رئيس الوزراء التونسي: نكبتنا في نخبتنا.. وأغلبهم كانوا مع النظام السابق وأصبحوا الآن ثوارا

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه شخصيا ليس قلقا من الإضراب العام

حمادي الجبالي
TT

يواجه رئيس الحكومة التونسي حمادي الجبالي تحديات سياسية واقتصادية عدة، إلا أنه يبدو متفائلا لما تحمله تونس منذ الثورة التي لم تكمل العامين بعد. والجبالي يعتبر أن هناك مسؤولية أمام تونس لإنجاح تجربتها كي تنعكس على دول عربية تمر بعملية انتقال سياسي.

وهو يعتبر أن التحدي في تونس يتمثل في النخبة السياسية التي قال إنها لم تشارك في الثورة وكان أغلبها مع النظام السابق وانقلبوا الآن وصاروا ثوارا ويتصدرون الثورة زورا وبهتانا على حد قوله.

التقت «الشرق الأوسط» برئيس الوزراء التونسي في العاصمة التونسية لبحث الخطوات السياسية المقبلة للبلاد. وفيما يلي أبرز ما جاء في الحوار:

* ما التحدي السياسي الأكبر بالنسبة لكم؟

- سأتكلم معك بكل تلقائية.. التحدي السياسي عندنا في تونس هو النخبة السياسية. الشعب في عمومه في الكثير من الأحيان يظهر وعيا ومسؤولية أكثر وأكبر من النخبة.. نكبتنا في نخبتنا. النخبة التونسية لم تشارك في الثورة، وكانت أغلبها مع النظام السابق إلا القليل من المقاومين في كل المجالات السياسية والإعلامية والثقافية، إلى آخره. وكلهم تقريبا الآن انقلبوا وصاروا ثوارا ويتصدرون الثورة زورا وبهتانا. والشعب الآن نتج عن ذلك (يشعر) باليأس والاستياء من الشعب وفئاته كلهم وخاصة الشباب. وهذه النخبة السياسية الآن في خصام وثرثرة وتضييع الوقت من أجل أهداف إما شخصية أو فئوية أو أجندات. والمؤسف كله باسم الثورة، فالمشكلة الآن أن ترتفع هذه النخبة أو يمكن أن يفعل الشعب شيئا آخر، فلا بد من اعتبار مصلحة البلد. أنا شبهت تونس بصورة أقرب إلى الحقيقة، مثل الجريح الذي ينزف دما في الصحراء وهؤلاء الوحوش الكواسر من فوق ينهشون دمه وهو ينزف دما، وكل يختطف قطعة من نفسه، مع الأسف..

* ولكن..

- الصورة ليست قاتمة ولكن حقيقية، الشيء الجميل هو هذا الشعب فعلا، الذي ما اغتر ويفهم وهو ذكي جدا، وأتمنى أن تستفيق النخبة السياسية وخاصة أحزابها ومثقفيها وإعلامييها لأن ما زال العالم العربي والشعوب العربية مع الأسف الشديد تقوم فيه النخبة بدور حاسم. في الغرب، الفارق بيننا، أن الشعب له من القنوات ومن المؤسسات والجمعيات وصنع القرار والتأثيرات، وهذا لم يحدث بعد، إذا الثورة لم تتكتل بعد.

*ولكن في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ تونس هناك حاجة لتنازلات وتحقيق إجماع ما على القرارات السياسية ولذلك اعتمدتم الترويكا الحاكمة الآن في تونس لتخطي المرحلة الأولى من الانتقال السياسي. فكيف تعالجون انعدام الثقة بين الفئات السياسية المتعددة؟

- صحيح، عندما أقول النخبة، ما هي المشكلة؟ إنها لم تتفق على أجندة أو خريطة طريق أو وفاق، والذي يمنع ذلك الاتفاق هي المصالح الفئوية والشخصية خاصة. بصراحة، الكل يريد أن يكون رئيسا للجمهورية، الكل يريد أن يكون بالحكم ولكن ليس بهذا الشكل. علينا أن نضحي للمصلحة الكبيرة، وما هي؟ تونس تمر بمرحلة انتقالية، مرحلة تأسيس، ونحن نعلم أن مرحلة التأسيس للديمقراطية ليست بالأمر الهين، تحتاج إلى وقت، إلى مخاض، إلى تراكم في التجارب. هذا يحتاج على الأقل 10 سنوات إلى 15 سنة، حتى تتضح الرؤية وتتركز التجربة في الأحزاب والحكم وفي المؤسسات وفي الرأي العام وفي التقاليد، لتصبح البلاد قادرة على أن تسير. إيطاليا، بقيت 3 أشهر من دون حكومة ولكنها سائرة، بلجيكا وغيرها أيضا مرت بذلك. نتساءل لماذا؟ لأن المؤسسات قائمة ولهذا نحن لا بد أن نتفق أن هذه المرحلة وخاصة هذه المرحلة القريبة لمدة العام أو العامين المقبلين إلى حين إجراء الانتخابات هي مفصلية ولا بد أن يتنازل الكل لمصلحة الكل، من الترويكا إلى الأحزاب الأخرى. لا أقول فقط المعارضة، لا بد من التنازلات، مثلا حول الدستور. ماذا يمنع أن نصوغ دستورا بسرعة، هذه ليست أول مرة لنا، فلدينا أول دستور في العالم العربي. وكأننا الآن نكتشف الصفر، لنعدل ما هو موجود في الدستور بناء على لجنة من الخبراء تعرض ذلك على المجلس التأسيسي، الآن نقاش ونقاش وتضييع وقت والشعب يتفرج إلى درجة أنه مل من هذا كله. وهذه مشكلة، إذن لنتفق على مراحل مثل (إقرار) هيئة الانتخابات والإعلام والقانون الانتخابي والدستور ونذهب إلى الأمام. أنا اقترحت شخصيا في يونيو (حزيران) لنعجل في حياة الأمة. هذا هو الإشكال القائم في بلادنا.

* ماذا تتوقعون من الممكن فعلا إجراء الانتخابات المقبلة؟

- أنا لا أتوقع، أنا أطلب ولكن الغريب في الأمر عندما طلبت هذا الأمر، قال لي المجلس التأسيسي: «أنت هذا الأمر ليس لك دخل فيه». وقال لي ذلك أعضاء من النهضة (ضاحكا). غريب هذا الأمر، لم أر في العالم، أن نواب الحزب الحاكم ينتقدون رئيس حكومتهم. ومن الممكن أن تجري (الانتخابات) في يونيو، هذا ممكن. لقد عملنا انتخابات من الصفر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من دون تجربة ديمقراطية في الانتخابات، وكانت جيدة، وعملناها في 6 أشهر من الصفر، الآن لدينا القائمات والمكاتب والشباب الذين عملوا في الانتخابات السابقة والهيكلة إذن لا بد من المجلس التأسيسي أن يسرع بالدستور.

* لنتحدث عن الدستور. نرى مصر وهي تمر بأزمة حقيقية بسبب الدستور؟

- الله يحفظ مصر..

* هل ممكن أن تشهد تونس خلافات مماثلة حول الدستور، خاصة أن بعض البنود المتعلقة بالدين والنساء أثارت ضجة هنا في تونس أدت إلى تنازلات وتغييرات. فكيف تقيمون عملية وضع الدستور الجديد في تونس؟

- نحن استغربنا من أبنائنا إثارة هذه المواضيع، الموضوع الأول في ما يخص الشريعة، حتى إخواننا في الشرق من الإسلاميين اتهمونا قالوا إن حزب النهضة لا يريد تطبيق الشريعة، وقالوا إنهم جاءوا إلى الحكم وسيتخلون عن الشريعة. نحن قلنا ما هو مفهوم الشريعة؟ علينا الاتفاق؟ الشريعة عند الغير هي الحدود، قطع اليد والرأس. هذه هي الشريعة عندهم، وحتى عندنا في بعض الحركات الإسلامية. وجاءني سلفي من الخارج، يتحدث عن هذه القضايا، قلت له إن فهمنا للشريعة أنها منهج للحياة، هي الحريات والديمقراطية وحقوق المرأة والمساواة والاعتدال والوسطية والشغل والتعليم والحكم الرشيد، هذه هي شريعتنا. فيما يخص قضية السرقة، التاريخ الإسلامي يعلمنا الكثير. كيف تطبق الحدود والناس جوعى، والناس لا يجدون الأكل. لهذا الآن عندنا تطبيق الشريعة هي الحريات وحقوق الناس. فنقول لمن يثير هذه القضايا، لماذا تقسمون الشعب التونسي الآن؟ الرجل البسيط عندنا، عندما نقول الشريعة، يعتبرها الإسلام. لماذا نفتن في شعبنا، لدينا الآن أولويات. لهذا السبب تخلينا عن هذا الموضوع، وحتى إخواننا في الشرق قالوا إننا تخلينا عن الشريعة.

* وقضية المرأة وحقوقها.. وهناك مخاوف حقيقية حول وضعها؟

- الأمر الآخر قضية المرأة.. لماذا الخوف؟ نحن نختلق مشاكل لأنفسنا، نختلق قضايا هي مطروحة في بلادنا. جاء بعض إخواننا في المجلس التأسيسي قالوا، مساواة نعم ولكن أيضا تكامل. ما فهمهم للتكامل؟ فهمهم أن المرأة تكمل الرجل، وحدث نقاش داخل المجلس التأسيسي، ربي خلق الأنثى والذكر وليست الأنثى كالذكر وكل له دور وفي تكامل في الحياة والعائلة والشارع. حتى الطفل، يريد العائلة ممن له كلمة وهيمنة، يريد من الأب أن يقول له لا، الزم مكانك، ويفرح بذلك. ويريد من الأب أن يكون الشخصية المرجعية. ويريد من الأم عندما يبكي تعطيه من الحنان وتعوضه. هذه أدوار في العائلة. جاءوا إخواننا بكل بساطة، قالوا مساواة وأيضا تكامل، فجاء آخرون واحتجوا. ويجب ألا نثير قضايا وتثير مشاكل، هناك قضية اسمها مساواة، ربنا سبحانه وتعالى أعطاها للمرأة والرجل، مساواة في الحقوق والكرامة. ثم قالوا الإرث، هم إما جهلة وإما يتجاهلون. فقلت لهم اقرأوا وضعوا الأمور في محلها. على كل، تجاوزنا هذه الأمور وهناك وفاق كبير بين التونسيين حول الدستور.

* تم شهدت تونس إضرابات، وهناك كثيرون في الخارج قلقون من تبعات الإضراب العام الأسبوع الماضي، فكيف تتعاملون مع هذه القضية؟

- أية إضراب لا بد أن يستوفي خطوات قانونية بأسباب ومطالب واضحة. ولكن نحن نأخذه من جانب آخر، هذا حق وأنا شخصيا لست قلقا من الإضراب العام. وقد حدثت إضرابات في 4 ولايات. ابحثوا عن الحقيقة. الأمر الذي يثير مشكلا هو عندما يؤخذ قرار الإضراب على مشكلة بالدرجة من الخطورة التي تمس كل الشعب والمصلحة العامة. أنا متأكد أن المتابع سيفهم والشعب سيحكم على كل منا.

* ذكرتم أن تونس باتت مثل المختبر للمنطقة في ما يخص الانتقال السياسي وتغييرات تاريخية في العالم العربي. إلى أية درجة تشعرون بالمسؤولية ليس فقط تجاه تونس بل للعالم العربي الذي ينظر إليكم وللتجارب في تونس؟

- لهذا السبب قلت من الأول إن مع الأسف النخبة التونسية لم تكن في مستوى الحدث وبمستوى الثورة لأنهم لم يدركوا خطورة التجربة التونسية وأهميتها. التجربة التونسية فيها المقومات الكثيرة للنجاح، ليس فيها طوائف ولا قبائل وإلا كانت الشياطين تطل برأسها الآن بالعروشية. ولدينا أقليات من طوائف أخرى وهي محترمة وليس لدينا مشاكل معها، حتى اليهود وغيرهم تونسيون قبل كل شيء. لدينا إدارة ومركزية ونخبة ولدينا تقاليد حزبية وسياسية وثقافية واجتماعية والمرأة وصلت إلى مستوى عال من الوعي والمسؤولية. هناك، التعليم الذي انتشر وكل ذلك يعني أن تونس مهيأة لاحتضان هذه التجربة. ثم إن هناك حركة إسلامية معتدلة وحداثية ومجتهدة ومنفتحة. كما أن هناك تجربة الوفاق السياسي لأول مرة في التاريخ العربي، حزب إسلامي يحكم مع حزب ليبرالي وفي مجلس الوزراء الأحزاب المختلفة موجودة ولكن هناك وعيا راقيا. هناك اختلافات في وجهات النظر ولكن الكل لديه وعي راق، هناك اختلافات ولكن هناك مواقف موحدة. التجربة في الحكومة رائعة. عندما نتدخل، نتدخل ننزع الجبة الحزبية وندخل الحكومة. وهذا أمر في العالم العربي صعب، عادة كل واحد يدخل بتعليمات، مثلما حدث في دول أخرى. ولكن لدينا تجربة جميلة جدا ولا بد أن نستفيد منها. ونجاحنا سيعطي رسالة جيدة جدا، في دول مثل ليبيا ومصر وغيرها. نحن قدمنا نصيحة إلى إخواننا في مصر، لا تحكموا بـ52 في المائة، احكموا بأوسع ما يمكن خاصة في الفترة هذه. قلنا تخلصوا تماما من أن المجتمع الآن يحكمه حزب واحد فقط، تخلصوا من هذه الفكرة. المجتمعات، حتى في العائلة نفسها، مختلفة في الآراء، والحكمة في تجميع هذا الاختلاف وجعله قوة وليس ضعفا. وأنا أستغرب أن في أوروبا كل شيء يفرقهم، يدخلون الاجتماع ونقول لقد انتهى الاتحاد الأوروبي، ولكن لا يخرجون إلا بقرار واحد. لدينا مشكلة كبيرة في إدارة الخلاف، حتى اثنان في ما بينهم، لا يحترم رأيك حتى تنهي كلامك.

* ولكن واقع الحال أن هناك خلافات سياسية. هل الحكومة قادرة في هذه المرحلة أن تتخطى الفوارق؟

- ليست القضية تخص الحكومة فقط فتخص الحكومة والترويكا والطرف المقابل. إذا كان البعض ينتظر أن الحكومة هي وحدها تخلق الجو من التفاهم، فهو خاطئ. من الممكن أن الحكومة تخطئ وتصيب خاصة ونحن جدد في الحكم. قلت أنتم لم تكن لكم الشجاعة الأدبية والسياسية لتستخرجوا درسا من نتائج الانتخابات السابقة. لو خرجت النهضة من الحكم الآن، وأتمنى ذلك لتستريح، ليعودوا ويقولوا عودوا مجددا.

* هل هناك رسالة محددة تريدون أن توجهوها لقرائنا؟

- في قضية وهي أقوال سمعها البعض في المشرق مضرة بالعلاقات. تأتي من بعض زعمائنا حول الثورة، أنا ذهبت إلى السعودية ووجدت كل احترام وصداقة وأخوة صادقة ورغبة في العلاقات. أنا هنا أريد أن أعبر باسم الحكومة وكأمين عام للنهضة أيضا، دورنا ليس تصدير الثورات، لا نصدر الثورات، كل بلد وواقعه. أنا يهمني جدا أن يكون هناك تجانس في المجتمعات العربية والحريات وهذه من المبادئ ونحن نقدر ظروف الآخرين. ولامني البعض عندما رحت للسعودية لماذا لم أطالب (بالرئيس التونسي السابق زين العابدين) قلت أنا تركني بالسجن 16 عاما والآن أنتم تزايدون علي؟ نحن نقدر الأنظمة العربية والبلدان والشعوب وليس من الحكمة أن نعطيها الدروس، من يعطي الدروس يحتاج أن يعطى الدروس. ليس دورنا أن نصدر الثورات والمشاكل، دورنا أن نبني العلاقات. النظام السابق أساء العلاقات مع كثير من الدول، نريد أن نصحح هذه العلاقات، نريد أن نكون ملتقى لكل الفئات وأن تعاد تونس إلى محيطها الإسلامي والعربي، مع ذلك لن نترك المحيط الأوروبي المهم بالنسبة لنا. نسعى لنسترجع هذه المكانة وعلاقتنا (مع الدول العربية) ركيزة من ركائز هذه المكانة. وأوجه خطابا إلى الحكومات والشعوب في المنطقة، تونس دعوة خير ودعوة لعدم التدخل وتريد أن تبني الشراكة والمصالح المشتركة. نحب أن يعمروا تونس معنا وهم يعلمون جيدا أن هذه الحكومة صادقة وستمد العلاقات مع هذه الدول.