لبنان: الصقيع والمياه تسربا إلى خيام النازحين السوريين.. ووسائل التدفئة الحاجة الأكبر

أطفال يرسمون المروحيات النظامية.. وأمهات لا يحلمن إلا بالعودة إلى منازلهن

لاجئ سوري بمخيم المرج شرق لبنان يحاول تدعيم خيمته بقالب إسمنتي أمس (أ.ف.ب)
TT

في غرفة متواضعة في طابق أرضي، يقيم مصطفى، شاب سوري في الثلاثين من عمره، يعمل منذ سنوات ناطورا لمبنى قديم في شارع تراثي في العاصمة اللبنانية بيروت. منذ أسابيع، لم يعد مصطفى وحده من يقطن في تلك الغرفة المتواضعة. حضرت زوجته وطفلهما، وكذلك والده ووالدته وشقيقاه الصغيران، إضافة إلى شقيقته وزوجها، للإقامة معه بعدما هربوا جميعهم من بلدتهم الواقعة في ريف حماه. 3 عائلات تتقاسم اليوم اللقمة والغرفة والأحزان عينها.

يعمل مصطفى ناطورا في المبنى حيث يقطن. لا يمر يوم إلا ويسأل الله استمرار تحنن مالك المبنى عليه ليضمن قدرته على إيواء أفراد أسرته. بعد إنهائه واجباته الوظيفية الصباحية في المبنى، ينتقل مصطفى لمطعم مجاور، في الشارع عينه. يغسل الصحون للحصول على أموال يستخدمها لإعالة العائلة، التي تبدو الغرفة التي تؤويها أشبه بـ«زريبة»، على حد تعبير الوالدة الخمسينية، التي لا تتمكن من إخفاء دمعتها. ورغم ذلك، تشكر الوالدة الله على نعمته، فعائلتها مستورة وليست مشرّدة في البرية أو في خيمة، شأنها شان آلاف العائلات السورية الموجودة في عدد من المناطق اللبنانية. الابن الرابع للأسرة الكبيرة يعمل في دولة خليجية، ويرسل بدوره ما تيسر لديه من مال لمساعدة عائلته شهريا.

أما الولدان الصغيران، شقيقا مصطفى، فيحتاران كيف يقضيان يومهما، بعد أن كانا يسرحان مع الغنم والماعز في سهل بلدتهما. هما لا يجيدان الكتابة والقراءة كثيرا، لكن أكبرهما يحتفظ بورقة بيضاء رسم عليها في مكتبة مجاورة بعد أن طلب المرشد الاجتماعي منه التعبير عن حلمه بعد رواية قصة تتحدث عن حلم الحيوانات. رسم الطفل البالغ من العمر 10 سنوات رجلا يمسك ببندقية يوجهها إلى طائرة في السماء. ولدى سؤاله عن حلمه ومغزى لوحته، قال لـ«الشرق الأوسط»: «حلمي أن أنتسب للجيش الحر وأقاتل المروحيات»، فيما تسارع والدته التي تنصت إلى حديث ابنها إلى القول «حلمنا الوحيد العودة إلى منزلنا والعيش بكرامة وحرية».

وإذا كانت هذه العائلة النازحة قد وجدت غرفة تؤويها بسهولة، فإن آلاف العائلات النازحة تعيش معاناة صعبة هذه الأيام في لبنان مع تساقط الأمطار بغزارة وملامسة الحرارة درجات الصفر وانخفاضها إلى ما دونها ليلا. في بلدة المرج البقاعية، لم تكن ليالي النازحين السوريين الأخيرة بعادية، فالهواء البقاعي القارس يلفح الوجوه السمراء، الصغيرة منها والكبيرة. قرابة 500 عائلة يتوزعون في أنحاء البلدة، القريبة من نقطة المصنع الحدودية. بعضها تمكن من إيجاد مأوى في بيوت تم استئجارها، لكن قسما كبيرا يبيت في خيام من القماش، يتسرب الهواء والماء إليها، فيما عاملو الإغاثة من متطوعين ومجلس بلدي ومنظمات محلية ودولية يحاولون قدر الإمكان التخفيف من معاناتهم.

اللبنانيون الهانئون داخل منازلهم سئموا العاصفة القوية، الروسية المنشأ، التي تضرب لبنان منذ ثلاثة أيام، وافترش ثلجها المناطق الجبلية كافة. وإذا كانت السيول قد اجتاحت منازل عدد من اللبنانيين وبعض المؤسسات وحتى الإدارات الرسمية كالبلديات في بعض مناطق شمال لبنان، وأغرقت الطرق الدولية بالمياه، فكيف هو حال النازحين، الذين لم يحملوا من بلدهم إلا الهموم والقهر والخوف؟! الحرامات، والمازوت، ووسائل التدفئة، تشكل الحاجة الأبرز للنازحين السوريين. ويقول رئيس بلدية المرج، عماد علي الشموري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «عددا كبيرا من العائلات السورية الموجودة في البلدة يقيمون في بيوت خشبية مغطاة بالشوادر، فيما يقيم آخرون في 40 خيمة، ويعيشون معاناة حقيقية، تحديدا في الأيام الأخيرة». ويشير إلى «حالة استنفار كبرى في البلدة لمعالجة الحالات الصعبة وتوفير ما أمكن من أغطية ووسائل تدفئة بالتنسيق مع مفوضية شؤون اللاجئين والجمعيات الناشطة وهيئات الإغاثة وأبرزها الهيئة الإسلامية السعودية».