توالي الاستقالات داخل جهاز الدولة يفتح الجدل حول «شرعية» مرسي

مبادرات من الأزهر والقوى السياسية لتجاوز الأزمة في انتظار تجاوب «الرئاسة»

TT

فتحت الأزمة السياسية الجارية في مصر حاليا، وما تخللها من اشتباكات وأعمال عنف خلفت مئات الضحايا، جدلا سياسيا داخل صفوف المعارضة والقوى الثورية المحتشدة في الميادين، حول شرعية الرئيس «الإسلامي» محمد مرسي واستمراره في الحكم، بعد مرور خمسة أشهر فقط على تنصيبه، في ظل إصرار آلاف المتظاهرين على ترديد شعار «الشعب يريد إسقاط النظام».

ويأتي هذا الجدل في ظل توالي الانسحابات والاستقالات بين كبار هيئة مستشاري الرئيس مرسي وداخل الجهاز الإداري في الدولة، وآخرهم أمس المفكر المسيحي رفيق حبيب مستشار الرئيس ونائب حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، بالإضافة إلى عصام الأمير رئيس التلفزيون، بعد تجاهل «الرئاسة» لكل مبادرات الحل التي طرحت حتى الآن، ومنها مبادرة للأزهر الشريف، والمستشار زغلول البلشي مساعد وزير العدل لشؤون التفتيش القضائي، أمين عام اللجنة العليا للانتخابات المشرفة على إجراء الاستفتاء.

وفجر الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المصري في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ومنحه صلاحيات مطلقة وحصانة لقراراته، أزمة سياسية كبرى، هي الأسوأ في البلاد منذ انتخاب مرسي في يونيو (حزيران) الماضي، كما تطورت الأحداث إلى اشتباكات عنيفة بين أنصار ومعارضي الرئيس، مما أدى إلى سقوط 6 قتلى وأكثر من 700 جريح.

وفي ضربة قاسية للرئيس مرسي وحزبه (الحرية والعدالة)، أعلن الدكتور رفيق حبيب أمس مستشار الرئيس ونائب حزب الإخوان، اعتزاله العمل السياسي. وقال على صفحته الرسمية بموقع «فيس بوك»: «قررت اعتزال أي عمل سياسي، والانسحاب من أي دور سياسي، الآن ومستقبلا، بما في ذلك الانسحاب من أي دور في مؤسسة الرئاسة وحزب الحرية والعدالة، مكتفيا بدوري الأصلي كباحث ومحلل سياسي».

من جانبه، أعلن عصام الأمير رئيس التلفزيون المصري أنه «قدم استقالته من منصبه احتجاجا على الطريقة التي تدار بها البلاد حاليا»، مشيرا إلى أنه «أرسل استقالته بالفعل إلى صلاح عبد المقصود وزير الإعلام المصري».

كما قرر عبد المنعم الصاوي، عضو الجمعية التأسيسية للدستور المتحدث الرسمي باسمها، اعتزاله العمل السياسي اعتراضا منه على الأحداث الأخيرة والاشتباكات بين مؤيدي الرئيس مرسي ومعارضيه أمام قصر الاتحادية. وقال في تغريدة له على موقع «تويتر»: «بعد وصول الأمور إلى هذا الحد.. أعلن اعتزالي التام للعمل السياسي.. أدعو الله أن يحفظ دماء المصريين».

وتأتي هذه الاستقالات بعدما قدم ما لا يقل عن ستة من مستشاري الرئيس ومساعديه، استقالاتهم أول من أمس، على خلفية الإعلان الدستوري الأخير، والاشتباكات العنيفة التي وقعت الليلة قبل الماضية.

كما أكد المستشار زغلول البلشي الذي يشغل حاليا منصب أمين عام اللجنة العليا للانتخابات المشرفة على إجراء الاستفتاء أنه «لن يشارك في عملية الإشراف على الاستفتاء على دستور أريقت بسببه دماء المصريين».

وعقد الرئيس مرسي، صباح أمس، اجتماعا مع رئيس الحكومة هشام قنديل بحضور وزراء «الدفاع، والداخلية، والعدل، والإعلام، والشؤون القانونية، ورئيس المخابرات العامة، وقائد الحرس الجمهوري»، لبحث سبل التعامل مع المظاهرات. وقالت «الرئاسة» إن «اللقاء جاء في إطار لقاءات الرئيس المتتالية لمتابعة تطورات المشهد السياسي والأمني في ظل الأحداث المؤسفة التي شهدتها مصر خلال الأيام الماضية». ورأى نشطاء وسياسيون أن اجتماعات مرسي هذه، ودعوته للحوار أصبحت بلا طائل، حيث إنه «فقد شرعيته» في ظل صمته على التنكيل بمعارضيه من جانب أنصاره ومؤيديه. وقال الدكتور محمد البرادعي رئيس حزب «الدستور» والمنسق العام لجبهة «الإنقاذ الوطني» المعارضة، إن «أحداث قصر الاتحادية هي إعلان رسمي لموت الإعلان الدستوري والاستفتاء عليه، إكلينيكيا، وفقدان كامل لشرعية النظام»، مضيفا في تدوينة له أمس على «تويتر»: «بعد العنف المفرط ضد التظاهر السلمي وقتل المتظاهرين تحت سمع وبصر الدولة، مات الإعلان الدستوري والاستفتاء إكلينيكيا، وفقد النظام كل شرعية».. بينما أكد أحمد البرعي، نائب رئيس حزب «الدستور»، وزير القوى العاملة السابق، «سقوط شرعية نظام مرسي، بعد الاشتباكات التي اندلعت في قصر الاتحادية»، وقال البرعي، في وقفة أمام نقابة المحامين أمس: «من معقل القانون، نقابة المحامين، نعلن أن النظام سقطت شرعيته».

في حين بعث مصطفى النجار، رئيس حزب «العدل»، برسالة إلى الرئيس ونائبه ومؤسسة الرئاسة يقول فيها «بعد أدائكم المخجل في إدارة هذه الأزمة.. كلمة واحدة: نحن لا نثق بكم وأنتم لستم مؤتمنين على إدارة الوطن».

لكن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب «مصر القوية» المرشح الرئاسي السابق، أكد أنه على الرغم من مسؤولية الرئيس عما حدث من اشتباكات وإراقة للدماء، لكنه ضد إسقاطه لأنه جاء عبر صندوق الانتخابات. وطالب أبو الفتوح، في مؤتمر صحافي أمس، مرسي بالتحقيق في الأحداث، مشددا على أنه ضد استبداد الرئيس «حتى ولو كان هو أبو بكر الصديق». وحذر من «تحويل المعركة السياسية الآن إلى معركة دينية»، مضيفا أن «المصريين ليس عندهم مشكلة مع الشريعة الإسلامية». وقال أبو الفتوح إن «قصر الرئاسة ملك للشعب وليس ملك لأحد، لا الرئيس ولا جماعة الإخوان». وقدم أبو الفتوح مبادرة للخروج من الأزمة من 6 نقاط، أبرزها سحب الإعلان الدستوري، وتأجيل الاستفتاء على الدستور لمدة شهر على الأقل، وإعادة التوازن لتشكيل الجمعية التأسيسية، وسحب الحشود من الشوارع.

وأطلق حزب «مصر» برئاسة الداعية عمرو خالد، مبادرة لحل الأزمة، اقترح فيها أن تتفق الأحزاب السياسية المعارضة على صياغة وثيقة تشمل كل التعديلات المطلوبة للمواد المختلف عليها في مسودة الدستور، على أن تودع الوثيقة لدى رئيس الجمهورية ليصدر الرئيس بعدها إعلانا دستوريا خاصا بالاستفتاء، كما تقترح المبادرة أن يكون الاستفتاء على مسودة الدستور بثلاثة اختيارات إما المسودة الحالية التي خرجت عن الجمعية التأسيسية، وإما مسودة الدستور المعدلة، وإما رفض الدستور.

في المقابل، دعا محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين إلى «التماسك والوحدة وحذر من الانقسام والفرقة». وقال بديع في أول بيان عام له أمس بعد الأزمة «قوتنا في وحدتنا وتماسكنا.. وضعفنا في تفرقنا وتشرذمنا»، وأضاف: «الاتحاد والتماسك لبناء أوطاننا ولنغلب المصالح العليا على المصالح الشخصية.. فتفرقنا واختلافنا وتشرذمنا لا يخدم سوى أعداء الأمة».

وفي محاولة لإيجاد حل للأزمة، طالب مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، وهو أعلى سلطة فيه، الرئيس مرسي بـ«تجميد الإعلان الدستوري والدعوة لحوار وطني فورا». وقال المجمع في بيان له أمس إنه «يتعين معالجة الموقف بما يضمن وحدة الوطن وسلامة أبنائه وتجميد الإعلان الدستوري الأخير ووقف العمل به والدخول في حوار وطني يدعو إليه السيد رئيس الجمهورية فورا وتشارك فيه كل القوى الوطنية دون استثناء ودون شروط مسبقة».

كما أعرب الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية عن بالغ قلقه من تطور الأحداث في مصر، مناشدا جميع الأطراف بالتحلي بالحكمة وضبط النفس لمعالجة المسائل الخلافية المطروحة، والخروج بحل توافقي للأزمة الراهنة يتفق مع المبادئ الأساسية لنظم الديمقراطية.