احتجاب الصحف المصرية يعيد البلاد إلى زمن الحكم الشمولي

نداء «أهرام.. أخبار.. جمهورية» يعود إلى الشارع بصحبة صحيفة الإخوان

TT

«أهرام.. أخبار.. جمهورية» اقتصر نداء بائعي الجرائد أمس على الثلاث صحف الكبيرة، وأعاد نداؤهم، الذي لم يعد يسمع في مصر سوى من خلال الأفلام القديمة، الأذهان إلى فترة الحكم الشمولي في خمسينات وستينات القرن الماضي عندما كانت أصوات المعارضة واستقلال الأقلام لا تجد إلا السجن مكانا لها.

احتجبت الصحف المستقلة والمعارضة عن الصدور أمس احتجاجا على الإعلان الدستوري الذي أصدره رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي، واعتراضا على وضع الصحافة في مسودة الدستور الذي دُعي للاستفتاء عليه في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وتعد هذه المرة من أبرز مرات الاحتجاب التي شهدتها الصحافة المصرية في تاريخها.

وفي شارع جامعة الدول العربية بحي المهندسين اختفى غالبية بائعي الصحف قبل الظهيرة. وفي الأكشاك لم يتبق غير أعداد قليلة من الصحف المذكورة سلفا وصحف أخرى تصدرها الأحزاب الدينية. وبسؤال أحد البائعين الذي كان يجمع أشياءه قبل أن يغادر مكانه الذي اعتاد العمل فيه، قال: «كثيرون كانوا يشترون الجرائد مرغمين لأن المتاح محدود، وآخرون لم يكونوا يعلمون بموضوع الاحتجاب».

ويضيف عم سيد وهو يلملم حاجاته: «نحن تعبنا، ألن تنتهي مشاكل هذا البلد فالمحتجون ينسون أن الفقراء هم المتضررون».

ويقول يحيى قلاش عضو نقابة الصحافيين إنه لا يوجد أمام الإعلاميين سوى الاحتجاج بكل الطرق السلمية المشروعة، ومن أمام مقر النقابة قال قلاش لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من وسط الوقفة الاحتجاجية التي نظمها جموع الصحافيين والتي خرجت في مسيرة إلى ميدان التحرير للمشاركة في مليونية الإنذار الأخير: «إن وضع الصحافة في مسودة الدستور الجديد يعد تراجعا إلى الوراء إلى النظام الفاشي فهو أسوأ من نظام مبارك، ولذلك فنحن نحتج على الإعلان الدستوري ولا يمكن أن يمر هذا الدستور الذي لا يعبر عن روح ثورة 25 يناير ولا يعبر عن توافق القوى الوطنية ولا يمثل طوائف الشعب المصري».

وفي عهد نظام الرئيس السابق حسني مبارك، قامت الصحف بالاحتجاب ثلاث مرات؛ كانت الأولى في عام 1995، بعد صدور قانون رقم 93 لنفس العام والذي بمقتضاه يتم حبس الصحافيين في قضايا النشر.

وكانت المرة الثانية في عام 2006 عندما احتجب عدد من الصحف احتجاجا على مشروع قانون يسمح باستمرار العمل بعقوبة الحبس في قضايا النشر وذلك بعد تعديلات على قانون العقوبات تلغي عقوبة الحبس في قضايا النشر، ولكن التعديلات استحدثت نصا يوجب حبس الصحافي إذا طعن في الذمة المالية للموظفين العموميين، وأعضاء المجالس النيابية المنتخبة، والمكلفين بخدمة عامة.

وفي عام 2007، اتفق 15 رئيس تحريرٍ في صحف حزبية ومستقلة على الامتناع عن إصدار صحفهم، احتجاجا على صدور أحكام ضد 10 صحافيين، بينهم 5 رؤساء تحرير بتهمة إهانة قيادات في الحزب الوطني، وتحريف تصريحات لأحد وزراء النظام السابق.

وقال جمال فهمي عضو نقابة الصحافيين إن الشعب المصري ينتفض دفاعا عن الحرية والكرامة التي نادت بها ثورة 25 يناير والصحافة المصرية ليست منفصلة عن الواقع المصري، ومن قلب ميدان التحرير قال فهمي لـ«الشرق الأوسط»: «إن حركة المقاومة الشعبية التي تقوم ضد جماعة الإخوان المسلمين التي تبني مكان نظام مبارك نظاما أكثر فسادا وديكتاتورية وفاشية يصادر الحريات، فلأول مرة في تاريخ مصر تحتجب الفضائيات عن الظهور من أمام مشاهديها في إشارة واضحة على الظلام الذي تحاول الجماعة أن تدخل مصر فيه».

وكان صوت فهمي عبر الهاتف يداخله أصوات المتظاهرين في الميدان التي كانت تهتف «باطل باطل»، وتابع فهمي: «اليوم يشارك في المليونية شيوخ أزهريون الذين شعروا بالخطر الذي يحدق بمصير البلاد من قبل جماعة تنسب نفسها للإسلام».

وكان أمين الرافعي، رئيس تحرير جريدة «الشعب» آنذاك، أشهر من اتخذ قرارا بحجب صحيفة في مصر وكان هذا في عام 1914، وذلك اعتراضا على إعلان الحماية البريطانية على مصر آنذاك، حيث قامت جريدة «الشعب» والتي كانت أكثر الصحف انتشارا وقتها، بالاحتجاب تفاديا لنشر قرار إعلان الحماية البريطانية على مصر بالصحيفة.

وفي عام 1920، احتجبت الصحف المصرية جميعها لثلاثة أيام متتالية، احتجاجا على عودة الرقابة وممارسة القمع الفكري عليها إبان الاحتلال البريطاني، حيث كانت سلطات الاحتلال ممثلة في الكولونيل «سيمز» رئيس مراقبة المطبوعات قد استدعت مديري الصحف وأبلغتهم بقرار عودة الرقابة، الذي بسببه كانت صحف كثيرة تصدر وبها فراغات تدل على أن الرقيب لم يأذن بنشر ما كان معدا للطبع. ولم يسكت الصحافيون بالطبع، واجتمع معظم مديري الصحف آنذاك وتشاوروا وتباحثوا في مواجهة هذا القرار، فقرروا بالإجماع الاحتجاب لثلاثة أيام متواصلة.

ونتيجة تشديد الرقابة العسكرية على الصحف ومصادراتها احتجبت الصحف عن الصدور في عام 1923 على الرغم من أن دستور 1923 كان ينص على حظر الرقابة على الصحف والإغلاق والتعطيل والمصادرة.

ومن أبرز مرات احتجاب الصحف المصرية في التاريخ الحديث، ما حدث عقب مظاهرات 1946، حينما احتجبت كل الصحف الوطنية تقريبا حدادا على أرواح شهداء المظاهرات.

وفي عام 1951، قامت الصحف بالاحتجاب مجددا احتجاجًا على قوانين جديدة للصحافة تقدم بها أحد نواب البرلمان المصري وكانت الحكومة تنوي فرضها لتقييد حرية الصحافة بمصر، والتضييق الشديد على الصحف.