طرابلس تحت النار لليوم الثاني.. و«الجثث وحدها لا تكفي»

العاصمة اللبنانية الثانية وقعت في كمين تلكلخ وخروجها صعب

عناصر من الجيش اللبناني في نقطة تفتيش بمدنية طرابلس بعد الأشتباكات التي حدثت بين مؤيدي النظام السوري ومعارضيه في المدينة امس (أ.ب)
TT

«إن لم تهدأ المعارك اليوم، فغدا بالتأكيد، لأنه لا مقومات لاستمرار إطلاق النار في طرابلس، لا في السياسة ولا في غيرها». هذا ما قاله مازن شحود، وهو من فاعليات باب التبانة لـ«الشرق الأوسط»، مباشرة بعد خروجه من اجتماع بعد ظهر أمس عقد في منزل النائب عبد اللطيف كبارة، جمع القادة الميدانيين في باب التبانة للاتفاق على تهدئة المعارك المستمرة منذ يومين في الضواحي الشمالية لطرابلس، بين جبل محسن وباب التبانة وحصدت ما يقارب تسعة قتلى وخمسين جريحا.

وكانت طرابلس قد عاشت ليلة حامية الوطيس قبل انبلاج فجر أمس، بسبب معارك استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقنابل والقذائف، دارت على مختلف محاور القتال، في حين طال رصاص القنص أحياء مختلفة من المدينة، بعضها بعيد نسبيا عن مواقع القتال، مما جعل السكان يصابون بالرعب، ويلتزمون بيوتهم خشية تطورات لا تحمد عقباها. وقطعت الطريق الدولية التي تربط شمال لبنان بسوريا بسبب كثافة رصاص القنص. واستمرت الاشتباكات خلال نهار أمس، لتحصد المزيد من الأرواح.

وعقد اجتماع عند الظهر في منزل النائب عبد اللطيف كبارة ضم سياسيين، صدر بعده بيان يطالب بوقف سريع وفوري لإطلاق النار، ومن ثم عقد اجتماع ثان ضم القادة الميدانيين في منطقة باب التبانة الذين وافقوا بدورهم على وقف إطلاق النار.

وعلى الأثر، وبمجرد انفضاض اجتماع هؤلاء، عزز الجيش اللبناني وجوده في المنطقة، ودفع بمزيد من الدبابات للفصل بين المتحاربين، إلا أن البعض استهدف الجيش ولم يلتزم بما اتفق عليه، مما دفع بالجيش إلى الرد على مصادر النيران، وبقيت الاشتباكات متقطعة بالأسلحة الخفيفة، والقذائف مستمرة حتى ساعات المساء الأولى.

وكانت هذه الاشتباكات قد بدأت بسبب وقوع ما يقارب عشرين شابا لبنانيا غالبيتهم من شمال لبنان، في كمين في تلكلخ السورية نصبه لهم الجيش السوري، ووصل خبر مقتل الكثير منهم يوم الجمعة الماضي، ونشرت صور ومقاطع فيديو تظهر تمثيلا بالجثث وتعذيبا للشبان الذين قال البعض إنهم ذهبوا كمسعفين في حين قال البعض الآخر، إنهم جندوا للقتال مع الجيش الحر.

ولم تهدأ النفوس أمس، رغم إبلاغ وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور من سفير سوريا لدى لبنان عبد الكريم علي، بأن السلطات السورية وافقت على تسليم جثامين اللبنانيين الذين قتلوا في تلكلخ، على أن يعقد اجتماع تحدد خلاله الآليات وموعد التسليم. وقال السفير السوري لدى لبنان عبد الكريم علي خلال حديث تلفزيوني أمس: «إن المدى الزمني لتسليم الجثث لن يكون طويلا، والتسليم سيكون على أكثر من دفعة، وذلك حسب التنسيق مع الجهات المعنية». إلا أن الموافقة السورية اقتصرت على ما يبدو على تسليم الجثث دون أن يعرف ما سيكون مصير الذين ربما يكونون قد وقعوا في الأسر. وهو ما يمكن أن يجعل كمين تلكلخ أشبه بقصة إبريق الزيت في طرابلس بحيث ما إن تحل عقدة منها، حتى تظهر عقد أخرى وتتسبب في تفجير الوضع. فتسليم الجثث إن حصل سيكون وقعه قويا على الأهالي وانعكاساته يصعب التنبؤ بها، وإن لم يحصل سيبقى يتسبب في احتجاجات وغضب عارم. وتسليم القتلى لن يحل المشكلة، إذ إن هناك من لم يقتلوا ولا يعرف مصيرهم أو عددهم. وهو ما دفع وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي إلى المطالبة ليس فقط بتسليم الجثامين، معتبرا أن «هذا لا يكفي»، وإنما يتوجب «الإتيان بالباقين على قيد الحياة لمحاكمتهم في لبنان».

وسألنا مازن شحود عما سيترتب عليه استعادة الجثامين، كما هو مطروح حاليا، دون استعادة الأسرى فأجاب: «لسنا نحن أصحاب لعبة إبريق الزيت، هناك من تستهويه هذه اللعبة. الغضب من النظام السوري لم يولد مع كمين تلكلخ، بل من عام 1976، حين دخل الجيش السوري إلى لبنان واقتص من الأهالي». وأضاف شحود: «هناك غضب وتفاعل شعبيان، وهناك استثمار سياسي، لا يكون دائما في مكانه الصحيح. وليست باب التبانة هي المكان الصالح للاستثمار، لأنها حرب طالت وباتت عبثية لا طائل تحتها، نحن، وبصراحة ودون مواربة، نتمنى القضاء على الحزب العربي الديمقراطي (حزب علوي) وهنا أميز بين الحزب كحزب سياسي والعلويين كمواطنين، لكننا نعرف أن التوازنات الطائفية في لبنان لا تسمح بذلك، ولن يحسم أي أحد منا المعركة لصالحة».

واعتبرت الأمانة العامة لقوى «14 آذار» أن «ما تشهده طرابلس هو من تصميم نظام الأسد المتهاوي لاستعادة دورة العنف بين أهل المدينة الواحدة، ووضع أمن الناس في منطقتي باب التبانة وجبل محسن تحت رحمة مخططاته»، مشيرة إلى أن «سعي نظام الأسد إلى إشعال مدينة طرابلس هو للتعمية على تضييق خناق الثورة عليه، ولا بد أن يواجه بحل جذري تفرضه الدولة بقواها الأمنية والعسكرية، المدعومة بتأييد شعبي لم يكن يوما خافيا على أحد».