الرئيس السوري يطرح «رؤيته» للحل السياسي رافضا قبول أي خلاف

محللون لـ «الشرق الأوسط» : لا جديد فيها ولا تحمل ملامح تسوية.. وتنسف المبادرات السابقة

TT

قال مراقبون ومحللون مواكبون للملف السوري إن رؤية الحل التي طرحها الرئيس السوري بشار الأسد، في خطابه أمس، لا تحمل أي «ملامح تسوية» قريبة للأزمة السورية، وأراد من خلالها أن يوحي بأن وجوده هو «الضمانة» الوحيدة لبقاء سوريا. ورأوا في إصرار الأسد على أن «تتم أي عملية انتقالية بإدارته»، بموازاة رفضه الحوار مع «معارضة الخارج»، وعدم قبوله بأي حل آخر لا يتماشى مع ما طرحه شخصيا، «نسفا» لمضمون المبادرات السابقة، لا سيما مبادرة جنيف وأفكار المبعوث الأممي إلى دمشق الأخضر الإبراهيمي والأفكار الأميركية - الروسية.

وقدم الأسد أمس «الملامح الأساسية» لمبادرة تتألف من ثلاث مراحل لحل الأزمة، متمسكا بأن تكون هي «الأساس» لأي مبادرة أخرى من الخارج أو غيره. واشترط الأسد أن تتضمن المرحلة الأولى «التزام الدول المعنية الإقليمية والدولية بوقف تمويل وتسليح وإيواء المسلحين بالتوازي مع وقف المسلحين كافة العمليات الإرهابية مما يسهل عودة النازحين السوريين، يتم بعدها وقف العمليات العسكرية من قبل قواتنا المسلحة التي تحتفظ بحق الرد»، على أن يتم «إيجاد آلية التأكد من التزام الجميع بالبند السابق وخاصة ضبط الحدود، ثم تبدأ الحكومة القائمة مباشرة بإجراءات اتصالات مكثفة مع كل أطياف المجتمع السوري بأحزابه وهيئاته لإدارة حوارات مفتوحة لعقد مؤتمر للحوار الوطني تشارك فيه كل القوى الراغبة بحل في سوريا من داخل البلاد وخارجها»، إلا أنه أكد في موضع آخر من حديثه أن دعوته غير موجهة بالأساس لمن سماهم بـ«عملاء الخارج».

وحدد الأسد عناوين المرحلة الثانية بـ«دعوة الحكومة القائمة إلى عقد مؤتمر حوار وطني شامل للوصول إلى ميثاق وطني»، قال إنه «سيرسم المستقبل السياسي لسوريا»، ثم «يعرض على الاستفتاء على الشعب»، يلي ذلك «تشكيل حكومة موسعة تتمثل فيها مكونات المجتمع السوري، وتكلف بتنفيذ بنود الميثاق الوطني». بعدها، اقترح الأسد أن «يطرح الدستور على الاستفتاء الشعبي، وبعد إقراره تطرح الحكومة الموسعة باعتماد القوانين المتفق عليها في مؤتمر الحوار وفق الدستور الجديد، ومنها قانون الانتخابات، وبالتالي إجراء انتخابات برلمانية جديدة».

وتتضمن المرحلة الثالثة «تشكيل حكومة جديدة وفقا للدستور»، ثم «عقد مؤتمر عام للمصالحة الوطنية وإصدار عفو عام عن المعتقلين بسبب الأحداث، مع الاحتفاظ بالحقوق المدنية لأصحابها»، على أن يصار بعدها إلى «العمل على تأهيل البنى التحتية وإعادة الإعمار والتعويض على المواطنين المتضررين في الأحداث».

وفي قراءة لمضمون المبادرة، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «باريس الجنوب» الدكتور خطار أبو دياب لـ«الشرق الأوسط» إن خطاب الأسد «استباقي»، ويمثل «الاستراتيجية التي سيستخدمها النظام السوري في الأشهر المقبلة، المتمثلة بإعلان موقف مسبق قبل الاجتماع الروسي الأميركي والحراك الدولي ردا على مبادرة الإبراهيمي».

وأعرب أبو دياب عن اعتقاده بأن الأسد كرس أمس، من خلال ما طرحه «رفض الأفكار الروسية - الأميركية التي نقلها الإبراهيمي إليه». واعتبر أن «النقطة المحورية في تلك الأفكار ليست بتنحي الأسد أو عدمه، بل بإشارتها إلى نقل السلطات مع كامل الصلاحيات إلى حكومة جديدة»، لافتا إلى أنه «وجه رسائل مباشرة إلى موسكو وتناغم مع طهران برفض أي حل سلمي».

من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين لـ«الشرق الأوسط» إن «الأسد لم يقدم أي إضافة جدية في رؤيته للحل ولا يمكن تلمس أي موقف نوعي جديد فيها»، لافتا إلى أنه «عمد إلى مخاطبة جمهوره أكثر من أي طرف آخر، وحرص على أن يظهر تماسك بنية نظامه والبنية المحيطة فيه أكثر من أن يعكس رغبة جدية في التوصل إلى تسوية». واعتبر أن الأسد «أوحى وكأن الأمور لم تبلغ مرحلة إمكانية حصول تسوية في ظل المواجهات التي تحصل، وقد يكون مستندا في ذلك إلى ما تم تداوله عن تقدم أحرزه الجيش السوري في داريا وبعض أحياء حمص».

وفي موازاة إشارة الأمين إلى «عدم استعداد الأسد من خلال ما طرحه لتقبل أي حل يكون خارجه، وإصراره على مرجعية النظام بإدارة الحل»، شدد أبو دياب على أن «الأسد لم يعلن مبادرة جديدة؛ بل أعلن استمرار الحرب.. وعلينا أن نصدقه جيدا إذ إنه ينكر الواقع اليوم، بعد أن نجح في نقل الحراك الثوري من السلمية إلى العسكرة».

وتوقف أبو دياب عند «إشارة الأسد إلى دول تريد إضعاف سوريا وتقسيمها، مما يعني أن الخطة (ب) هي التقسيم.. وهو لن يترك سوريا إلا وهي ركام، ما لم يحصل عليها كما يريد»، في حين انتقد الأمين «مفهوم الإرهاب المطاط الذي يستخدمه الأسد عند الحديث عن المسلحين»، معتبرا أن «مفهوم الإرهاب في التعريف السوري يعني مواجهة أي طرف داخلي ضد النظام، ويصبح كل من يواجه الجيش النظامي إرهابيا».

إلى ذلك، يرى مواكبون للشأن السوري أن رؤية الحل التي قدمها الأسد هي «دفن لمبادرة الإبراهيمي»، على حد تعبير أبو دياب، من دون أن يستبعد «وجود تواطؤ بين الأسد وروسيا، التي تحاول أن تقدم نفسها عرابة الحل، من خلال تزامن الخطاب مع وصول سفن الأسطول الروسي إلى البحر المتوسط».

ورأى أن «طرح الأسد الحوار مع معارضة الداخل، كرجاء الناصر وحسن عبد العظيم وآخرين في الداخل، هو بمثابة مهزلة، ولا أعتقد أنهم يرغبون بحوار وفق شروطه».

وخلص أبو دياب إلى التأكيد على أن «الرئيس السوري يقدم نفسه على أنه يساوي الدولة والجيش وأجهزة الأمن والنظام، وهذه هي الكارثة الكبرى؛ باختصاره الدولة والنظام بشخصه، وهو لا يريد أن يسمع بأي حل من دونه، انطلاقا من أنه يعتبر أن ضمانة سوريا هي بقاؤه في السلطة، لأن أي ضمانات أخرى لن تخلصه من العقاب في ظل استمراره بالعمل وفق نهج تدميري». وتابع: «يودي هذا النهج بسوريا والإقليم إلى مغامرة خطرة جدا، لأن الإيرانيين هم من يديرون اللعبة داخل القيادة السورية، كل ذلك في ظل التردد الأميركي والضعف الأوروبي وعدم وجود أي قرار عربي وإسلامي قوي»، محذرا من «تداعيات تحذير الأسد دول الجوار، تحديدا لبنان والأردن، في مسألة النازحين والحدود».