهي تعني أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا يجوز لقاضٍ أن يطبق عقوبة إلا بنص القانون وتم تعديل المادة في سابقة لم تحدث في أي دساتير مصرية أو أي دولة من دول العالم؛ فأصبحت في مشروع الدستور الجديد: «لا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوني»، وذلك يتيح للقاضي أن يطبق الحدود دون قانون، فيستطيع القاضي أن يتخير عقوبة تطبيقا للمادة الثانية والمادة 219 ويطبقها، لأن الدستور أعطى له إمكانية هذا التطبيق دون إقرار قانون، وهو ما يؤدي إلى الإخلال بالضمانات التي يجب أن ينص عليها القانون إذا أراد القانون أن يشرع الحدود التي تضمن سلامة واستقرار المجتمع.

* هل يحفظ هذا المشروع حقوق وحريات الصحافة ووسائل الإعلام؟

- هناك مسألة خطيرة أخرى؛ فمثلا بالنسبة لحرية الصحافة فوجئنا بأن النص الذي كان في المسودات السابقة تم التراجع عنه، في مقابل إقرار نصوص تقييد حرية الصحافة تحت مسميات مقتضيات الأمن القومي والالتزام باتجاهات الرأي العام وتنمية القيم الوطنية، وكل هذه عبارات فضفاضة ستؤدي إلى تقييد حريات الصحافة تقييدا لم تعهده مصر منذ دستور عام 1923، وهذا أمر عبثي، ولا يمكن قبوله.

* وكيف ترى هذا المشروع في الشق المتعلق بالسلطة القضائية؟

- التيار الإسلامي للأسف الشديد بينه وبين القضاء خصومة، ويسعى جاهدا إلى الإجهاز على السلطة القضائية والنيل من استقلالها، ولذلك فكل النصوص التي اتفقت عليها الجمعية التأسيسية بالإجماع فيما يتعلق بالمحكمة الدستورية العليا تم تغييرها في جلسة التصويت النهائي على مواد هذا المشروع الدستوري، وتم التصويت على نصوص أخرى تنهي استقلال المحكمة الدستورية العليا، بالإضافة إلى تشكيل ما يسمى بالمفوضية المسؤولة عن الإشراف على الانتخابات، وهو تنظيم قضائي بلا أي ضمانات حقيقية، وذلك لإبعاد الإشراف القضائي على الانتخابات، لأن من يملكون السلطة الآن يدركون جيدا أن تزوير الانتخابات أصبح أقل تكلفة من توزيع الزيت والسكر.

* كيف ترى دور الأزهر في مشروع الدستور الجديد.. خاصة المادة الرابعة من هذا المشروع؟

- أثارت المادة الرابعة من الدستور جدلا هي الأخرى، وهي المادة التي تنص على مرجعية الأزهر في تفسير الأمور والقوانين المتعلقة بالشريعة الإسلامية. كان هناك مشروع قانون للأزهر يكفل استقلال الأزهر وشيخ الأزهر، وكان مستقلا، وهذه المادة في الحقيقة لم تضف جديدا، غير أنها قيدت البرلمان في أخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر فيما يتعلق بمشاريع القوانين بصفة عامة، وهذا أمر قد تكون له خطورته إذا ما سيطر تيار سياسي معين على الأزهر الشريف، ونحن الآن نرى أن التيار السلفي يجاهد بكل ما أوتي من قوة من أجل السيطرة على الأزهر الشريف، لأنه يرى في السيطرة على الأزهر الشريف أمرا مهما، وإذا ما حدث ذلك، فسوف يكون بداية لإنهاء وسطية الأزهر ووسطية مصر الدينية وسماحة الإسلام التي طالما عرفت بها مصر على مر العصور، وبناء مفاهيم أخرى غير متوافقة مع التراث الديني المصري.

* هل ترى أن هذا المشروع يحقق أهداف ثورة 25 يناير كأول دستور بعد الثورة؟

- هذا المشروع لا علاقة له بأهداف الثورة التي قامت من أجل رفع الظلم والثورة على سلطة الحاكم المنفرد وإنهاء عهود الاستبداد السياسي، بل جاءت الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي نادى بها المصريون أثناء الثورة في هذا المشروع في شكل عبارات عامة وشعارات لا قيمة لها، أيضا ظلم هذا المشروع العمال والفلاحين والفقراء ولم يقر حقوقا معتبرة لهم، وأيضا قيد المشروع الدستوري الحقوق السياسية والحريات السياسية والحريات العامة، وأدى إلى توسيع سلطات الرئيس بصورة غير طبيعية.

* هل عدم تلبية مطالب الثورة أيضا له علاقة بإحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية التي طالب الثوار بمنعها من خلال الدستور؟

- هذا المشروع أقر، ولأول مرة في التاريخ الدستوري المصري، محاكمة المدنين أمام المحاكم العسكرية؛ فكانت محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في القانون، ولم يكن ينص عليها الدستور، وللأسف الشديد هذا المشروع «دستر» فكرة إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية، وهذا أمر جلل يتناقض أمام أهداف الثورة، وأعتقد أن صدور هذا المشروع والاستفتاء عليه سوف يزيد الأزمة والمشهد السياسي تعقيدا في البلاد تماما، ولعل الجميع لاحظوا العجلة الشديدة في الموافقة على مشروع الدستور والاستفتاء عليه وكأنهم يدركون أنهم يسرقون حلم الثورة ودستور الثورة المصرية.

* ما وجهة نظرك للحيلولة دون إقرار هذا الدستور والخروج من المأزق الراهن؟

- أعتقد من وجهة نظري أن الحل يكون عبر 3 نقاط أساسية، والنقطة الأولى تجميد (إن لم يكن إلغاء) الإعلان الدستوري، والنقطة الثانية إرجاء الاستفتاء على الدستور وتشكيل لجنة من الخبراء القانونين والدستوريين غير السياسيين وغير الذين اشتركوا في كتابة هذا المشروع، وأن تقوم هذه اللجنة بمراجعة مشروع الدستور وكتابة تقرير عنه ورفعه إلى السيد الرئيس وإلى بقية القوى السياسية في البلاد، لإقامة حوار وطني ومجتمعي، وإعادة طرح المسألة مرة أخرى لتعديل هذا المشروع، وأن يكون هذا الحوار الوطني علنيا أمام الجميع حتى يعلم الشعب كله من يريد تقييد الحقوق والحريات ومن يريد نظاما مستبدا ومن يريد نظاما ديمقراطيا.