شوكة الجيش السوري تضعف في ظل تحقيق الثوار لمكاسب على الأرض

مضادات الدبابات والطيران أسهمت في تحقيق التوازن

TT

بعد قرابة عامين من بدء القتال، تظهر تصدعات حادة في آلة الحرب مع استيلاء الثوار الشجعان على المزيد من القواعد العسكرية والمطارات وإجبار وحدات الجيش على التراجع خلف الخطوط الدفاعية في المدن الرئيسية، بحسب مسؤولين ومحللين عسكريين غربيين. وحققت قوات المعارضة سلسلة من الانتصارات التكتيكية في ضواحي دمشق خلال الأيام الأخيرة، وتتقدم بشكل مطرد صوب مطار المدينة، مضيفة لما يراه بعض المحللين شعورا بالزخم أخذ يتشكل منذ الصيف الماضي.

وأسهمت الأسلحة القوية المضادة للدبابات والطائرات في تحقيق التوازن في صراع كان ينظر إليه من قبل باعتباره غير متوازن بدرجة كبيرة - بحسب محللين - إلى حد أن قادة الجيش باتوا عاجزين أو غير مستعدين لصد هجمات الثوار على القواعد العسكرية الضخمة الكائنة على أطراف العاصمة السورية.

وقال جيفري وايت، وهو محلل عسكري سابق لشؤون الشرق الأوسط بوكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع الأميركية «النظام لا يتدخل للدفاع عن مواقعه. وعندما يحاول التدخل، غالبا ما يكون الفشل حليفه».

وتعتبر الجماعات المتطرفة بين أوساط المعارضة السورية مسؤولة عن بعض المكاسب. ويقول قادة الثوار ومحللون بالخارج إن الجماعات قد تنامت بصورة أكبر خلال الأشهر الأخيرة بسبب ما تتلقاه من تمويل وأسلحة من دول مانحة، إضافة إلى رجال أعمال سوريين من خارج البلاد.

وقد استولت إحدى ميليشيات الإسلاميين المشتبه في ارتباطها بتنظيم القاعدة على قاعدتين عسكريتين تابعتين للنظام خلال الأسبوعين الفائتين.

ولفت العديد من الخبراء العسكريين المستقلين إلى تحول ملحوظ في مكاسب الثوار بدءا من منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) في الوقت الذي بدأت تظهر فيه على السطح تقارير عن قصف مروحيات وطائرات سورية بقذائف محمولة على الكتف. ويقول مسؤولون غربيون ومسؤولون استخباراتيون من الشرق الأوسط إنه قد تم تهريب نحو 40 نظام مضادا للصواريخ محمول على الكتف إلى أجزاء من سوريا واقعة تحت سيطرة الثوار منذ الصيف الماضي. إلا أن محللين يقولون إن نجاحات المعارضة تعكس أيضا الوضع المتدهور للجيش السوري، الذي يبدو أنه قد انهارت إمداداته وروحه المعنوية. وقال وايت، المحلل السابق بوكالة الاستخبارات الدفاعية، إن إمكانات الثوار «تتحسن، بفضل تطور التجهيزات وزيادة حجمها، لكن من المؤكد أيضا أن قوات النظام قد استنزفت».

وحذر خبراء عسكريون من احتمال استمرار القتال لفترة طويلة، حاملا تطورا مفاجئا مثل اغتيال الرئيس السوري بشار الأسد أو تخليه عن منصبه. وقال جوزيف هوليداي، وهو ضابط سابق بالجيش الأميركي وباحث رفيع المستوى بمعهد دراسات الحرب والذي درس إمكانات الثوار السوريين، إن حدوث انتصار حاسم للثوار ربما يتطلب عدة شهور، إن لم يكن أعواما.

وقال هوليداي إن فرقا من الثوار قد أظهرت مهارات تكتيكية متزايدة وقامت بنشر أسلحة غيرت من حالة الزخم، من بينها قنابل على جانب الطريق وصواريخ مضادة للطائرات. وقد أعاقت القنابل حركة القوات السورية وأجبرت المدافع المضادة للطائرات الطيارين السوريين على الطيران لارتفاعات أعلى، على حد قوله. وتتمثل المحصلة النهائية في أن الجيش السوري قد تخلى عن أراضٍ مهمة، ويبدو أنه يفتقر إلى الموارد اللازمة لاستعادتها. يقول هوليداي «ما نشهده هو انكماش في النظام. لقد نجح الثوار في إجبار النظام على الخروج من مواقعه البعيدة الرئيسية».

غير أن الثوار ما زالوا يعانون من غياب التنظيم بين الجماعات المسلحة التي قد استولت على أسلحة لاستخدامها ضد النظام عبر أنحاء الدولة، على حد قوله. وقال «ما لم نشهده هو أي تنظيم يتجاوز المستوى المحلي، وهذا أمر مقلق».

وقد أعرب مسؤولون بإدارة أوباما عن مخاوفهم من غياب جبهة موحدة بين جماعات المعارضة. ومن المتوقع أن تنضم الإدارة إلى بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الحلفاء الآخرين الأسبوع المقبل في الاعتراف بائتلاف موحد كممثل شرعي للشعب السوري. لكن واشنطن لا تزال غير عازمة على تزويد الثوار بالأسلحة.

لقد أدت المنافسة على الأسلحة والأموال إلى تعميق الفجوة بين الجماعات الإسلامية والعلمانية داخل صفوف المعارضة. ويشكو قادة علمانيون بمرارة من الافتقار إلى الدعم الملموس من جانب مؤيديهم الغربيين. وظهرت قرابة ست جماعات دينية متطرفة في سوريا منذ بداية العام. وتعتبر الجماعة التي استحوذت على أكبر قدر من الاهتمام، ويبدو أنها قد حققت أكبر قسط من النجاح هي «جبهة النصرة» التي يعتقد أنها ذات صلة بتنظيم القاعدة.

ومنذ أن تشكلت الجماعة في يناير (كانون الثاني)، اعترفت بمسؤوليتها عن سلسلة من الهجمات الانتحارية ضد أهداف عسكرية وأمنية. وقد استولت على قاعدتين عسكريتين تابعتين للنظام على الأقل في الأسبوعين الماضيين، وجمعت الأسلحة المتبقية من القوات السورية، بحسب نشطاء معارضة.

ويقول أندرو تابلر، خبير في شؤون سوريا بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى «لسوء الطالع، هناك المزيد من الجماعات المتطرفة التي تحصل على أسلحة. وهذا لا يأتي من استحواذها على أسلحة جديدة فحسب، ولكن أيضا من إمدادها بأسلحة من الخارج».

وعلى الرغم من الزيادة المطردة في تدفق الأسلحة إلى البلاد، يقول بعض المقاتلين الثوار إن الجزء الأكبر من أسلحتهم وذخيرتهم يأتي من قواعد الجيش التي قد استولى الثوار عليها. وغالبا ما تنفد الإمدادات.

في مدينة ريحانلي الواقعة على الحدود التركية، حيث يتجه العديد من الثوار المصابين للعلاج، وصل شاب عمره 21 عاما والذي لم يذكر سوى اسمه الأول، وهو عمار، قبل 11 يوما، بعد أن أصابت إحدى رصاصات القناصة مقدمة ساقه إبان القتال بالقرب من حلب. وقال إنه لم يكن لديه سوى طلقة واحدة في قاذفة الـ«آر بي جي» الصاروخية حينما حاول ضرب القناصة. وحينما قصفه القناصة مجددا، تعرض عمار لإصابة في ساقه.

قال عمار، الذي انشق عن الجيش قبل سبعة أشهر «نحن نفتقر إلى العديد من الأشياء». والآن، يتشارك غرفة مع اثنين من الثوار أحدهما كان يعمل في متجر إلكترونيات والآخر في مصنع لشرائح البطاطس قبل الحرب. ويقول عمار «لم نكن نملك مدافع رشاشة أو أسلحة مضادة للطائرات أو ذخيرة كافية. فقط مدافع كلاشنيكوف وقذائف (آر بي جي)».

يرقد مصطفى أكوش في فراش، مصابا بشلل بداية من وسطه، منذ أن اخترقت طلقة عموده الفقري أثناء القتال قبل ثلاثة أشهر في حلب. كان ملازما في الجيش، وقبل انشقاقه بداية هذا العام قام بتهريب ذخيرة وزود الثوار بإمدادات. وقال إنه فر من الجيش بشكل رسمي عندما طلب منه تقديم تقرير للمحققين بشأن الطلقات المفقودة.

وقال أكوش بينما كان يلف الضمادات مغطيا ساقيه أسفل ركبتيه «هناك فجوة كبيرة بين الأسلحة التي يملكها الجيش والأسلحة التي نملكها نحن».

وقد قدم تبريرا واحدا لنجاح الثوار على الرغم من تفوق قوات النظام عليهم في العدد والأسلحة، حيث قال أكوش «هذا راجع إلى أننا ندافع عما نشعر بأنه مبرر أخلاقيا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»