الإدارة الأميركية الجديدة قد تفتح أمام إيران فرصة نادرة نحو مفاوضات السلام

المحادثات القادمة ستكون اختبارا لنوايا الجانبين

TT

في عام 1979، كان الرئيس الأميركي جيمي كارتر في أشد الحاجة إلى عقد اتفاق مع الملالي الذين كانوا قد سيطروا للتو على الحكم في طهران، ووصف بعض أعضاء إدارته الخميني بأنه «غاندي الإسلام» و«الملك الفيلسوف»، وبعث كارتر نفسه للخميني برسالتين مكتوبتين بخط اليد تؤكدان على دعمه وتعاطفه معه.

وقد فشلت محاولة كارتر نتيجة لأسباب خاض فيها المؤرخون كثيرا على مدار الثلاثة عقود الماضية. ونتيجة لخوفه من استقطاب اليسار، تبنى الخميني موقفا مناهضا للولايات المتحدة واحتجز الدبلوماسيين الأميركيين في طهران رهائن حتى خرج كارتر من البيت الأبيض. وفي هذه الأيام، بذل رجل مجهودا أكثر من أي شخص أخر لتحسين العلاقة بين كارتر والخميني، وكان هذا الرجل هو «النجم الصاعد» في الحزب الديمقراطي الأميركي والسيناتور الشاب لولاية ديلاوير في ذلك الوقت، جو بايدن. واليوم، بات بايدن يشغل منصب نائب الرئيس الأميركي ووجد نفسه في أكثر الإدارات الأميركية صداقة لإيران منذ عام 1979. وأصبح الرئيس أوباما نفسه أكثر حرصا على عقد صفقة مع طهران، وظلت «يد الصداقة» ممدودة إلى إيران على مدار أكثر من خمس سنوات. ومع ذلك، لم يكن باستطاعته هو وبايدن التمادي في رغبتهما في استرضاء إيران لسببين:

أولا: كان أوباما وبايدن على وشك الدخول في الانتخابات مرة أخرى ويخشيان من أن يؤدي اتهامهما بالخضوع للملالي لتقويض فرصهما في الاحتفاظ بمنصبيهما، ولكن لم يعد هذا الخوف يسيطر عليهما الآن بعد نجاحهما في الانتخابات وعدم خوضهما لأي انتخابات أخرى في المستقبل.

ثانيا: كان هناك بعض الأعضاء البارزين في إدارة أوباما خلال فترته الأولى غير حريصين على التوصل إلى اتفاق مع طهران بنفس قدر حرص أوباما ونائبه، حيث كانت وجهة نظر وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للسياسة الخارجية أقل مثالية من وجهة النظر التي يتبناها أوباما وبايدن. وعلاوة على ذلك، تعلم روبرت غيتس، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع خلال أول عامين من إدارة أوباما، تعلم ألا يثق في الملالي خلال فترة توليه منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية في عهد الرئيس بوش الأب. وشعر ليون بانيتا، الذي شغل منصب وزير الدفاع خلال آخر عامين من الفترة الرئاسية الأولى لأوباما، بإحباط من تعامله مع طهران خلال فترة عمله مع الرئيس بيل كلينتون.

والآن، سوف يحل جون كيري محل هيلاري كلينتون وزيرا للخارجية، في حين سيشغل تشك هاغل منصب وزير الدفاع. ويملك كيري تاريخا حافلا من الضغط للتوصل إلى اتفاق مع طهران، كما كان يعمل جاهدا لتحسين صورة الرئيس السوري بشار الأسد في واشنطن. وخلال الحملة الانتخابية غير الناجحة لكيري عام 2004، كان رجل الأعمال الإيراني حسن نامازي يترأس اللجنة الخاصة بجمع الأموال للحملة الانتخابية.

هاغل، سيناتور سابق أيضا، ورغم كونه أحد أعضاء الحزب الجمهوري، لكنه دافع بقوة عن عقد صفقة مع طهران منذ أواخر التسعينات. وفي محادثة في واشنطن عام 2005، انتقد هاغل إدارة الرئيس جورج بوش على فشلها في «فهم مصالح الجانب الآخر». وإذا ما تم التصديق على تعيين هاغل وكيري فسوف يواجه الملالي فرصة نادرة في التعامل مع إدارة أميركية مستعدة للوفاء بأكبر قدر من مطالبهم. المشكلة هي أن موقف «المسالم» الذي تبدو عليه إدارة أوباما الثانية قد تزيد من شره الملالي إلى حد لن يصبح فيه التوصل إلى اتفاق أمرا ممكنا. وستكون المحادثات القادمة بين إيران ومجموعة «5 + 1» التي يتوقع أن تبدأ نهاية الشهر الحالي اختبارا لنوايا كلا الجانبين. فالقيادة في طهران حريصة دون شك على بدء المحادثات في أقرب وقت ممكن - لكنها تبدو أقل رغبة في الانتهاء منها قريبا. وهذا تغيير، فعادة عندما تكون هناك محادثات تلعب إيران دور الطرف المتشكك. لكن النظام الآن بحاجة إلى المحادثات لعدة أسباب.

أولها أن الخوف من الحرب دفع رؤوس الأموال الضخمة إلى الهرب إلى مصارف دبي للعمل تدريجيا على غسل الأموال الإيرانية إلى ائتمانات مالية عالمية. ونتيجة للمخاوف ذاتها، انخفضت قيمة الريال الإيراني ما يقرب من 80 في المائة منذ عام 2010. وقد عزز هذا الصادرات لكنه جعل الواردات، بما في ذلك الأجزاء الحيوية الضرورية للصناعة، أغلى ثمنا، وكانت النتيجة ارتفاع معدلات البطالة في المحافظات الرئيسة. رفع جو الأزمة من معنويات المعارضة. فللمرة الأولى خلال عشر سنوات تحولت إمكانية تغيير النظام إلى موضوع للنقاش في الدوائر السياسية.

من بين الأسباب الأخرى الباعثة على الخوف العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على نحو مستقل. وكان النظام قد نجح لفترة طويلة في حماية قاعدته الشعبية من تأثيرات العقوبات - لكن حتى الدوائر الانتخابية الرئيسة الآن مثل مؤسسة الحرس الثوري الإيراني تشعر بالضرر من هذه العقوبات. يبرز التأثير النفسي واحدا من العوامل المهمة، فهناك شعور بالعزلة، الأمر الذي يستنكفه الإيرانيون، حيث يشعر الأفراد بأن النظام حول إيران إلى دولة منبوذة دبلوماسيا. الحوار مع مجموعة «5 + 1» يمكن أن يساعد النظام في كل هذه المستويات. وسيكون إشارة للمعارضة بأن العالم الخارجي لا يزال مستعدا لقبول النظام برغم كل مساوئه. وإلغاء بعض العقوبات، التي وعدت بها إدارة أوباما، يمكن أن تخفف من مخاوف الانهيار الاقتصادي - ويحيي الآمال في إلغاء العقوبات بمرور الوقت.

والسؤال المطروح هو: ما هي المكاسب التي يستطيع الرباعي أوباما - بايدن - كيري - هاغل الخروج بها من المفاوضات؟