الولايات المتحدة تتبنى موقفا مترددا تجاه الأسلحة الكيماوية في سوريا

مسؤولون أميركيون وإسرائيليون: العائق الوحيد أن مواقعها لا يمكن قصفها بشكل آمن

TT

عندما حذر الرئيس الأميركي باراك أوباما الرئيس السوري بشار الأسد، للمرة الأولى، من أن استخدام الأسلحة الكيماوية سيكون تجاوزا للخط الأحمر يجبر الولايات المتحدة على التخلي عن ترددها والتدخل في الحرب الأهلية السورية، كان بذلك يتبنى رؤية شاملة بشأن وضع الحدود التي لا يمكن تجاوزها.

وكان أوباما قد صرح في مؤتمر صحافي في 20 أغسطس (آب) الماضي بأنه «لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي عندما تقع الأسلحة الكيماوية في أيد خاطئة. وعندما نرى كمية كبيرة من الأسلحة الكيماوية تنقل عبر البلاد أو يتم استخدامها فإن ذلك يمثل خطا أحمر بالنسبة لنا، وسيغير من حساباتي».

بيد أن الخط الأحمر الذي تحدث عنه أوباما قد تم نقله بالفعل في الأسبوع الماضي، وسط تقارير استخباراتية بأن السلائف الكيماوية تم خلطها من أجل إمكانية استخدامها كأسلحة، حيث اختفت التحذيرات بشأن نقل الأسلحة من خطاباته وخطابات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون العامة. التحذيرات الجديدة هي أنه إذا استخدم الأسد هذه الأسلحة ضد شعبه أو جيرانه فسوف يواجه عواقب غير محددة، وهو تصريح ضمني كرره وزير الدفاع ليون بانيتا يوم الخميس. وقال بانيتا «أوضح الرئيس الأميركي أنه ستكون هناك عواقب إذا ارتكب نظام الأسد هذا الخطأ الرهيب باستخدام أسلحة كيماوية ضد شعبه». وأكد البيت الأبيض أن الرئيس لم يغير موقفه على الإطلاق، فالأمر كله متعلق بتعريف كلمة «نقل»، فقال توميفيتور، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، يوم الخميس، إن «كلمة نقل» تعني «نشر»، كالسماح للمجموعات الإرهابية مثل حزب الله التي تمتلك معسكرات تدريب قريبة من مواقع الأسلحة، بالحصول على المواد.

هذا التحول ليس بالجديد في المواجهات العالمية، فقد نقل الإسرائيليون خطوطهم الحمراء أكثر من ست مرات خلال السنوات الأخيرة، عندما أشاروا إلى أي مدى يمكنهم السماح لإيران بامتلاك القدرة على التوجه نحو بناء سلاح نووي، قبل التحرك.

لكن بالنسبة لأوباما فإن التغيير في الصياغة يعكس السياسات الصعبة ولوجيستيات العمل الاستباقي ضد الأسد. فلم يتحدث رئيس أميركي في السابق بشأن الحاجة إلى الحيلولة دون استخدام أسلحة الدمار الشامل، ومراقبة المخزون القائم. ولم يصر رئيس علانية على أن الوقت قد حان لخروج الولايات المتحدة من الحروب في الشرق الأوسط، وعدم الدخول في حروب جديدة.

وقال مسؤول في الإدارة هذا الأسبوع حيث تحاول الوكالات الاستخبارية في الولايات المتحدة وحلفاؤها تبين النشاط المثير للقلق في واحد أو اثنين من ثلاثة مواقع يتم تخزين الأسلحة الكيماوية السورية بها «هذه قضية مصداقية رئاسية. لكن خياراتنا محدودة للغاية». لكن العائق الوحيد، بحسب مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، هو أن مواقع الأسلحة الكيماوية لا يمكن قصفها بشكل آمن.

وقال أحد المسؤولين العسكريين الأميركيين، الذي طلب كالآخرين ممن التقيناهم عدم ذكر اسمه «قد يخلق ذلك وضعا نحاول تفاديه»، فمما يزيد الأوضاع سوءا أن العديد من مواقع التخزين قريبة من الحدود مع الأردن، وهو ما يثير إمكانية أن تنحرف أي سحابة مواد كيماوية ناتجة عن هجوم عليها إلى أرض دولة حليفة للولايات المتحدة. وأوضح المسؤولون الأميركيون أن إنزال القوات على الأرض ليس بالخيار الجدي».

لكن الإسرائيليين يتقبلون فكرة الضربات الاستباقية بشكل جدي. وقد قاموا بذلك بالفعل في السابق ضد المفاعل النووي لصدام حسين في العراق عام 1981، وآخر ضد المفاعل النووي الذي بنته كوريا الشمالية في الصحراء السورية، في سبتمبر (أيلول) عام 2007.

وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين البارزين «لا أعتقد أننا سنشن ضرة أخرى ما لم يضع حزب الله يده على هذه الأسلحة. لكننا أكدنا على رغبتنا في القيام بذلك، وربما أكثر من الأميركيين أنفسهم».

أشار مسؤولو الإدارة إلى أن أوباما عندما حذر ضد نقل الأسلحة الكيماوية لم يكن يعني نقل الأسلحة من موقع إلى آخر، وهو ما حدث عدة مرات، بل كان إعدادها بهدف استخدامها. لكن هذا تحديدا هو ما عبرت الوكالات الاستخبارية عن خشيتها من وقوعه في الأيام الأخيرة.

وكان مسؤولون أميركيون قد لاحظوا مزج القوات السورية كميات صغيرة من السلائف الكيماوية لغاز السارين، في واحد أو اثنين من مواقع التخزين، على الرغم من عدم وجود أي مؤشر بشأن استعداد الأسد، الذي تتعرض قواته للاعتداء من قوات الثوار، لاستخدام ترسانته.

وأكد بانيتا أول من أمس الخميس أن الإدارة تبدي أهمية وقلقا بالغين من إمكانية لجوء الأسد إلى استخدام الأسلحة الكيماوية في حال اقتراب مقاتلي المعارضة من دمشق، حيث دأبت سوريا على مدى العقود الأربعة الماضية على إنشاء واحدة من أضخم المخزونات غير المعلنة من الأسلحة الكيماوية في العالم، بما في ذلك مخزون ضخم من غاز الخردل، وغاز السارين والسيانيد، بحسب تقارير نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

* خدمة «نيويورك تايمز»