د. سعد الدين إبراهيم لـ «الشرق الأوسط»: «الإخوان» طلبوا مساعدتي للتواصل مع واشنطن

قال: مرسي لم يحقق وعوده.. ومكتب الإرشاد هو الذي يحكم

TT

وصف المفكر السياسي المصري الدكتور سعد الدين إبراهيم حكم الرئيس المصري محمد مرسي بالمرتبك والمتخبط، وقال إنه لم يحقق 50 في المائة من وعوده التي قطعها على نفسه. واتهم «الإخوان المسلمين» بعدم الوفاء بوعودهم، وأنهم حينما يوزعون المناصب لا يشركون أحدا غيرهم.

وأكد عالم الاجتماع السياسي في حواره مع «الشرق الأوسط» أن مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان هو الذي يحكم مصر وليس الرئيس مرسي «الذي لا يملك إلا السمع والطاعة»، على حد قوله. كما كشف د.إبراهيم عن علاقة خيرت الشاطر بالرئيس مرسي، وحقيقة ميليشيات «الإخوان»، وعلاقاتهم مع الولايات المتحدة الأميركية من واقع مجاورته لهم في السجن. يذكر أن الدكتور سعد الدين إبراهيم أحد أبرز المفكرين السياسيين الذين دفعوا ثمنا غاليا لمواقفهم السياسية المعارضة للنظام السياسي المصري السابق، وهو أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة، وكان أستاذا لسوزان ثابت قرينة الرئيس السابق حسني مبارك. وهو رئيس مركز ابن خلدون إحدى أبرز المنظمات المدنية التي ظلت مثيرة للجدل لفترة طويلة، حتى صدر حكم قضائي لصالحه. .. وجاء الحوار مع «الشرق الأوسط» على النحو التالي:

* ما رأيكم في المشهد السياسي الآن بعد وصول الرئيس مرسي المنتمي لـ«الإخوان» إلى الحكم؟

- لا شك أن بهم بعض النواقص لأنهم حديثو العهد بالسلطة، وهناك قدر من الارتباك والتخبط، لكن كان هذا مقبولا خلال المائة يوم الأولى من حكم الرئيس مرسي، وهو هامش مسموح به ومعروف في ظل تولي أي نظام جديد للحكم حتى يرتب أوضاعه وأوراقه ثم نستطيع بعد ذلك أن نحكم عليه. ولكن هذا لا يمكن أن يكون مقبولا بعد مرور فترة تجاوزت تلك المائة يوم بكثير، خاصة أن «الإخوان» أخذوا على عاتقهم وعودا لتنفيذها، خاصة في ما يتعلق بالملفات التي وعدوا بفتحها. ومن ثم يبدو واضحا من كل المقاييس وبكل المعايير أنه لم يتم إنجاز ولو حتى نسبة 50 في المائة من أي من الملفات التي وعدوا بالتعامل معها.

* لأي الأسباب ترجع هذا القصور.. هل لشخصية الرئيس، وتدخل «الإخوان»، أم لأن الجماعة غير جديرة بالدخول إلى معترك السياسة والسلطة؟

- من المعروف في الظواهر الاجتماعية والسياسية أنه يصعب إرجاع ظاهرة معينة أو تقييم أداء حكومة بعامل واحد، لكن كل مجموعة العوامل التي أشرت إليها تشترك كأسباب في إحداث هذا الارتباك.

* لكن أيها الأكثر تأثيرا في هذا القصور الملحوظ؟

- ربما زيادة الثقة في النفس، وربما سوء الحساب، فأنا أعتقد أن لديهم كفاءات ومع ذلك لم تكن موجودة على الساحة، بالإضافة لسعيهم للسلطة رغم وعودهم السابقة بعكس ذلك، ونحن رأيناهم وهم يوزعون المناصب لا يشركون غيرهم في السلطة. وقد أدت هذه الأمور كلها إلى حالة التعثر والضعف الشديد في الأداء التي نراها.

* ما انطباعكم عن شخصية الرئيس مرسي.. وهل تصلح لإدارة بلد كمصر؟

- بالطبع قيادة مصر كانت تحتاج رجلا مختلفا، بمعنى أن يكون أولا ذا خبرة على الأقل في أحد جوانب الحياة المعاصرة كخبرة إدارة عملية أو خبرة مشاركة عملية. أما الدكتور مرسي فخبرته لا تخرج عن عمله في جماعة الإخوان المسلمين وعمله الجامعي، ومن ثم ليست لديه خبرة في إدارة أي مؤسسة. فهو رجل دمث الخلق ومهذب وعالم في مجاله، لكن السياسة تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير.

* في رأيك.. ما أخطر أخطائه منذ تولي الرئاسة في مصر؟

- هي ليست أخطاء بقدر ما هي قصور في القدرات.

* لكن هناك من يتهم الرئيس مرسي بالاستعانة بأهل الثقة على حساب أهل الخبرة؟! - طبعا هذا أيضا أحد الأسباب، لأن مكتب الإرشاد هو الذي يحكم مصر. وبما أن الرئيس مرسي كان زميل سجن لي بين عامي 2000 و2003، فقد لاحظت عليه خلال تلك الفترة أنه كان يتكلم دائما بعد اثنين من زملائه في السجن معنا ولا يسبقهما أبدا، وهما خيرت الشاطر وحسن مالك، وكنت ألاحظ أنه في أي حديث حتى الأحاديث العفوية في ملعب السجن أو المسجد كان دائما لا يتكلم إلا بعدهما. وبعد أن خرجنا من السجن جمعتنا لقاءات الحوار بينهم وبين القوى الغربية، وكنت أنا منظم هذا الحوار، وعندما راقبت أداء الدكتور مرسي آنذاك وجدت أنه دائما يراعي الأقدمية في كل شيء، وهو ما يفسر لنا سبب اختيار خيرت الشاطر للرئاسة قبل مرسي الذي كان احتياطيا له.

* هل حقا أنك كنت وسيطا بين «الإخوان» في السجن والأميركيين؟

- بالفعل لجأ «الإخوان» لي بعد خروجي من السجن لأنهم كانوا يريدون التواصل مع أميركا. فالسلطات المصرية كانت تمنع مثل هذا التواصل، وأذكر عندما كان يريد نائب أميركي مثلا زيارة السجن لم تكن السلطات المصرية تعطيه الإذن.

* لماذا كان «الإخوان» حريصين على التواصل مع أميركا في ذلك الوقت؟

- أولا سعيا للاعتراف بهم، وثانيا لتحسين صورتهم لدى الأميركيين والغرب بشكل عام، وتأكيد أنهم ليسوا بالبشاعة التي صورهم بها نظام مبارك، وثالثا لرغبتهم في التعاون مع القوى الغربية.

* هل تعتقد أن ذلك الدفء في العلاقة بين «الإخوان» والولايات المتحدة الأميركية ما زال مستمرا أم تبدد مع وصولهم للحكم في مصر؟

- لا بالعكس، بدليل أن «الإخوان» ما بين المرحلة الأولى والمرحلة الثانية من الانتخابات أرسلوا 30 قيادة من قياداتهم إلى الولايات المتحدة الأميركية لطرق كل الأبواب وتقديم كل فروض الاستعداد للتفاهم والتعاون.

* لكن البعض فسر تأخر زيارة الرئيس مرسي لأميركا بأنه انقلاب في العلاقة مع الغرب واستغناء عن العلاقة مع واشنطن لصالح الدول الشرقية التي زارها.. ما تعليقك؟

- لا لا هذا ليس صحيحا، فالرئيس مرسي كان يريد زيارة واشنطن وليس هو الذي أجل زيارته لها بل الأميركيين أنفسهم هم الذين أجلوا زيارته لأميركا، لأن واشنطن تحفظت على الزيارة آنذاك لأكثر من سبب، وبالتالي تأجلت إلى فبراير المقبل.

* ذكرت في حوار سابق مع صحيفة مصرية أن الفريق أحمد شفيق كان هو الفائز بانتخابات الرئاسة لولا تهديد «الإخوان» بنسف المتحف المصري.. كيف عرفت ذلك؟

- أولا عرفنا بفوز شفيق من خلال مراقبتنا الخاصة للانتخابات، فكان لدينا 7 آلاف مراقب من مركز ابن خلدون، لكن مع ذلك لم نثر بلبلة في ذلك الوقت المبكر حرصا منا على إتمام التجربة الديمقراطية، وكان كل ما يهمنا أن يكون هناك انتقال سلمي للسلطة.

* وكيف عرفتم بموضوع التهديدات؟

- عرفنا هذا الأمر من التردد لمدة ثلاثة أيام في إعلان نتيجة الانتخابات، ثم ما فوجئنا به يوم إعلان النتيجة بصرف موظفي الدولة من أعمالهم قبل مواعيد انتهاء الدوام بفترة طويلة، والتكثيف الأمني الملحوظ في ذلك اليوم في مختلف الشوارع والميادين، في ما يشبه حالة الطوارئ. وكل ذلك لأن «الإخوان المسلمين» هددوا بالفعل، وكان هناك 500 كادر من كوادرهم ذهبوا لميدان التحرير وهم يحملون أكفانهم على أيديهم ويهددون إذا لم يعلن فوز الدكتور مرسي فستكون هناك عمليات انتحارية في الأماكن العامة حول ميدان التحرير.

* هذا ينقلني للسؤال عما يثار حاليا على الساحة السياسية المصرية من جدل حول «الفرقة 95 إخوان».. فهل توجد لدى «الإخوان» فرق تقوم بمهام خاصة أم أن الموضوع كذب؟

- الموضوع ليس كذبا، وهم لديهم ميليشيات وعناصر مستعدة للإقدام على عمليات انتحارية.

* هل تأكدت من ذلك أثناء وجودك معهم بالسجن؟

- نعم. كما أنني تأكدت من ذلك أيضا بحكم عملي ودراساتي على مدار أربعين عاما لكل الجماعات الإسلامية بما فيها «الإخوان» وغير «الإخوان».

* هل أنت ممن يطالبون بحل جماعة الإخوان المسلمين أم بتوفيق أوضاعها قانونيا؟

- أطالب بتوفيق أوضاعها القانونية لتكون جماعة مسجلة تخضع لمصلحة الضرائب والجهاز المركزي للمحاسبات حتى يكون لها وجود شرعي.

* ماذا تتوقع للاستقرار السياسي في مصر بعد إقرار الدستور؟

- دعوتي الجديدة هي أنه مع دستور جديد ينبغي أن تكون هناك انتخابات رئاسية جديدة، لأن أي دستور هو بمثابة عقد اجتماعي بين المواطنين والدولة، وبما أننا أقررنا الدستور المصري الجديد فكان المفروض أن يستقيل الدكتور مرسي لأننا انتخبناه بناء على دستور 1971، وصلاحياته وفقا لذلك الدستور تختلف عن صلاحياته في دستور عام 2012، ومن ثم ينبغي أن تكون هناك انتخابات جديدة.

* ما رأيك في دعوات المعارضة لمليونية جديدة في الخامس والعشرين من هذا الشهر.. وهل يمكن أن تكون بمثابة ثورة جديدة أو استكمال لثورة 25 يناير (كانون الثاني) السابقة؟

- هذه المليونيات لا تعتبر ثورة جديدة، بل هي إحدى وسائل الضغط، وما دامت مليونيات سلمية فهي مشروعة.

* لكن هناك من يرى هذه المليونيات سببا من أسباب التعثر الاقتصادي في مصر، وأننا لسنا في حاجة إلى مزيد من العثرات؟

- هذه المليونيات تكون أيام الجمعة يعني أيام العطلات الرسمية ولا تأثير لها على الاقتصاد، وكل من هم داخل السلطة يلصقون هذه التهمة بالمليونيات، أما من خارج السلطة فيريدون استمرار الضغط بواسطة تلك المليونيات.

* بعين المحلل السياسي، كيف ترى دعوة الدكتور عصام العريان الأخيرة ليهود مصر للعودة والتي أثارت جدلا كبيرا؟

- دعوة د.عصام العريان هي بمثابة بالونة اختبار لمعرفة ردود الفعل حول فتح «الإخوان» للملف والتعاون مع إسرائيل، وفي ما يبدو أنه قيل له في أميركا أثناء زيارته إن أحد الأشياء الناتجة عن حسن النية هو تعويض اليهود المصريين، الذين يعيشون في إسرائيل، عن أملاكهم. وأنا أرى أنه إذا كان ذلك جزءا من خطة كاملة للمصالحة فلا بأس، وأنا لست ضد المصالحة مع إسرائيل، إنما كان لا بد أن يكون الرأي العام المصري مشاركا في هذا الأمر بدلا من أن يترك فقط لـ«الإخوان المسلمين» لإدارته، لأنهم في عهد الرئيس السادات عندما اتخذ المبادرة كانوا أكثر الناقدين والمناوئين له، والآن هم يريدون أن يفعلوا الشيء نفسه، فينبغي أن يفتح الباب للسجال حول هذا الأمر.

* هل تعتقد باستمرار نجاح «الإخوان» في سيطرتهم على الحكم مرة ثانية بعد الرئيس مرسي؟

- الأمر يتوقف على مرور فترة زمنية كافية للحكم على ذلك، لأن حكمنا الحالي مؤقت، لأنه لم يمر سوى شهور قليلة، ولن يكتمل الحكم إلا بعد انتهاء فترة ولايته، ولا شك أنه مع كل سنة تمر من مدة حكمه يبدو الأداء أكثر وضوحا، ومن ثم بعد مرور السنوات الأربع يكون الناس وصلوا إلى قناعة بما إذا كان هؤلاء الناس يصلحون للحكم أم لا.

* أين السلفيون من هذا السيناريو المستقبلي؟

- السلفيون يستعدون لوراثة «الإخوان المسلمين»، وهم يعتقدون أن «الإخوان المسلمين» استخدموهم إلى أن وصلوا للسلطة، ولأنهم الأكثر عددا فهم يريدون نصيبا أكبر من السلطة أو الحلول محل «الإخوان» تماما في منافسة على السلطة.