جماعة الإخوان تهاجم وكلاء نيابة وتستنكر طريقة «إجبار النائب العام على الاستقالة»

نائب رئيس هيئة قضايا الدولة لـ«الشرق الأوسط»: العلاقة بين السلطتين القضائية والتنفيذية يجب أن تكون علاقة احترام متبادل

TT

هاجمت جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس المصري محمد مرسي أمس، وكلاء نيابة لأنهم قاموا بـ«إجبار» النائب العام المستشار طلعت عبد الله، على الاستقالة من منصبه الليلة قبل الماضية، وقالت في بيان شديد اللهجة إنها تستنكر هذه الطريقة. ومن جانبه قال نائب رئيس هيئة قضايا الدولة المستشار أحمد خليفة لـ«الشرق الأوسط»: «إن العلاقة بين السلطتين القضائية والتنفيذية يجب أن تكون علاقة احترام متبادل».

وتسود حالة من الترقب المشوب بالحذر في أعقاب الاستقالة التي تقدم بها النائب العام المعين من قبل الرئيس مرسي بموجب الإعلان الدستوري المكمل الصادر الشهر الماضي، وذلك في أعقاب الاحتجاجات الحاشدة من جانب أعضاء النيابة ضده، حيث انقسم أعضاء النيابة العامة في مسألة وقف تعليق العمل بالنيابات ما بين مؤيد ومعارض، فيما ينتظر أن يتم البت في الاستقالة التي قدمها عبد الله يوم الأحد القادم من جانب مجلس القضاء الأعلى.

وتقدم المستشار طلعت عبد الله، الذي لم يكمل مدة شهر في منصبه خلفا للمستشار عبد المجيد محمود الذي أقيل من منصبه، باستقالة تحت وطأة الضغوط الشديدة من جانب قرابة 1500 عضو من أعضاء النيابة من أصل 4 آلاف تقريبا، قاموا بالتظاهر في دار القضاء العالي أول من أمس وأعلنوا اعتصاما مفتوحا لحين تحقيق مطلبهم بتنحي عبد الله، مبررين طلبهم هذا بالاعتراض على طريقة تعيينه في منصبه التي جاءت بقرار من رئيس الجمهورية وبصورة منفردة دون أخذ رأي مجلس القضاء الأعلى، وذلك بالمخالفة لقانون السلطة القضائية الذي يحصن منصب النائب العام من العزل، ويشترط أن يقوم مجلس القضاء الأعلى باختياره.

وسبق الإعلان عن التظاهر والاعتصام من جانب أعضاء النيابة، مفاوضات جرت مع رئيس مجلس القضاء الأعلى في محاولة لإقناعه بتبني وجهة نظرهم وإيصالها للمستشار عبد الله لحثه على التنحي، كما سبقها بيانات متعددة من جانب أعضاء النيابات في عموم المحافظات، تعلن رفضها للطريقة التي اختير بموجبها. وطريقة عزل المستشار السابق عبد المجيد محمود وتعيين المستشار عبد الله نائبا عاما بدلا منه، حيث اعتبروها بمثابة «تدخل سافر في شؤون القضاء والقضاة من جانب السلطة التنفيذية بالمخالفة لقانون السلطة القضائية، وعدوان على استقلال القضاء».

وأضاف أعضاء النيابة الرافضين لبقاء المستشار عبد الله أن ممارسته منذ توليه لمهام منصبه كانت تتسم بعدم الحيدة في القضايا ذات الطابع السياسي لصالح فئة وجماعة سياسية بعينها هي جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس مرسي، وقيامه (أي النائب العام) بالإطاحة ببعض قيادات النيابة دون سبب غير أنهم أصدروا قرارات تتفق وصحيح حكم القانون، غير أنها جاءت على غير هوى وإرادة جماعة الإخوان، آخرها قيامه بنقل المستشار مصطفى خاطر المحامي العام لنيابات شرق القاهرة المشرف على التحقيقات في شأن المصادمات الدامية التي جرت أمام القصر الرئاسي بين أنصار جماعة الإخوان والمتظاهرين من التيارات المدنية، على خلفية قيام خاطر بإخلاء سبيل جميع المتهمين في القضية الذين كان قد تم احتجازهم بمعرفة أعضاء «الإخوان المسلمين».

وبدا الانقسام في الرأي المتعلق بعودة العمل للنيابات واضحا، حيث رأى عدد كبير من أعضاء النيابة استمرار تعليق العمل في النيابات لحين قيام مجلس القضاء الأعلى يوم الأحد القادم بقبول استقالة النائب العام، ووضوح الآلية التي سيتم بموجبها اختيار النائب العام الجديد خلفا للمستشار عبد الله، خشية أن يتم تكرار ذات السيناريو بمجيء نائب عام بمعرفة رئيس الجمهورية.. فيما قال آخرون إنه برحيل النائب العام يكون قد زال السبب في تعليق العمل، لأنه من غير المتصور أن يرفض مجلس القضاء الأعلى الاستقالة ويبقي على النائب العام الجديد.

وأوضحت مصادر قضائية متعددة لـ«الشرق الأوسط» أن عدم الاستقالة بصفة فورية من جانب المستشار عبد الله من منصبه، مرجعه عدم وجود نائب عام مساعد ليتولى تسيير العمل بدلا منه، نظرا لقيام المستشار عدنان فنجري النائب العام المساعد مدير التفتيش بالنيابة، بالاستقالة من منصبه، ضمن آخرين كثيرين من قيادات النيابة العامة، احتجاجا على الطريقة التي عين بها المستشار عبد الله نائبا لعموم مصر بالمخالفة للقانون، وعودته للعمل قاضيا بمحكمة استئناف القاهرة.

وأشارت المصادر إلى أن بقاء النائب العام المستقيل حتى يوم الأحد القادم، يأتي لتسيير الأعمال لحين البت في الاستقالة من جانب مجلس القضاء الأعلى، وبيان الآلية التي سيتم على أساسها الاختيار، لافتة إلى أن مجلس القضاء الأعلى يجتمع في الأيام الثلاثة الأول في الأسبوع، وهي السبت والأحد والاثنين، وهو ما دعا النائب العام لتحديد يوم الأحد القادم لنظر الاستقالة في تلك الجلسة، وذلك لأن يوم السبت سيكون موعد الجولة الثانية لاستفتاء الدستور، وأن 4 من أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين يبلغ عددهم 7 أعضاء، هم أعضاء أيضا بحكم مناصبهم في اللجنة العليا المشرفة على الاستفتاء، وبالتالي لن يتم عقد جلسة للمجلس الأعلى للقضاء يوم السبت.

ومن جانبه لفت المستشار خليفة، نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، إلى أن العلاقة بين السلطتين القضائية والتنفيذية يجب أن تكون علاقة احترام متبادل لما يصب في النهاية في مصلحة الوطن. ورفض خليفة التعقيب على الأزمة الناشبة بين السلطتين القضائية والتنفيذية، موضحا أن كثيرا من التصريحات الإعلامية زادت من حدة الموقف أكثر مما هو عليه على أرض الواقع، مناشدا التروي فيما تتناقله وسائل الإعلام.

وقرر مجلس القضاء الأعلى برئاسة المستشار محمد ممتاز متولي رئيس محكمة النقض إرجاء اجتماعه الذي كان من المقرر انعقاده أمس إلى يوم الأحد القادم الموافق 23 ديسمبر (كانون الأول) لتسلم استقالة المستشار طلعت عبد الله، وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» قال خليفة إن «يوم الأحد عقب الاجتماع وانتهاء المرحلة الثانية من عملية التصويت على الدستور ستهدأ الأمور إذا ما تم تمرير الدستور ووضحت خصائص كل سلطة، فبموجب الدستور سيصدق الرئيس على تعيين النائب العام الجديد».

وأضاف خليفة الذي كان أحد أعضاء الجمعية التأسيسية التي وضعت مشروع الدستور، إنه كان مطروحا في اللجنة أن يضمن في الدستور أو في قانون السلطة القضائية قانون أو نص يحظر على أعضاء السلطة القضائية التحدث إلى وسائل الإعلام، وهو ما يسمى بيمين الصمت الذي يحول دون تحدث رجال القضاء بشأن أحكام صادرة أو غيرها لوسائل الإعلام، وذلك للاحتفاظ بهيبة السلطة القضائية التي فقدت بريقها وقدسيتها أمام الناس نتيجة الدخول في السياسة والحديث مع الإعلام.

على صعيد متصل أصدرت جماعة الإخوان المسلمين أمس بيانا بشأن ما سمته «إجبار النائب العام على الاستقالة»، قائلة إنها «حادثة غير مسبوقة في ساحة القضاء، حيث أجبر عدد من وكلاء ورؤساء النيابة المستشار عبد الله على الاستقالة تحت التهديد».

وأضاف بيان الجماعة التي ينتمي إليها الرئيس مرسي إن «المثير للغضب والاستنكار أن يرحب بعض أعضاء نادي القضاة بهذه الجريمة (إجبار النائب العام على الاستقالة) ويطالبوا بعودة النائب العام السابق - المرفوض شعبيا - ليضعوا أنفسهم في صف أعداء الثورة وأعداء الشعب، وكذلك ترحيب بعض القنوات الفضائية التي يمتلكها أفراد من بطانة النظام السابق، ويفعل ذلك بعض الإعلاميين المتلونين الذين يهدرون كرامة المهنة وقيم الأخلاق».